التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

الإستراتيجية الأمريكية الجديدة: من تحديد نقاط القوة الى تبرير نقاط الضعف 

 كانت أمريكا في الماضي وحتى الأمس القريب، عرَّابة السياسات وواضعة الإستراتيجيات، في منطقة الشرق الأوسط والعالم. لكن العارف بالتخطيط الإستراتيجي، يعلم جيداً، أن وضع أيِّ إستراتيجيةٍ سياسية أو عسكرية، يحتاج لفهمٍ عميق للواقع السياسي أو العسكري لمعرفة الأهداف، وبالتالي تأمين الأسباب بحسب هذا الواقع. لكن الواضح أن واشنطن، وبعد فشلها في التعاطي مع الواقع في منطقة الشرق الأوسط، لم تعد قادرةً على تحديد أولوياتها، لأنها وعلى مر التاريخ اعتمدت استراتيجيةً تقوم على سياسة فرض القوة وليس إدارتها، الى جانب إعتمادها على السياسة البراغماتية التي تتعاطى مع أي نتيجة، دون تحديد مبادئ عملانية. ومنذ أيام أصدر البنتاغون الإستراتيجية العسكرية الجديدة لواشنطن، والتي تُعتبر النسخة المعدلة لإستراتيجية العام ٢٠١١. فماذا في فحوى هذه الإستراتيجية؟ وكيف يمكن تحليلها؟

 

عرضٌ لفحوى الإستراتيجية الجديدة:

بناءاً للإصدار الأخير للبنتاغون يوم الأربعاء في الأول من تموز تحت عنوان

“National Military Strategy of The United States of America ٢٠١٥”

تتحدث الإستراتيجية الأمريكية الجديدة عن المخاطر التي تواجه أمريكا كقطبٍ عالمي الى جانب الصين وروسيا، فيما تصف الخطر الأكبر عليها، بتنظيم داعش الإرهابي. وقد بدأ مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، طروحاته في المقدمة قائلاً: “إننا نواجه الآن تحديات أمنية متعددة في وقت واحد، ومن عدة جهات حكومية تقليدية وشبكات إقليمية لمجموعات شبه دولية، تحاول جميعها الإستفادة من التطورات التكنولوجية السريعة”، وتابع ديمبسي “نحن اليوم أكثر عرضة لمواجهة حملات طويلة الأجل، ليست كسابقاتها من النزاعات التي يتم حلها بسرعة عادةً”. وهنا يمكن عرض أبرز نقاط الإستراتيجية الجديدة كالتالي:

تركز الإستراتيجية على إبداء أهمية بناء الشراكات للحفاظ على التوازن الأمني الدقيق في جميع أنحاء العالم، وهو الأمر الذي سعى اليه مسؤولون في البنتاغون على مدى الأشهر القليلة الماضية. وقد قال ديمبسي حول آلية تحقيق الأهداف، “إن النجاح الأمريكي سيعتمد بشكل متزايد على مدى النجاح في إدارة القوة العسكرية الى جانب القدرة على تثبيت قوة الأمن القومي الأمريكي، وما يلزم ذلك من حسن إدارة لشبكة العلاقات مع الحلفاء والشركاء”. 

وفي الحديث عن التهديد القومي لأمريكا، تذكر الإستراتيجية على وجه التحديد أن إيران وروسيا وكوريا الشمالية تُعتبر الدول التي تهدد السلام العالمي. ولكن الطرح الأمريكي، كان أكثر مرونةً في الحديث عن الصين، حيث تبدأ الفقرة بالقول “إن ادارة أوباما تريد دعم صعود الصين وتشجيعها لتصبح شريكاً لتعزيز الأمن الدولي”…”لا بد من الإستمرار في سياسة تقليل الخطر بين الخط الفاصل المتعلق بالنظرة للصين بأنها حليف إقتصادي من جهة ومنافس دولي من جهة أخرى”. 

ثم تشير الوثيقة الى أن أياً من هذه الدول التي تم ذكرها، لا تسعى للحرب العسكرية المباشرة مع أمريكا. بل لا شك أنه يوجد عدد من القضايا التي تعتبر خطراً على الأمن القومي العالمي، والتي قد تكون من القواسم المشتركة بين أمريكا وهذه الدول، وهو الأمر الذي قد يؤدي الى رسم سياساتٍ مشتركة وعملٍ منسق. ليشير بعدها الى أن إحتمال خوض واشنطن لحرب عسكرية ضد أحد من القوى الأخرى، هو احتمال ضعيف، لكن نسبته تتزايد يوماً بعد يوم. 

بعدها تشير الإستراتيجية الى أن الصراعات الهجينة ليست فقط تلك التي تتعلق بتنظيم الدول الإسلامية، وإنما أيضاً الأزمة الأوكرانية، والتي قد تتمدَّد وتتوسع أكثر. 

ثم تخلص الإستراتيجية للإشارة الى أن المخاوف السابقة التي أشار لها وزير الدفاع كارتر مؤخراً منذ أشهر، هي مخاوف صحيحة، والتي تتعلق بأن التفوق التكنولوجي لأمريكا، لم يعد الضمانة لتحقيق الإنتصار على الإرهاب.

تحليل الإستراتيجية الجديدة:

بحسب المدرسة الغربية، تُعرَّف الإستراتيجية العسكرية بأنها فن استخدام القوة للوصول إلى أهداف سياسية، كما أنها فن حوار القوى وحوار الإرادات التي تستخدم القوة لحل خلافاتها. إلا أن الإستراتيجية العسكرية تبدأ من حيث تنتهي العقيدة العسكرية، والتي يمكن تعريفها بأنها كافة الأفكار والمفاهيم والآراء والتعاليم، التي تستخدمها القوات المسلحة في السلم والحرب، والتي تعتبر ظل العقيدة السياسية. لكن الواضح اليوم أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة بعيدة كل البعد عن طبيعة الإستراتيجيات الأمريكية المُعتادة. وبالتحديد إستراتيجية ٢٠١١ والتي كانت مفصلاً في تحديد سياسة الأمن القومي الأمريكي. لذلك وفي قراءة الإستراتيجية الجديدة نقول التالي:

لم يحصل أن أعلنت أمريكا حاجتها لبناء شراكاتٍ من أجل تحقيق الأهداف. فهي وفي جميع خططها، كانت تقوم على نسج العلاقات من منطلق حاجة الآخرين لها، بينما اليوم من الواضح أن واشنطن تقول إنها أصبحت في حاجةٍ للآخرين ليس فقط لتحقيق أهدافها، وإنما أيضاً لتأمين إستمراريتها. لذلك فقد رضخت واشنطن لواقع أن سياسة القطب الواحد سقطت. 

ميّزت أمريكا في تعاطيها مع الخصوم أو الأعداء السياسيين والعسكريين. فقط وضعت إيران وروسيا وكوريا الشمالية في خانة الدول التي تعتبر في المرحلة الأعلى من الخصومة، ووصفتهم بأنهم يشكلون خطراً على الأمن القومي والسلام العالمي. لكن واشنطن إستثنت الصين من ذلك وكانت أقل حدةً في نظرتها لبكين. والسبب يعود إلى حقيقةٍ مفادها أن واشنطن استسلمت لواقع خروجها من الشرق الأوسط، وبالتالي فهي لا تحتاج للمرونة السياسية والدبلوماسية، في التعاطي مع دول إيران وروسيا تحديداً، على عكس حاجتها لهذه المرونة في التعاطي مع الصين، لتتمكن من الدخول الى شرق آسيا. ولا بد من الإشارة الى أن الحرب بين الصين وأمريكا ومنذ زمنٍ طويل، تختلف عن الحرب بين واشنطن وطهران من جهة، وواشنطن وموسكو من جهةٍ أخرى. إذ أن حدة الصراع بين الأطراف الأخيرة وأمريكا كان أكبر وأشد. 

حاولت واشنطن التلميح الى أنها لن تسعى للخيار العسكري تجاه الخصوم المركزيين. لكنها في الوقت عينه أشارت الى أن نسبة ذلك تزداد. وهو الأمر الذي يؤكد عدم قدرة أمريكا على دخول حروبٍ أخرى، ستزيدها إستنزافاً. في وقتٍ تعاني فيه من أزماتٍ سياسية ودبلوماسية مُقلقة. 

أكدت أمريكا وللمرة الأولى ضعفها في مواجهة التحديات وبالتحديد الإرهاب، من منطلق إستخدام القوة. فقد فشلت السياسة الأمريكية التي تعتمد على القوة كوسيلة لفرض الشروط. كما أن واشنطن أيقنت متأخرةً أن التفوق التكنولوجي ليس السلاح الأنجع لفرض النفوذ.

النتيجة:

إنتقلت أمريكا من إستراتيجية تحديد الأهداف وإبراز نقاط القوة، الى إستراتيجية شرح أسباب الفشل وتبرير نقاط الضعف. وهنا فإن أمريكا ظهرت في موقع العاجز أكثر من أي وقتٍ مضى. وهو الأمر الذي سنتحدث عنه لاحقاً، فيما يتعلق بأسباب فشل الإستراتيجية الأمريكية.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق