تداعيات التدخل المباشر لتركيا في سوريا: الغرق في فيتنام جديدة؟
تستمر تركيا بإضرام النار في البيت السوري وكأنها لم تشعر بعد أن اللهيب قد ينتقل إلى فناء بيتها ويشعل ناراً قد تعود بها سنوات إلى الوراء. فالدولة الناظرة إلى تاريخ الأمبراطورية العثمانية والتي تلاشت أحلامها وعادت مرات لإحيائها دون جدوى في مخيلتها، لم تتوانى منذ بداية الأزمة السورية بالتدخل في شؤون جارتها ودعم المجموعات الإرهابية عدّةً وعديداً وهي التي أرسلت مرات عدة مئات المسلحين إلى داخل الأراضي السورية لمساندة المجموعات التكفيرية في وجه أبناء الشعب والجيش السوري. وكأن أردوغان والإدارة الحاكمة في تركيا لم يريدوا الإبقاء على أي خط لعودة العلاقات التاريخية مع سوريا ضاربين بعرض الحائط كل الخطوط الحمر ومعلنين على الملأ العداء للشعب السوري الذي سوف يحفظه التاريخ ولن يمحى من ذاكرة شعوب المنطقة.
فقد يرى بعض المحللين أنّ أردوغان ومن معه لم يدركوا مدى خطورة ما أقحموا تركيا فيه، والبعض الآخر يرى أنّ هؤلاء قد ركبوا القطار الأمريكي لتخريب سوريا طمعاً بشراكة في التقسيم الجديد للمنطقة. فالبحث عن الظلال الأميركية للمواقف التركية الأخيرة واجب لا سيما أن واشنطن، لن تسمح لموسكو وحلفائها بالوصول إلى إستراتيجية بديلة لخططها في المنطقة.
فالتنبؤ الذي أطلقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أيام، مبشراً بأن “ما نشهده اليوم هو تنفيذ لنظام “سايكس ـ بيكو” جديد خطوة تلو الأخرى على الحدود الجنوبية على وجه الخصوص، بل إننا نرى محاولات لرسم مستقبل المنطقة بأسرها بما في ذلك بلادنا، عبر مشاريع تتعارض مع تاريخ المنطقة وتركيبتها المجتمعية”. وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أن بلاده لن تسمح بفرض أمر واقع عليها من أي جهة، وأنها لن تسكت على أي تغيير للخارطة السياسة أو الديمغرافية للمنطقة.
فجديد المخطط التركي الذي يتمثل بالتدخل العسكري المباشر سابقة خطيرة تتخطى تداعياتها الأبعاد المحلية والإقليمية لتشكل قضية دولية قيل أنها ستحول الحرب في سوريا إلى صراع دولي على حدود أوروبا وهذا ما ينظر اليه المجتمع الدولي بعينه الجائرة خوفاً على مصالح أوروبا ولكن القرار الحاسم للأمريكي.
وجاءت هذه الأحداث بعد ما استعاد مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية السيطرة على حي مشهور الفوقاني الذي دخلته “داعش” في مدينة تل ابيض السورية الحدودية مع تركيا وبعد أن طرد المقاتلون الأكراد بعد اشتباكات ضارية، عناصر “داعش” من تل أبيض، وأعلنت وحدات الحماية الكردية تمكنها وحلفاءها من بسط سيطرتهم الكاملة على بلدة تل أبيض السورية القريبة من الحدود مع تركيا.
فتركيا التي عاثت في سوريا فساداً ودعماً للإرهابيين الذين استوطنوا منذ بداية الأزمة على حدودها لم تشعر يوماً بالخطر بل كانت ترى فيهم خط الدفاع الحدودي عنها ولكنها اليوم تشعر بخطر وجود مقاتلين أكراد، فكانت مطمئنةً أنّ السحر لن ينقلب على الساحر ولكن الحريق لا يستثني أحداً بل يمكن أن تتحول سورية “فيتنام تركيا” مع أي حماقة تركية جديدة للغرق في المستنقع السوري.
فالجيش التركي أرسل تعزيزات إلى محافظة كيليس. وأضافت المعلومات أن أرتالا عسكرية أخرى اتجهت إلى بلدة إل بايلي الحدودية الواقعة على بعد عشرين كيلومترا شرق مدينة كيليس، في الجهة المقابلة لبلدة الراعي السورية، الخاضعة لتنظيم داعش. كما وضع الجيش التركي حواجز عسكرية على الطرقات الواصلة بين البلدات الحدودية.
فما المتغيرات الحاكمة على قرار التدخل التركي وما هي تداعيات هذا التدخل على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وهل ستبقى سوريا دون ردة فعل تجاه القابضين على الحكم في تركيا وقد كانت منذ بداية الأزمة تؤكد على عدم تدخلها في شؤون جارتها والتي يجمعها بها علاقات تمتد لسنوات ماضية إقتصادياً وإجتماعياً. خاصة أن الكيان الإسرائيل يبدو الوحيد ذات الاستقرار والمنعة في الأرض العربية.
فيرى مراقبون أن هذا التصعيد يخفي رغبة أميركية لمواجهة مشروع روسي لمكافحة إقليمية للإرهاب في سوريا. فلم تمض ساعات على إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مشروع إنشاء تحالف إقليمي لمواجهة الإرهاب في سوريا، يضم سوريا والسعودية والأردن وربما تركيا، حتى شرعت أنقرة في التمهيد لتدخلها في سوريا في إتجاهين. الأول بمبرر منع إقامة دولة كردية على حدودها الجنوبية، والثاني لإحياء إنشاء “منطقة آمنة” في عمق المناطق السورية الشمالية.
وتولى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حسم إستعداد تركيا لمنع إقامة الدولة الكردية، بينما جزم نائبه إبراهيم كالين تمسك بلاده بإقامة “منطقة آمنة” داخل سوريا. وتوقع خبراء أمنيون أتراك عبر وسائل إعلام محلية أن القيادة التركية ربما تلجأ لأخذ الموافقة الدولية خلال الساعات المقبلة سيما واشنطن و”الناتو”، كما توقع آخرون أن يستمر تواجد القوات التركية مدة عامين في الشمال السوري في حال نجحت أنقرة في إقناع المجتمع الدولي بخطتها.
فقد يكون الرئيس التركي يحاول التعويض عن خسارته للأغلبية في البرلمان، بالعزف على وتر المصالح القومية لبلده، وبإعادة إحياء طموحاته للعب دور حاسم ومحوري في الحرب على سوريا، عبر “المنطقة الآمنة”، وما يمكن أن تؤديه من تفعيل المواجهة مع الجيش السوري، لا سيما أن معركة “فتح حلب” من قبل المجموعات المسلحة ما زالت مطروحة في خارطة الضغط على سوريا. ومن ناحية أخرى تسعى تركيا إلى تبييض صفحتها الملوثة بدماء السوريين ودعم الإرهابيين على مدى سنوات الأزمة بعد أن تغيرت الظروف وتبدلت المخططات الأمريكية. حيث تظهر أنها تريد منع قيام دولية كرديةعلى حدودها وهي في الحقيقة تسعى لتفتيت وتقسيم سوريا.
ولا يفصل المراقبون تزامن هذا التصعيد التركي مع الحركة الديبلوماسية التي قادتها موسكو منذ إستقبالها وزير الدفاع السعودي، وصولاً إلى مباحثات وزير الخارجية السوري وليد المعلم في موسكو. البحث عن الظلال الأميركية للمواقف التركية واجب لا سيما أن واشنطن، لن تسمح لموسكو بالوصول إلى إستراتيجية بديلة لخططها في المنطقة.
فالتســاؤل يطرح نفسه لماذا لم تقدم تركيا على التدخل المباشر في سوريا من قبل حين كان النــظام وحلفاؤه في وضــع أقل قــوة بكــثير من الآن؟ فقد أظهــرت التجــارب أن أنقــرة يمكن لها أن تمتــعض، أو تشاغب، أو تستنكر ولكن لا يمكنها أن تمضي، وهي العضو في حلف شمال الأطلسي، في مغــامرة لا توافق عليها الولايات المتحدة. وهي وإن أقدمت على هذا التدخل لن يكون الا بإيعازٍ من أمريكا وتنفيذاً لمصالحها.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق