في فلسطين … طفولة تعاني آلام الاحتلال
يقف الطفل المقدسي زكريا جولاني ذو الثلاثة عشر ربيعاً أمام المرآة مغطياً عينه اليمنى، يحاول عبثاً الرؤية من خلال عينه اليسرى، يتمنى لو يستطيع الرؤية بها ولو بشكل طفيف، يتذكر والعبرة تخنقه أن عينه اليسرى ما هي إلا عينٌ صناعية ركّبت له من أجل التجميل لا غير.
فقد زكريا عينه اليسرى عندما كان في طريق العودة من مدرسته إلى منزل عائلته الكائن في مخيم شعفاط في القدس، حيث فوجئ بعدد كبير من الجنود الإسرائيليين يعتلون أسطح المنازل ويراقبون أعمال بناء جدار الفصل العنصري، أطلق الجنود طلقة اسفنجية سوداء من النوع “4557” أصابت عين زكريا فأطفأتها. خضع زكريا لعملية جراحية استمرت لمدة ساعتين جرى خلالها إزالة بقايا عينه التي تضررت بشكل كبير، وبعد حوالي خمسة عشر يوماً جرى زرع عين زجاجية تجميلية مكانها.
زكريا ليس الطفل الأول في فلسطين الذي يفقد ضياء عينه جراء اعتداءات الجنود الإسرائيليين، ففي العام الماضي فقد الطفل صالح سامر محمود “12 عاماً” ضياء عينيه الاثنتين بعد إصابته برصاصة مطاطية أطلقها باتجاهه الجنود الإسرائيليين من مسافة لا تزيد عن ثلاثة أمتار. هذا هو حال أطفال فلسطين اليوم، فلسطين التي ما زالت تعاني ومند أكثر من خمسة وستين عاماً من ظلم الاحتلال وهمجيته، كان لأطفالها نصيبهم من هذه الهمجية، فتحولت حياتهم إلى مزيج من الشهادة والجراح واليتم والشقاء.
الطفل الفلسطيني شهيداً:
قلَّما يمر يوم على الشعب الفلسطيني لا يفقدون فيه أخاً أو عزيزاً، فحياة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال هي أشبه ما تكون بالجحيم الذي لا يطاق، تحولت خلالها حياتهم إلى مسلسلٍ من الآلام والجراح وفقدان الأحبة، لم يكن يوم الخامس والعشرين من نيسان الماضي كبقية الأيام بالنسبة لأم الطفل علي أبو غنام، والذي كان استأذنها للذهاب لحضور حفل زفاف صديقه في قرية الزعيم شرق القدس المحتلة، وما هي إلا ساعاتٌ قليلة لترى أم علي طفلها اليافع شهيداً، بعد أن أطلق عليه جنود الاحتلال النار على حاجز الزعيم العسكري فأردوه شهيداً على الفور. علي هو الطفل الأول الذي يستشهد هذا العام بفعل الرصاص الحي الذي أطلقته قوات “حرس الحدود الإسرائيلي”، بينما شهد العام الماضي استشهاد 11 طفلاً فلسطينياً في الضفة الغربية إثر تعرضهم لإطلاق نار حي من قبل هذه القوات.
هؤلاء الأطفال الشهداء يضافون إلى 447 طفلاً آخرين سقطوا في قطاع غزة عام 2014م، إذ تحدث تقريرٌ لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” عن استشهاد ما يفوق 447 طفلاً خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف العام 2014، وقالت المنظمة في تقريرها إن أكثر من 70% من الأطفال الذين قتلوا كانوا يبلغون من العمر 12 عاماً أو أقل أصغرهم طفلة عمرها 10 أيام. [1]
هذا الرقم جاء في وقت تؤكد فيه الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين شهادة 547 طفلاً خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، 535 طفلاً منهم استشهدوا نتيجةً للهجمات الإسرائيلية المباشرة عليهم. [2]
أجسادٌ نحيلةٌ تعاني مرارة الأسر:
يقبع في سجون الکيان الإسرائيلي أكثر من 182 طفلاً أسيراً، 26 منهم تحت سن الرابعة عشرة. [3] يعاني هؤلاء الأطفال ظروفاً قاسية أقل ما يمكن وصفها بأنها لاإنسانية، حيث يتعرض الأطفال الأسرى إلى أنواع التعذيب النفسي والبدني القاسية من ضرب وتهديد وشتم وحرمان من الطعام والنوم والزيارة، كما يخضع الأطفال الأسرى إلى ضغوط هائلة بهدف تجنيدهم للعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية. بالإضافة إلى حرمانهم من حقهم في التعليم والحياة الكريمة.
دموع يُتمٍ لن تجف:
من منا لا يتذكر مشهد الطفلة هدى غالية وهي تصرخ محاولةً إيقاظ أبيها الذي رقد شهيداً على شاطئ غزة، يومها حولت نيران مدفعية البحرية الإسرائيلية رحلة عائلة هدى إلى عزاء كبير، ما هي إلا لحظات قليلة تحولت خلالها ضحكات هدى إلى صرخات مكلومة وهي ترى أفراد عائلتها بين شهيد وجريح. هدى هي واحدةٌ من آلاف الأطفال الفلسطينيين الذين جربوا طعم اليُتم، فقدوا أحبتهم وأهلهم وإخوانهم، كثيرٌ منهم كبُر سريعاً، وحرم من أن يعيش طفولته كبقية الأطفال. فأن تكون طفلاً في فلسطين يعني أن تعتاد على فقد الأحبة، يعني أن تستعد للشهادة في أي لحظة، يعني أن تستعد لتجرب كل أصناف المعاناة التي عرفتها البشرية.
اعتداءاتٌ مستمرة وضربٌ مبرح:
يعاني الشعب الفلسطيني وخصوصاً سكان مناطق الـ 48 والضفة الغربية من إعتداءات المستوطنين الإسرائيليين المستمرة، هذه الإعتداءات لا تفرق بين كبير وصغير، ولكن الطفولة الفلسطينية تبقى ضحيتها الأكبر، فها هي الطفلة الخليلية مروة ذات السبع سنوات تعرضت لاعتداءات المستوطنين الذين هاجموها أثناء عودتها من المدرسة وطرحوها أرضاً وقاموا بحرق شعرها، أما الطفل عزت من سكان قرية سنيريا قضاء قلقيلية والبالغ من العمر عشرة أعوام، فتعرض لتعذيب الجنود الإسرائيليين وضربهم المبرح لمدة تتجاوز الساعتين ونصف، وذلك عندما قام هؤلاء الجنود باقتحام بيته والتحقيق معه بحجة وجود مسدس في المنزل. وبعد أن أوسع الجنود الإسرائيليون الطفل عزت ضرباً وشتماً وتهديداً غادروا المنزل من دون أن يعثروا على شيء.
يذكر أن إحصاءات صدرت مؤخراً عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، تحدثت عن وقوع أكثر من 2100 حالة اعتداء نفذها مستوطنون إسرائيليون منذ عام 2006، 399 منها وقع عام 2013 وحده. [2]
صمتٌ دولي وتجاهلٌ متعمد:
معاناة أطفال فلسطين المستمرة يقابلها صمت المجتمع الدولي وغضه الطرف عن جرائم الکيان الإسرائيلي، فدماء الطفل الفلسطيني وحياته لا تستحق تعريض علاقات هذه الدول مع الكيان الإسرائيلي للخطر، لربما تفسر هذه الحقيقة المؤلمة قرار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عدم إدراج الجيش الإسرائيلي في لائحة المجموعات التي ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الأطفال، قرار بان كي مون هذا يعكس حجم الضغوط التي تعرض لها من قبل الكيان الإسرائيلي وأمريكا لمنعه من القيام بذلك، ويذكرنا بآلاف الانتهاكات والجرائم التي أقدم على ارتكابها الكيان الإسرائيلي في حق الإنسانية والطفولة من دون أن تلاقي رقيباً أو حسيباً أو حتى إدانة.
المصدر / الوقت