التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

بين الجنوب السوري والأردن: قراءة إستراتيجية في السيناريوهات المتوقعة عسكرياً وسياسياً 

لا شك أن الحروب تُدار من غرف العمليات. لكن الواقع السياسي والعسكري والأمني اليوم، هو الذي يُحتِّم على واضعي الخطط وصانعي التكتيكات العسكرية، قراءة الواقع الميداني بعمق، لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور. لكن تداخل الحسابات الخاصة مع المصالح القومية، الى جانب وجود الإرهاب على الحدود، كلها من الأمور التي تعني الكثير للدول وتصعب المهمة. وهنا يجري الحديث عما يحدث في الجنوب السوري، والدور الأردني والإسرائيلي فيه. الى جانب الحديث عن السيناريوهات المطروحة، للمستقبل، خصوصاً بعد تصاعد وتيرة الحشد التكفيري هناك. فكيف يمكن وصف الجبهة السورية جنوباً؟ وما هو المتوقع من سيناريوهات؟ وما هي دلالاتها وإنعكاساتها الإستراتيجية؟

توصيف الوضع الميداني جنوباً:

يمكن توصيف الواقع الميداني في الجبهة الجنوبية وبطريقة موضوعية على الشكل التالي:

– تحصل عملية تنظيمٍ لصفوف المقاتلين، ودعمٌ غير مسبوق للحشد عسكرياً في الجنوب السوري. وذلك من خلال عمليات التجنيد والتسليح النوعي والدعم المالي واللوجستي والإستخباراتي للجماعات المسلحة التي تُدار وتُزوَّد بإحتياجاتها كافة، من الجانبين الإسرائيلي والأردني بالتحديد.

– وهو ما أدى بالنتيجة، الى تصعيدٍ عسكريٍ في العمليات، من خلال التنسيق والدعم الإسرائيلي المتزايد لجبهة النصرة الإرهابية. مما أتاح لها حرية التمركز والتحرك ميدانياً وبالتحديد في حالة الهجوم، مع ما رافقه من حصولٍ على السلاح والتجهيزات، بصورة غير مباشرة، من مزوّدي تنظيمات غرفة عمليات “الموك” في عمان. مما نتج عنه شيء من الإرتباك العسكري في الجيش السوري أدى الى حالة من الإنسحاب وإعادة التموضع العسكرية أكثر من مرة خلال الأشهر القليلة الماضية.

بإختصار، التقييم الدقيق بناءاً للتوصيف:

لا يمكن التقييم إلا بناءاً لحقائق الميدان، وهو الأمر الذي يقودنا لنقول التالي:

– من منطلق الأخذ بعين الإعتبار التداخل في الحدود السورية الأردنية، الى جانب وجود أطراف تتفق أيديولوجياً، إذ لا يجب التمييز كثيراً بين تنظيم جبهة النصرة الإرهابية، وبين تنظيمات “الموك”، لكثرة ما يوجد من تداخل ميداني عميق بين الفريقين، إضافةً إلى التداخل في الأيديولوجية التكفيرية. فماذا يعني ذلك؟

– يؤدي هذا التصور الى إعتبار أن ميزان القوى في ميدان الجبهة الجنوبية، يميل واقعاً لصالح الإرهابيين. خصوصاً إذا تم الأخذ بعين الإعتبار الدعم الحاصل لتقوية هذه الجبهة، من خلال الحشد والقدرات والإستخبارات، وهو الأمر الذي يسمح عسكرياً لمزيد من التوسّع للمسلحين، ويمكِّن التنظيمات التكفيرية، لا سيما جبهة النصرة الإرهابية من تهديد السويداء.

بناءاً لما تقدم، ما هو المتوقع للمستقبل؟ ولماذا تم إشعال الجبهة جنوباً؟

لم يكن موضوع إشعال الجبهة الجنوبية أمراً، حدث صدفةً. فالجميع يعرف أن الأزمة السورية، تُدار بتفاصيلها من محركيين إقليميين ودوليين، لا سيما عندما يتعلق الأمر بحدود الدول والجغرافيا السياسية. فمنذ إشتعال الأزمة ظلت الجبهة الجنوبية بعيدة عن التصعيد العسكري إذا صح التعبير. فماذا حصل اليوم؟ وكيف تغيرت قواعد الإشتباك الميدانية؟

إنطلاقاً مما تقدم من توصيفٍ وتقييم، يمكن قول التالي:

– أخذت الإدارة الأمريكية على عاتقها رسم سياستها تجاه سوريا، من منطلق التعاطي مع ما تفرضه وقائع الميدان، وهذا هو الأسلوب الأمريكي البراغماتي المعروف. ولذلك وخلال الفترة الأخيرة، ظلت سياسة واشنطن تجاه الحرب في سوريا غامضة الإستراتيجيات، لكنها واضحة الأهداف. ولأن الواقع الميداني في الحرب السورية، تطور من مرحلة الصراع العسكري الفوضوي الى مرحلة تقسيم الجغرافيا السياسية، يبدو أن واشنطن تخطط للمساهمة في رسم ما يُسمى بـ”خطوط التماس” العسكرية. وذلك إنطلاقاً من أن الجميع في المعركة يعملون على قاعدة حسم المناطق العسكرية الخاصة بهم. مما قد يؤدي بحسب العقل الأمريكي، الى الضغط على النظام السوري، عسكرياً من خلال الواقع المفروض أو سياسياً من خلال المفاوضات.

– وهو الأمر الذي لا يجب فصله عن أحداث الشمال السوري. فمن الواضح أن تراجع أردوغان في تركيا، سيؤثر على سياسة أنقرة الإقليمية، وبالتحديد فيما يتعلق بالجبهة الحدودية التركية السورية. مما يفرض على المخطط، الإنتقال الى صنع قواعد إشتباكٍ جديدة في الصراع، تنقل الأنظار الى جبهةٍ يمكن أن تكون أقوى وأكثر ضغطاً على النظام السوري. وهو الأمر الذي يمكن القول أنه تمت ترجمته، بنقل ثقل الدعم الخارجي للجماعات المسلحة، من شماليّ سوريا إلى جنوبها.

– إن الواقع الميداني الكلي للأزمة السورية، وإذا نظرنا له بشمولية، فإن قراءته المستقبلية، ترجح كفة الميزان لصالح محور المقاومة. وذلك لأسبابٍ عديدة، أهمها تصاعد إنتصارات حزب الله اللبناني على جبهة القلمون وعرسال، الى جانب أن نتائج الإنتخابات التركية، من الواضح أنها أثرت على الجبهة الشمالية. كل ذلك جاء ليُجبر المُخطط لحرب الفوضى الإرهابية، على نقل المعركة، وفتح بابٍ لصراعٍ جديدٍ في جغرافيا جديدة، على الرغم من أن في ذلك مغامرة كبيرة.

– فقد تكون الجبهة الجنوبية أمراً أفضل لأمريكا من ناحية أن الأردن شريكٌ منضبطٌ أكثر من تركيا. لكن الرهان على تنظيمات الموك وجعلها تتشارك ميدانياً مع جبهة النصرة الإرهابية، هو من الأمور التي وعلى الرغم من أنها قد تشكل تحدياً جديداً لمحور المقاومة، إلا أنها ستكون مغامرة أردنية تصل الى حد المقامرة.

– فعلى الرغم من إيمان القوات العسكرية الأردنية بفاعلية السور الرقمي الموجود على الحدود بين سوريا والأردن، إلا أن الخلايا النائمة المؤيدة لتنظيم داعش والنصرة الإرهابيين في الأردن، أمرٌ يشكل خطراً على الداخل الأردني، والذي بقي لفترة طويلة مضبوطاً. كما ان عدداً كبيراً من قادة هذه التنظيمات تعود أصوله إلى الأردن، ويوجد حواضن شعبية لهذه التنظيمات.

النتيجة كما هي:

قد يراهن الكثيرون على الواقع الموجود في الجنوب السوري، الى جانب الدور الأردني. كما قد يعتمد البعض على الحواضن الإجتماعية، القبلية والدرزية، في الجنوب السوري، والتي لها ارتباطات أو خطوط اتصال، مع النظام الأردني. ليخلص الى نتيجة أنه يمكن إدارة الجبهة الجنوبية، وضبطها. كما أنه من المحتمل أن يكون إشعال هذه الجبهة، يهدف الى تبرير التدخل العسكري، الإسرائيلي أو الأردني بحجة حماية سكّان السويداء من مجازر التكفيريين. فإستيلاء جبهة النصرة على اللواء 52، واقترابها من السويداء، لم يكن صدفة. الأمر الذي  قد يفتح الباب أمام تدخلٍ عسكريٍ تحت عناوين إنسانية لمنع تمدد الإرهاب. فكالعادة يروج دائماً “للحرب على الإرهاب”، من أجل تبرير التدخل لعسكري.  

قد تبدو المسألة بسيطة على طاولة التخطيط، لكن الأمور معقدة كثيراً، عندما يتعلق الأمر بالميدان. فلا يمكن الفصل بين التنظيمات الموجودة بين الجنوب السوري والأردن. فقد لا يكون هناك علاقة مباشرة بين الطرفين، لكن في الميدان ثمة تداخل، بالإضافة إلى التنسيق الأمني. مما يعني أن سقوط الجنوب السوري سيعني استيلاء الإرهاب التكفيري عليه. ليصبح الأردن جاراً للإرهاب التكفيري، ولن تدوم صفقاته مع التنطيمات الإرهابية طويلاً، فيما سيخسر الأردن ويربح الكيان الإسرائيلي .

 محمد علي جعفر

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق