التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 23, 2024

طارق عزيز وحكاية حَنّون البغدادي 

نبيل لطيف /

مهما فعل العراق الجديد، لن ترضى عنه ايتام صدام ومرتزقته من العرب الذين كانوا يشفطون شفطا اموال العراقيين للتغني بامجاد “بطل القادسية” و “ام المعارك” و “باني مجد العراق” و “حفيد نبوخذنصر وصلاح الدين”، فأبيض العراقيين لديهم أسود، وأسود العراقيين لديهم أبيض.

هذه الايام رجع العراقيون بالذاكرة الى ما قبل عام 2003، عندما كان الاعلام الصدامي والاعلام العربي والذي كان يدار باموال العراقيين المحاصرين، يتغنى بامجاد الطاغية وانتصاراته على العرب والمسلمين والجيران والاشقاء، وقبل هؤلاء انتصاراته على شعبه الذي قصفه بالكيمياوي ودفن مئات الالاف منهم احياء في صحارى العراق، دون ان يرحم الاطفال او النساء، فمادام المجرم هو صدام فلا بأس فيما يفعل، فكل ما يفعله كان صوابا وحقا، وان من ماتوا على يديه كانوا يستحقون الموت بلا رحمة ولاحتى تعاطف.

 

 

ما اعاد العراقيين بالذاكرة الى عهد الطاغية صدام والعراق الاسود، هو حكاية جثة المجرم طارق عزيز، الذي حوله الاعلام الذي مازال يتغذى على اموال العراقيين التي سرقتها ابنة سفاح العراق وهربت بها الى الاردن المدعوة رغد، الذي فصل عمها المجرم علي كيمياوي رأس زوجها المجرم حسين كامل عن جسده، بأمر من ابيها المجرم صدام حسين، الى حديث اليوم، حيث بُعث هذا الاعلام من قبره مرة اخرى، وهو يشن هجوما لا خطوط حمراء فيه على العراقيين، مكررا على اذهانهم عبارات “عراق صدام” و”عراق الامجاد” و “عراق الرجال الرجال”، و”عراق البطولة والفداء” و”عراق الاخلاق والعنفوان” و “عراق القيم العربية” والتباكي وبحرقه على عراق “العروبة” وما نزل به من ويلات.

 

 

 

اما سبب سماع العراقيين هذا الاسطوانة المشروخة هذه الايام يعود الى موت المجرم طارق عزيز في سجنه اثر تعرضه لازمة قلبية، وكذلك الضجة الاعلامية التي اثيرت حول استعداد الشعب الاردني، الذي سيخرج على بكرة ابيه لاستقبال جثة طارق عزيز، الذي اوصى ان يدفن في الاردن، تثمينا منه للكرم الذي احاط به الاردنيون اسرته، فكان لابد ان يعيد لهم الفضل بان يدفن في مقابرهم، دون ان يُشار الى الدور الفاضح والمكشوف لرغد ابنة السفاح وراء كل هذه الضجة المفتعلة.

 

 

 

ومن اجل ان تكون جثة طارق عزيز اكثر اهمية مما هي عليه حقيقة، اختلق هذا الاعلام المفضوح كذبة سرقة جثة طارق عزيز في مطار بغداد قبل ان ينقل الى الاردن، لحرمان الشعب الاردني من فرحته باستقبال الجثة، ولمنع المسيرات المليونية التي ستخرج في الاردن وهي ترفع جثة طارق عزيز على الاكتاف، مثمنين للرجل دوره البطولي عندما كان يقود دفة العراق مع “قائده الملهم صدام”، دون ادنى تدخل من ابنة السفاح والمرتزقة المحيطن بها من الناهبين لثروة العراقيين، الذين نكبوا بوالدها السفاح واعمامها القتلة على مدى اربعة عقود.

 

 

 

الذي كشف كذبة العصابة البعثية في العراق والاردن و وسائل الاعلام الممولة بالمال العراقي المسروق، والاعلام الطائفي البغيض، حول سرقة جثة المجرم طارق عزيز، السرعة التي انتشرت فيها الكذبة، وسرعة التحليلات والمقالات التي سودت بها عشرات المواقع المسمومة والحاقدة على العراق الجديد، رغم انف كل انصار العراق الاسود عراق الطاغية صدام، رغم انه لم تمر سوى ساعة او ساعتين على اعلان الكذبة.

 

 

 

نقول لمن تباكي على العراق الاسود عراق السفاح صدام حسين وعصابته المجرمة، ونفث سموم حقده على العراق الجديد، مدفوعا بطائفية كريهة او بدولارات قذرة، ان الشرطي والجندي العراقي في العراق الجديد يشرف كل رموزكم وطواغيتكم المجرمة، من السفاح صدام الى اقل جزار من جزاريه الذين كانوا يتفننون في قتل وتعذيب العراقيين.

 

 

 

ويكفي العراق الجديد، عراق الاخلاق والقيم والرجال الرجال، انه حاكم اكثر سفاحي العالم وحشية، في محاكم شهدها العالم اجمع، واُنتدب للدفاع عنهم عشرات المحامين، وبثت جلسات المحاكمة عبر شاشات التلفزيون وبشكل مباشر، رغم انه لم يكونوا يستحقون حتى ان يحاكموا مثل البشر، فهم كانوا اكثر وحشية من الوحوش الكاسرة، ولكن ابت القيادة العراقية الجديدة ان تعامل السفاحين، كما تعاملوا هم مع العراقيين، الذين اعدموا وغيبوا ودفنوا احياء، دون ان تقام لهم اي محاكم، ولم تسلم جثثهم لذويهم، اين هو قبر الشهيدة العلوية البطلة بنت الهدى، الم يتم تذويبها في احواض التيزاب؟، كيف تم محاكمة الفيلسوف الاسلامي الكبير الشهيد السعيد محمد باقر الصدر؟، كيف تم حرق لحيته و ثقب جمجمته وهو حي بالمثقاب الكهربائي؟، هل سلمت جثته الطاهرة لاهله بعد تعذيبه وقتله؟، هل حاكم السفاح صدام، ابناء واولاد المرجع الديني الكبير السيد محسن الحكيم؟، كيف قام بقتلهم وهم بالعشرات وفيهم العلماء والمفكرين واصحاب الشهادات العليا، بهدف الضغط على الشهيد محمد باقر الحكيم؟، هل حاكم “عراق الحضارة والشموخ والبعث” الشهيد محمد محمد صادق الصدر ونجليه، عندما قام زبانية السفاح بتصفيتهم اغتيالا وهم في الشارع، بطريقة اشبه بعصابات المافيا؟، اين جثث عشرات الالاف من الشباب الذين فصلهم الطاغية السفاح عن ذويهم، الذين سرق منهم ممتلكاتهم وقذف بهم على الحدود بتهمة “اصولهم الايرانية”، فيما قتل شبابهم في السجون وفي مصانع اسلحته الكيمياوية؟، اين مئات الالاف من العراقيين الذين دفنوا في الصحراء، هل خضعوا لمحاكم او هناك شواهد على قبورهم؟، هل حاكم السفاح ابو رغد والسفاح عم رغد اهالي مدينة حلبجة عندما ابادوهم بالاسلحة الكيمياوية؟ نكتفي بهذا ونترك للقلوب القوية ان تراجع بالصوت والصورة لتاريخ دام استمر اربعة عقود عاشه العراقيون تحت حكم سادي مرضي وحشي اسمه “عراق صدام.”

 

 

 

العراق الجديد في قمة الاخلاق والكرم والتسامح عندما، تغاضى عن كل تلك الكوارث والمصائب والفظائع الذي نزلت به، وسمح بمحاكمة السفاحين من رموز “عراق صدام” وعلى راسهم المجرم الطاغية صدام، وتسليم جثته الى ذويه وعشيرته ليدفنوه ويقيموا على قبره القباب، وان يحاكم مجرم مثل الوحش على كيمياوي، الذي قتل الالاف من الاكراد في دقائق، دون جريرة ارتكبوها، وان ينتدب له المحامين، وان تسلم جثته لاهله لدفنه، وان يحاكم باقي السافلين بنفس الطريقة وتسلم جثثهم الى ذويهم، ومن منهم المجرم طارق عزيز، الذي مات وهو في السجن، وكان بامكان العراق الجديد ان يدفن جثته في مكان ما او يلقي بها باحواض التيزاب او يلقي بها الى الوحوش او يلقي بها داخل الفرامات، ولكن هذا العراق ليس “عراق صدام حسين وعراق القادسية وام المعارك”، لذلك تم السماح لاسرته ان تتسلم جثته، وان يحترم العراق الجديد حتى وصيته، التي طلب فيها بان يدفن في الاردن وهذا ماحدث، ولكن رغم ذلك مازال ايتام “عراق صدام” من البعثيين والعرب المرتزقة على موائد بنت السفاح، ينعقون عن الظلم الذي نزل بسفاحي الشعب العراقي.

 

 

 

الشعب العراقي يعرف قبل غيره انه مهما فعل سيبقى هؤلاء ينعقون، فهذا ديدنهم، فالضجة التي اثيرت حول اعدام الطاغية صدام، كانت ستثار مهما كان اليوم الذي يعدم فيه، وان الضجة كانت ستثار مهمام كانت طبيعة المحاكمة التي يحاكم فيها الطاغية، وان الضجة كانت ستثار مهما كانت طبيعة موت طارق عزيز، كما بدا واضحا من كذبة سرقة جثته، رغم ان العراقيين فرحوا كثيرا بنقل جثته الى خارج العراق فأرض العراق لايشرفها ان يدفن امثال هذا المجرم فيها، وكان هذا الشعب يفضل ان تنقل جميع جثث هؤلاء السفاحين الى الاردن او الى غيرها لقيام عليها الماتم ليل نهار الى ان تنتهي ثروة العراقيين التي سرقتها رغدة، فجثث هؤلاء كجثة طارق عزيز، لا اهمية لها عند العراقيين، كما انها ليست ذات اهمية عند من يتباكى عليها في الاردن وغيرها، لولا اموال رغد، لذلك فان حكاية جثة طارق عزيز تشبه الى حد كبير حكاية حنون البغدادي، الذي كان مسيحيا فدخل الاسلام، الامر الذي اثار بعض اللغط بين البسطاء من الجانبين ما دفع احد الشعراء الى وصف حال حنون بين المسلمين والمسيحيين، ببيت من الشعر اصبح مع مرور الزمن مثال يضرب للشيء عديم الاهمية الذي يحاول البعض اعطائه اهمية لا يستحقها:

 

مازاد حنون في الاسلام خردلة

ولا النصارى لهم شغل بحنون

 

 

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق