أفغانستان تتأرجح بين خلافات حكومتها وطموحات شعبها
منذ انبثاق حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان برعاية الادارة الامريكية واجهت هذه الحكومة تساؤلات عدة حول مدى قدرتها على الصمود أمام التحديات الداخلية والخارجية لاسيما ما يتعلق بمصير الجماعات المسلحة وفي مقدمتها حركة طالبان، اضافة إلى التحديات الاقتصادية وشكل العلاقات الدبلوماسية مع الدول الاخرى.
وأثيرت هذه التساؤلات بسبب طبيعة الاتفاق غير المتوازن الذي حصل بين الجناحين الاساسيين في هذه الحكومة والتي استغرق تشكيلها وقتاً طويلاً، وهما جناح الرئيس “أشرف غني أحمد زي” وجناح وزير الخارجية الأسبق “عبد الله عبد الله” الذي يشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي في هذه الحكومة.
وعانت هذه الحكومة من خلافات متعددة الجوانب بين الجناحين المذكورين والتي يمكن إجمالها بما يلي:
الجانب الأمني
يعتقد جناح أشرف غني بضرورة التفاوض بين الحكومة وحركة طالبان بهدف التوصل إلى تسوية سلمية تضع حداً للنزاع المسلح بين الجانبين، في حين يعتقد جناح عبد الله عبد الله بعدم جدوى هذه المفاوضات بإعتبار أن طالبان لاتعترف بشرعية هذه الحكومة وتحاول تغييرها بقوة السلاح. ولهذا يدعو هذا الجناح إلى الاستفادة القصوى من القوة العسكرية والأمنية للقضاء على هذه الحركة.
الجانب الاقتصادي
يعتقد جناح أشرف غني بضرورة تقوية العلاقات الاقتصادية مع باكستان لحل مشكلات بلاده في هذا المجال ومن بينها مشكلة البطالة وكيفية إعادة اللاجئين الافغان في الدول الاخرى إلى بلادهم، في حين يعتقد الجناح الآخر بضرورة منح الأولوية لحل هذه المشاكل من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران.
العلاقات السياسية
يعتقد فريق أشرف غني بضرورة الاهتمام بتقوية العلاقات السياسية والدبلوماسية مع باكستان والسعودية على المستوى الاقليمي، ومع أمريكا والدول الأوروبية على المستوى الدولي مع الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع كل من روسيا وإيران والصين، في حين يعتقد الفريق الآخر بضرورة منح الأولوية لتقوية هذه العلاقات مع الهند وإيران وروسيا والاحتفاظ بعلاقات حسنة مع كل من أوروبا وأمريكا وباكستان.
الموقف من العدوان السعودي على اليمن
وقف جناح أشرف غني منذ البداية إلى جانب الرياض في عدوانها على اليمن في حين رفض جناح عبد الله عبد الله هذا الموقف وفضل الوقوف على الحياد ازاء هذه الازمة. ويرى المراقبون أن موقف عبد الله عبد الله في هذا المجال أقرب للصواب من موقف أشرف غني لسببين أساسيين؛ الاول: عدم تبلور رؤية واضحة بشأن ما ستؤول اليه الحرب بين السعودية واليمن. والثاني وهو الأهم يتمثل بأن الوقوف إلى جانب السعودية يتناقض مع دعوة الحكومة الأفغانية بضرورة حل النزاعات عن طريق الحوار وهو ذات الطريق الذي إنتخبته هذه الحكومة لتسوية النزاع مع حركة طالبان منذ البداية.
هذه الاختلافات وغيرها تشكل بمجموعها العقبة الرئيسية التي تواجهها حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان والتي لازالت تعيقها عن تقديم حلول عملية وملموسة للأزمات التي تعاني منها البلاد لاسيما في الجانبين الأمني والاقتصادي. ويمكن القول ان المواقف المتباينة في السياسة الافغانية تجاه مختلف القضايا تشير وبشكل واضح إلى ان الخلافات بين الحزبين الرئيسيین في البلاد هي خلافات متجذرة ولا توجد مؤشرات تدل علی إمكانية حلها في الوقت الحاضر أو في المستقبل القريب.
ويعتقد المراقبون ان استمرار هذه الخلافات سيفاقم الأوضاع ويزيدها تعقيداً خصوصاً مع محاولة تنظيم “داعش” الارهابي التمدد في داخل أفغانستان رغم تأكيد حركة طالبان بأنها ستتصدى لهذا التنظيم لمنعه من التدخل في شؤون البلاد ومن أي محاولات لما اسمته بث الفرقة بين الجماعات المسلحة في هذا البلد.
وفي الختام لابد من القول ان أفغانستان لايمكن أن تنعم بالأمن والاستقرار ما لم تحل الخلافات بين طرفي الحكومة وما لم توحد الرؤى بشأن مختلف القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية من خلال وضع استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع هذه الملفات، والاستفادة من تجارب الماضي في كيفية حل معضلة العنف “الارهاب” في البلاد التي تصاعدت وتيرتها في الآونة الاخيرة والتي تهدد بحرق الأخضر واليابس إذا لم يصار إلى تسويتها من خلال التكاتف ورص الصفوف بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية للشعب الأفغاني الذي يتطلع أبناؤه إلى مستقبل مستقر وآمن بعد عقود طويلة من الكوارث والمآسي التي شهدتها البلاد بسبب التدخلات الأجنبية ونمو الجماعات الارهابية التي تتلقى الدعم من الخارج للعبث بمقدراتها ومستقبلها خدمة لأجندة استعمارية قديمة – جديدة لا ناقة للشعب الأفغاني فيها ولا جمل.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق