التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

بين المخاوف التركية والمخطط الأمريكي: المنطقة العازلة جدل الخيار الصعب 

 المنطقة العازلة في شمال سوريا على الحدود التركية ليست قضية جديدة بل إن الأمر يعود إلى العام  ٢٠١٢، فقد سبق أن اقترحت تركيا رسمياً قبل أكثر من سنتين في مجلس الأمن هذه الفكرة، وقوبلت بالرفض الأميركي وقتها وكان هذا الخيار يتأرجح مع تناقض الأهداف والأولويات بين الطرفين. فمنذ أن بدأ الحديث عن إقامة مناطق عازلة في سوريا في ذلك العام “من أجل حماية المدنيين من نظام الرئيس بشار الأسد”، وتتواتر التساؤلات بشأن تنفيذها على أرض الواقع، الأمر الذي يُثار الحديث عنه مرة أخرى هذه الأيام بتجديد تركيا والأردن عزمهما إقامة تلك المناطق.

 

 فتكهنات وأسئلة كثيرة تترافق والحدث. فما هي أفق تنفيذ هذا المخطط بعد الحديث عنه مرات عدة؟ وما هي أهداف تركيا وأمريكا وأدواتها في المنطقة في ظل تناقض وجهات النظر والمخططات؟ وأين تصب إقامة المنطقة العازلة في المشروع الأميريكي – الإسرائيلي الجديد للمنطقة؟

 فالحشد العسكري التركي على الحدود يحصل للمرة الأولى والمعارضة التركية قالت إن أي تدخل عسكري تركي في سوريا سيكون كارثة لتركيا. وبعد كل انتصار يحرزه أكراد سوريا على حساب تنظيم “داعش” في شمال سوريا يزداد القلق التركي ويتنامى. لكن مع الاشتباكات المستمرة في الشمال السوري وتقدم الأكراد وأيضاً تصريح بوتين عن تحالف سوريا مع دول الجوار لمحاربة داعش هل ستقدم أنقرة على خيار التدخل؟ فحليفتها واشنطن أكدت أنها تتفهم قلقها، والمعطيات الميدانية والسياسية تشير الى خلط أوراق بما في ذلك الورقة الكردية؟ فهل  خيارالمنطقة العازلة تمهيد إستراتيجي لضرب وإسقاط النظام السوري أم أن الأولويات الأمريكية في مكان آخر؟

فرغم الصمت الغربي إزاء خطة تركيا إقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا والعراق، والرفض الروسي-الإيراني المسبق لها، تسير الأمور في أنقرة على قدم وساق لإخراجها إلى حيز الواقع.

فتركيا التي استمرت بإضرام النار في البيت السوري وكأنها لم تشعر بعد أن اللهيب قد ينتقل إلى فناء بيتها ويشعل ناراً قد تعود بها سنوات إلى الوراء، لم تتوانى منذ بداية الأزمة السورية بالتدخل في شؤون سوريا ودعم المجموعات الإرهابية عدّةً وعديداً وهي التي أرسلت مرات عدة  مئات المسلحين إلى داخل الأراضي السورية لمساندة المجموعات التكفيرية في وجه أبناء الشعب والجيش السوري. وهي التي كانت الداعمة الأولى لتفتيت سوريا تتنطح الآن بالقول أنها حريصة على الأراضي السورية وعدم تقسيمها بنفاقٍ واضح، فأين كان هذا الحرص منذ بدء الأزمة؟!

يرى فيليب سميث، الباحث في جامعة “ميريلاند” الأمريكية، أنّ تركيا تشعر بتهديد من الأكراد، الذين حققوا انتصارات عديدة، مؤخرًا، على “داعش” في سوريا، ما يجعل خطتها للتدخل جدية، وهو ما أكده روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق لدى سوريا، بقوله: “تركيا تصور داعش باعتبارها خطراً، ولكنها تصور الانفصاليين الأكراد باعتبارهم خطراً أكبر”!.

أما الأردن، فهدفها الرئيس هو خلق منطقة آمنة على الحدود الأردنية، تمتد عبر المحافظات السورية الجنوبية درعا والسويدة. فعلى عكس تركيا،  يرى “فورد” أن الأردن ليست جادة بشأن إقامة منطقة عازلة، قائلاً: “من المحتمل أن تكون هذه طريقة عمان في طلب مساعدة أمريكا”، فيما يشير سميث: “ربما كانت تريد أن تبعث رسالة أقوى من تلك، وهي أن التطورات الإقليمية تسلك طريقها على نحو يظهر أن الأمريكيين لا يمسكون بزمام الأمور كلها”، أو إعلام أمريكا أنه بعد ٤ أعوام من “التخاذل” قرر حلفاء القوى العظمى حل الأزمة على طريقتهم. بينما لا يعني تجديد البلدين لعزمهما إنشاء المناطق العازلة في نفس الوقت، خلال يومين، أنهما يريدان من أمريكا أن تقوم بالشيء ذاته وإنما يبعثان برسالة إلى واشنطن، مستخدمين الإعلام الدولي، يعلمانها بنفاد صبرهما على ما يقول محللّون.

فاليوم، وبعد سيطرة الأكراد على تل أبيض، بات الطريق مفتوحاً بين كوباني-عين العرب والمناطق الكردية في أقصى الشمال الشرقي المفتوحة أصلاً على إقليم كردستان العراق، ثمة قلق تركي يتعاظم من أن يتمدد الأكراد أكثر ويحاولوا إيصال هذه المناطق بمنطقة عفرين في أقصى الشمال الغربي بما يعني احتمال الوصول إلى البحر المتوسط، وبالتالي تغير بعض خرائط أنابيب النفط في المنطقة.

وحقيقة، فإن تركيا باتت ترى أن حدودها الجنوبية أضحت مع كيان كردي في شمال شرق سوريا، يستكمل ملامحه على الأرض على غرار ما جرى لإقليم كردستان العراق، ولعل ما زاد من المخاوف التركية هنا، هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يُعدّ الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني هو صاحب هذا المشروع، وهي تعتقد أن قيادة حزب العمال الكردستاني التي تتخذ من جبال قنديل مقراً لها تقف وراء كل ذلك.

وما يؤرق تركيا أكثر ليس الصعود الكردي فحسب، وانما إحساسها العميق بأن حليفتها التاريخية، أي أمريكا هي التي تقف وراء ذلك، وأن الهدف النهائي من وراء هذا الصعود الكردي هو إقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة ستكون الخاسر الأكبر منها تركيا، وهو ما تقول أنقرة إنها لن تقبل به مهما كلفها الأمر، بما يعني أن أولوياتها تجاه الأزمة السورية قد تتعرض للتغيير.

فثمة من يرى أن لحظة التحرك العسكري التركي ليس سوى تعبير عن أزمة أدوات السياسة التركية في التعامل مع الملف الكردي في المنطقة ككل، وهي سياسة تحمل مفارقات كبيرة، إذ كيف تتعامل أنقرة بإيجابية كبيرة مع إقليم كردستان العراق في حين ترفض أي انفتاح على المكون الكردي في سوريا؟ فتركيا التي ترى أن أمنها بات مهدداً بفعل الكيان الكردي الذي يتحول إلى دولة أمر واقع، وأنه لابد من التحرك على الأرض لوضع حد له، في حين يرى كثيرون أن الخيار العسكري سيفتح باب جهنم أمام تركيا بحكم التداعيات الكثيرة، ولعل أهمها:

أن التدخل العسكري سيضع نهاية لعملية المصالحة أو السلام مع كرد تركيا وسيفجر العنف الكردي في تركيا من جديد في هذا التوقيت الحساس. والنظام السوري سيكون المستفيد الأكبر من هذا التدخل، إذ من شأنه جلب تعاطف شعبي أكبر.

والرد الإيراني والروسي والعراقي قد لا يكون كما تتوقعه تركيا أي مجرد إدانات وتهديدات، بل قد تتعداها إلى إجراءات ملموسة تفجر الوضع التركي في الداخل.

 ومن ناحية أخرى فإن الموقف الأميركي يشكل قلقاً كبيراً لتركيا ففي العمق ثمة من يرى أن الإدارة الأميركية تأمل بأن تتورط تركيا في المستنقع السوري لأسباب تتعلق بتناقض أجندة الطرفين إزاء العديد من القضايا في الشرق الأوسط على اعتبار أن مثل هذا التورط سينتهي بإعادة النظر في مجمل السياسة التركية وربما التخلص من حكم أردوغان نفسه.

دون شك، تركيا في محنة كبيرة، وأينما تقف تجد نفسها خاسرة، فهي واقعة بين سندان الرد على الصعود الكردي وبين جدل الخيار الصعب والخشية من تداعياته.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق