التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

الفتنة تحت عنوان الجوع والخدمات! 

عبدالرضا الساعدي 
بين فترة وأخرى يتم التحضير والتهيؤ لبعض الحملات أو الإثارة الإعلامية ، عبر وسائل متعددة ومنها شبكات التواصل الاجتماعي  وغيرها ، وحتى بعض الصحف والقنوات الفضائية ، مرة بدعوى الطائفة وأخرى بدعوى الخدمات واليوم بدعوى الحالة الاقتصادية والمعيشية وما يعانيه المواطن من فقر وجوع ، وغدا ستكون لأسباب أخرى لا نعرفها..
هذه الحملات ليست تلقائية أو عفوية أبدا ، بل هي في معظمها منظّمة ومدعومة من الجهات المستفيدة أو المعادية للعملية السياسية في البلد ، مثلما هي معادية لاستقرار الشعب وأمنه وحياته بشكل عام.. وقد تكون جهات داخلية متضررة من قيام النظام الديمقراطي بعد عقود طويلة من الديكتاتورية ، وقد تكون بعض هذه الجهات مشتركة بالعملية السياسية ولكنها تعمل بوجهين ، أحدهم لإرضاء المصلحة الشخصية والحزبية المعينة ، والوجه الآخر لإرضاء أطراف خارجية داعمة وموجهة للتحريض ضد مصلحة البلد العليا ، من أجل خلق الأزمات والقلاقل والاضطرابات ، مستثمرين الأجواء الديمقراطية التي تسمح بممارسة المظاهرات وحرية التعبير عن الرأي في وسائل الإعلام المختلفة ، ومن ثم تفجير الوضع بما يؤدي إلى تداعيات ونتائج يخططون لها في كل مرة وفق أجندات مخطط لها سلفا.
تريد بعض هذه القوى اليوم استغلال ظروف البلد الاقتصادية لاسيما بعد هبوط أسعار النفط  ، وحالة التقشف في بعض مفاصل الدولة هنا وهناك _ كإجراء احترازي واستباقي _  يجعل الدولة في مأمن من أسوأ الظروف المحتملة ومن أجل مصلحة المواطن كي لا يتأثر بالحالة القائمة أو اللاحقة مستقبلا .. لكن بعض القوى المذكورة تلعب على هذه الورقة الاقتصادية والمعيشية للمواطن ، ومن خلفها آلة إعلامية خبيثة تنفث السموم ليل نهار لتلهب مشاعر الغيظ فى قلوب الآخرين ، لتصور الوضع بطريقة أخرى مريبة ، وتقوده من خلال مدخل (ثوري) بإسم الجياع والفقراء !! كي تحرق الأخضر واليابس كما فعلت بالأمس في منصاتها تحت عناوين  الحقوق والمواطنة والطائفة والمذهب والعشيرة وغيرها من العناوين التي تخفي تحت غطائها أهدافا أخرى ، تبينت لاحقا بعد العاشر من حزيران من العام الماضي 2014 م وما  حصل في تلك المناطق من ذبح وتهجير للناس وتحطيم البنية التحتية لها.. بينما (مشعلو الحرائق ) هربوا وتواروا عن الأنظار وتركوا الضحايا لمصيرهم المجهول.!!
تلك هي الكارثة التي يراد لها اليوم أن تعود بشكل آخر ومحتوى جديد وبعناوين أكثر إثارة ومقبولية لدى الشارع ومنها ما يعرف ب (ثورة الجياع) !! كما يدعونها من أجل التحريض لمعركة يعدون لها في الشارع العراقي ، وهناك كثير من وسائل الإعلام المسمومة تقوم بتجهيز ساحة المعركة الآن وتنفث السموم في الصدور..من أجل ازدياد حالة الضغط الذي يولد الانفجار وفق نواياهم وحساباتهم ومخططاتهم المريضة.. فها هي اليوم تروج للشائعات
والأقاويل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها كذلك الترويج والمضاربة في أسعار العملات وتصاعد قيمة الدولار أمام الدينار العراقي لخلق زعزعة في ثقة الناس بالدينار وبالتالي خلق أزمة نفسية واجتماعية أكثر منها اقتصادية ، ومن خلف ذلك مضاربون وتجار و(طابور خامس) يعمل ليل نهار من أجل تلك المهمة الخطرة.
(ثورة الجياع) مصطلح ليس بالجديد على التاريخ القديم أو المعاصر فهي أول ثورة قام بها المصريون ضد الملك الفرعوني بيبي الثاني ،  وفي التاريخ المعاصر استغلته العديد من القوى لاسيما في أحداث ما يعرف ب ( الربيع العربي ) وقبلها ، في مصر تحديدا وتونس كذلك ، لتأجيج الوضع الشعبي ضد حالة سياسية قائمة يراد تغييرها وفق أجندات معينة ، ولهذا فهي في مظهرها الخارجي يبدو إنسانيا ووطنيا وشرعيا ، ولكن الدوافع الحقيقية لمن يقودون هذا المصطلح ، شيء آخر ضد مصلحة هؤلاء الناس المندفعين والمحتجين بصدق وحماس وشعور وطني وعاطفي ، لتظهر النتائج بعد زوال الغبرة ، أن الناس خرجت (من المولد بلا حمص) كما يقول المثل الشائع!..والسبب هو هؤلاء أنفسهم اليوم الذين يروجون لهذه المفاهيم في الشارع ، ولكن لأغراض أخرى عديدة غير وطنية وإنسانية بالمرة.. وأولها الفتنة .
وكما يقول بعضهم ((مِنْ أكبر الفتن التي يمكن أن يمرَّ بها الإنسان فتنة الجوع، وليس المقصود هنا الجوع الذي يسبق وجبة الطعام؛ إنما المقصود هو الجوع الشديد الذي لا يجد فيه بعض الناس من الطعام ما يدفعونه به! فإذا وصل الناس إلى هذه الحالة صار وقوعهم في أي فتنة قد تطرد عنهم هذا الجوع أمرًا قريبًا جدًّا)) ..ولكن  رب الجلالة والعزة يقول {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ } [البقرة : 191] . 

ومن المؤكد فإن هذا يحصل بعد أن اتضحت النتائج وتتضح يوميا على أرض المواجهة لصالح
قوات الجيش والأمن والحشد الشعبي ضد جماعات داعش الإرهابي ، والانتصارات المتلاحقة في مناطق كثيرة في آمرلي وصلاح الدين وديالى وجرف النصر وسنجار والرمادي وغيرها من مناطق العراق.. بمعنى فشل الإرهاب يوميا على أرضنا يراد له معادل إرهابي من نوع آخر ، وهذه المرة إرهاب تعبوي تحريضي تحت يافطة الجياع ، تعمل على إثارته جهات متخصصة تجرجر تحت إبطها جهات داخلية غير معروفة ربما تدريجيا لتصبح مساحة الإعلان أوسع وقيمته مدفوعة الأجر مقدما أيضا !.
وها هم يلوحون عبر (الفيس بوك والتويتر وغيرها من وسائل الترويج ) بأن ثورة الجياع قادمة !!

وتستغل جهات الفتنة هذه ، الكثير من الإخفاقات الحكومية والسياسية إضافة للخلافات بين الكتل طبعا ، وظاهرة الفساد .. إخفاقات في مجالات السياسة والخدمات ومشاكل الاقتصاد اليوم تحديدا بعد انخفاض سعر النفط في الأسواق العالمية ، وتستغل قضية طوابير العاطلين ، وتوقف المصانع والمعامل ورواتب العاملين فيها لبضعة أشهر، وتستغل كذلك قضية الترف الحكومي مقابل هذا كله .. وهذا يعني أن قوى الفتنة والإثارة والضجيج ترفع من الظاهر كلمة حق يراد بها باطل ، وهناك تعبئة موجودة منذ  سنوات عدة تقريبا في الشارع بهذا الاتجاه منذ حكومة السيد المالكي وتحت عناوين براقة  تدعو أصحاب هذه الشعارات المدسوسة ومن يدعمهم من (مشعلي الحرائق) صاروا يزحفون حتى على المنابر الإعلامية التي تصنف بكونها (معتدلة ) وبدأت تحاول أن تكون مؤثرة من خلال الترويج والتضليل والتلاعب بالألفاظ والمفاهيم كي تبدو حقيقية وصادمة وقابلة للتفجير.
العديد من الناس والعقلاء وأصحاب الرأي والوعي في العراق، يرون أن هذا الحراك المشبوه هو إرهاب آخر .. بل فتنة كبرى يراد لها أن تنشب تحت عنوان الجوع والفقر ، 

وعلى الحكومة والبرلمان أن تنتبه وتحذّر المواطنين من تداعيات هذا الأمر ، في ذات الوقت على المسؤولين أن يطمئنوا الشارع من خلال إجراءات وتدابير عاجلة على الأرض وأخرى آجلة ، برفقة إعلام مقنع وصحيح  موجّه ومدروس يتابع كل شاردة وواردة ، كي يقطعوا الطريق على  هؤلاء بوقت مبكر ، ومن بين أهم الإجراءات المطلوبة الطمأنة الاقتصادية والتحرك الفوري للشارع من قنوات ووسائل مباشرة وغير مباشرة لإيصال المعلومة المفيدة والإشارة المريحة والإجابات عن أسئلة متراكمة في الصدور تخفف من الإحساس بالضغط والاستفهام لدى المواطن ، ويرى الكثير من المواطنين ،ومن خلال استطلاعات عديدة ،أنه يجب على دوائر الدولة أن تعمل على تخفيف  الروتين من على كاهل المواطنين ، لأن تعقيد المعاملات اليومية من شأنه أن يساعد أهل الفتنة على تحقيق أهدافهم في إشعال الحرائق ، ولهذا يجب البدء فورا بتقليص وإزالة الكثير من الحلقات الزائدة والمتعبة التي تلف دوائرنا الرسمية ،كي نخلق أجواء مثالية نكسب من خلالها الشارع اليومي ونجعله على استعداد لمواجهة قوى الفتنة التي تتحدث بإسمه وبإسم (ثورة الجياع) المزعومة التي يريدون من خلالها التهام الجياع والبلاد بأسرها ..

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق