حقائق بين أمريكا وداعش (الجزء الأول): واشنطن واستراتيجية ورد النيل الجديدة لإحتلال العراق
على الرغم من التخبط الذي تعاني منه واشنطن باتجاه سياسات المنطقة والعالم، إلا أنها ما تزال تضع العراق ضمن أولوياتها، وتسعى ليلاً ونهاراً لبسط نفوذها على أرضه. فقد كثرت التصريحات مؤخراً، حتى على لسان الرئيس الأمريكي، كما المؤتمرات ومراكز التخطيط الإستراتيجية حول خططٍ جديدة لإحتلال العراق. مما يؤكد أن العراق كهدفٍ أمريكيٍ للإستعمار، ما يزال مطروحاً النقاش به، على طاولة وزارة الحرب والبيت الأبيض. لكن الجديد هذه المرة هو الكلام الصريح عن إعادة الإحتلال، إنما تحت حجج الدفاع عن مصلحة العراق ككل، والبعض كجزء، بعد أن كان التدخل في الإستراتيجيات السابقة، يُرَدُّ الى أسبابٍ إتهامية وعدائية، كما حصل في 2003. لكن الأمر المعقد والذي يجب تبيانه، هو الإستراتيجية الجديدة التي ستعتمدها واشنطن. فما هي استرتيجية ورد النيل الجديدة؟ وكيف يمكن ربط مخطط واشنطن بداعش؟
أولاً: توصيفٌ لتطور الإستراتيجية الأمريكية تجاه العراق:
سعت أمريكا منذ 2003 الى بسط نفوذها في العراق، لكنها كانت في الوقت عينه تعمل على بناء أرضيةٍ للإرهاب، مُعتمدةً على رجال النظام السابق بالتحديد. لكن أمريكا دخلت العراق بحجة إنقاذه من نظام صدام حينها وعبر خططٍ مموَّهة. أما اليوم ومن خلال متابعة التصريحات الأمريكية في الأشهر الأخيرة، نَخلُص الى نتيجةٍ مفادها أن واشنطن إنتقلت من سياسة تمويه خطط إحتلال العراق، الى سياسة إعلانها وبصراحة. وهنا نقول التالي:
- تعمل واشنطن اليوم، على تنفيذ مشاريعها الإستعمارية هذه المرة بطريقة غير معتادة، وتحت حجج مساعدة العراق ومحاربة “داعش الإرهابية”، متمسكةً برضا بعض العراقيين، الذين راهنوا على الإدارة الأميركية وتورطوا في مخططاتها الإستعمارية والتعامل معها.
- تثبت أقوال الرئيس أوباما المتناقضة من فترةً لأخرى، تنفيذه للمخططات الموضوعة سابقاً قبل انتخابه، أي كما اعتادت السياسة الأمريكية العمل إستراتيجياً. وهو الأمر المعروف في واشنطن، بحيث أن الرئيس يمضي في خطط الأسلاف، وبالتحديد مخطط كسينجر الإستراتيجي والطويل الأمد. إلا أن الرئيس الأمريكي إعتمد في الإستراتيجية العملية تجاه العراق، وكما ذكرت صحيفة “الإندبندنت البريطانية” بتاريخ 13/6/2015، على إرسال قنابل لا جنود، وتجنب التضحية بعديد الجيش الأمريكي ضد تنظيم داعش وغيرها. فالواضح أن أوباما يقع بين نارين، نار التضحية بالكلفة البشرية، وهو الأمر الأنجح عسكرياً لما يمتلكه الجيش الأمريكي من قدرات عسكرية فنية وبشرية، وبين الإعتماد على إرسال السلاح للعراقيين(بحسب المصلحة الأمريكية) بحيث يقوم العراقيون بتنفيذ المخطط. فالمشكلة في الطرح الأول أنها تعني تحمل خسائر بشرية في صفوف الجيش الأمريكي، مما يشكل ضغطاً على إدارة أوباما أمام الشعب الأمريكي. أما الطرح الثاني، فيعني عدم ضمانة واشنطن تحقيق الأهداف التي تريدها، وبحسب المناطق المرسومة في خريطتها. لذلك، فإن أوباما في الوقت الذي يعلن دون حرج أن ادارته لا تملك إستراتيجية كاملة لهزيمة تنظيم “داعش” في العراق وسورية، يوقّع على قرار إرسال 450 مستشاراً اضافياً لأكثر من 3100 مستشار سابق بشكل رسمي، غير أولئك الموجودين لحماية السفارة الأميركية، والتي بالمناسبة تُعتبر أكبر سفارة أميركية في العالم، لما تضمُّه من أفراد وشركات خاصة تابعة، كـ”بلاك ووتر” ومشتقاتها.
- وهنا نشير الى أن الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، قال: “إن الولايات المتحدة تبحث في إقامة المزيد من القواعد العسكرية الأميركية في العراق للتصدي لتنظيم داعش في خطوة قد تتطلب نشر المزيد من القوات الأميركية”. ووصف ديمبسي “قاعدة التقدم”، التي أقامتها قواته في محافظة الأنبار، “بأنها منصة للجيش الأميركي حتى يتوسع أكثر في العراق بهدف تشجيع وتمكين القوات العراقية في قتالها لتنظيم داعش”.
- وبالتالي تعتبر الإستراتيجية الجديدة والتي أطلق عليها إسم “إستراتيجية ورد النيل” تغييراً في سياسة أوباما الذي يتعرض لضغوط متزايدة لبذل المزيد من الجهود للحد من تقدم مقاتلي التنظيم المتشدد. ليس لما يشكله ذلك من مصلحة للعراق، بل لما شكله تقدم تنظيم داعش الإرهابي، وفي مناطق معينة، ضراراً على المخطط الأمريكي. لذلك فإن الطريقة الجديدة لإحتلال العراق، تعتمد على الإنتشار الواسع على الأرض وفي الميدان العسكري، بذريعة تقديم الدعم للقوات العراقية على خطوط القتال المتقدمة والأمامية. وهو ما بيّنه ديمبسي بقوله “إن مواقع التدريب المستقبلية المحتملة مثل قاعدة التقدم ما هي إلا جزء من تخطيط حذر”. وتابع قوله: “على مستوى التخطيط، الأمر ليس نظرياً بل عملياً جداً. فنحن ندرس المواقع الجغرافية وشبكات الطرق والمطارات والأماكن، التي يمكننا إقامة هذه القواعد فيها بالفعل”.
- لذلك فقد يكون سقوط الرمادي مؤخراً، في أيدي عناصر داعش الإرهابية، جعل الإدارة الأمريكية تحسم النقاش حول أولوياتها الإستراتيجية الحالية. فقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 10\06\2015، عن مسؤولين أميركيين أنه من المتوقع أن تصبح الأنبار حالياً، مركز الإهتمام في حملة طويلة المدى تهدف إلى استعادة الموصل في مرحلة متقدمة ربما لا تكون قبل عام 2016. وهذه الأقوال تثبت النوايا الأمريكية والتي تفكر بها واشنطن اليوم، والتي تقع تحت المحاولات الجديدة لإعادة الإحتلال.
ثانياً: ما يجب قوله:
لا شك أنه ليس من المُستغرب قيام واشنطن بالتخطيط من جديد لمحاولة إعادة إحتلال العراق. لكن الواضح أن أمريكا التي ادعت محاربة الإرهاب، تقوم بإستغلال وجود تنظيم داعش الإرهابي، في مناطق معينة، من أجل تبرير تدخلها تارةً، ومن أجل إعتماده كورقة ضغط على العراقيين، كما حصل في معركة تكريت، تارةً أخرى. وبالتالي فإن أمريكا التي ساهمت أساساً في بناء التنظيم الإرهابي ودعمه، وأسست لإنطلاقه من الأرض العراقية، وصلت الى مرحلةٍ لم تعد قادرةً على تحديد أولوياتها، بالخصوص بعد أن سارت الأمور على عكس ما أرادت. فداعش أصبحت قوة جديدة على الجغرافيا السياسية، التي تضم مناطق وقعت تحت العين الأمريكية، في حين تتداخل في إدارة الإرهاب مصالح العديد من الدول، ومنها الدول الخليجية وتركيا. وهو الأمر الذي يُصعِّب المسألة على واشنطن. لذلك فإن أمريكا اليوم، تعتمد على آخر ورقةٍ قويةٍ لها في المنطقة وهي محاولة إعادة إحتلال العراق. فالصراع القائم اليوم، لم يعد سهل التوجيه. وبالتالي، فإن محاولة واشنطن، ليس من باب مساعدة العراق، ولا من باب قتال الإرهاب، بل لأن أمريكا العاجزة لم تعد تمتلك خياراتٍ أخرى.
محمد علي جعفر
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق