انتهاكات حقوق الإنسان تستمر في البحرين… إعادة محاكمة الشيخ سلمان
شهدت البحرين أواسط حزيران/يونيو أهم محاكمة تجري منذ سنة ١٩٩٩، فلقد أصدرت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة الحكم على رئيس جمعية الوفاق، الشيخ علي سلمان، حيث تمت تبرأة الشيخ سلمان من تهمة إسقاط النظام، على أن يسجن ٤ سنوات بتهمٍ أخرى، هذا الحكم طعنته النيابة العامة البحرينية، حيث أعلن المحامي عبدالله الشملاوي الأحد ٥ يوليو/تموز، أن النيابة قدمت استئنافاً ضد الشيخ سلمان، وذلك لاستئناف الحكم القاضي ببراءته من تهمة التحريض على إسقاط النظام، مرجعةً ذلك إلى قصور الحكم الابتدائي في التسبيب ومخالفة الثابت من الأوراق والفساد في الاستدلال، وعلى هذا فقد قررت جلسة الإستئناف في ١٥ سبتمبر/أيلول.
اعتراض النيابة على حكم البراءة وتحديد الـ١٥ من سبتمبر/أيلول موعداً للإستئناف يخالف كل القوانين الإنسانية، فوفقاً للقانون البحريني نفسه يتوجب عقد محكمة الإستئناف خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ التقرير بالاستئناف، ويجب أن يكون نظر الاستئناف على وجه السرعة إذا كان المحكوم عليه محبوساً، وذلك حسب قانون الإجراءات الجنائية/المادة (٢٩٨)، ومن الملاحظ أن القانون لم يراعَ، فلقد تحددت جلسة الإستئناف بعد شهرين، وفي هذا ظلم وإجحاف بحق الشيخ سلمان.
وفي السياق نفسه أشارت عضو هيئة الدفاع عن الشيخ سلمان المحامية جليلة السيد إلى أن “الأدلة التي تستند إليها النيابة العامة هي أدلة طعنت عليها هيئة الدفاع بتقديم شكوى شهادة الزور والتزوير، وهي الشكوى التي حُفظت من قِبل النيابة العامة، فيما لم يتم تزويد المحامين حتى بشهادة تفيد حفظ الشكوى”، وأكدت على أنه “ما لم تتنازل النيابة عن تلك الأدلة فإن معنى ذلك أن النيابة ستطلب إدانة الشيخ علي عن هذه التهمة على أساس أدلة مطعون فيها”.
وبشأن الاستئناف عقّبت المحامية جليلة السيد: “التهمة التي بُرئ منها الشيخ علي استندت النيابة العامة في توجيهها إليه على تقارير ومحاضر وأقوال أدلى بها ضابط التحريات بوزارة الداخلية أمام النيابة العامة وأمام المحكمة، وانطوت على شهادة زور كما انطوت على تزوير في محررات رسمية، ومازالت النيابة العامة ممتنعةً حتى الآن عن تزويد هيئة الدفاع بإفادةٍ رسمية بحفظ الشكوى، وهو الأمر الذي من شأنه الحيلولة دون تمكُّن الشيخ علي من التظلم من قرار النيابة بحفظ شكوى شهادة الزور والتزوير”، وتابعت “أننا لا نستطيع أن نفهم كيف يمكن أن تنشط النيابة في تقديم الاستئناف من جهة وتمتنع عن تزويد الدفاع بشهادة بحفظ شكوى التزوير وشهادة الزور التي بنت عليها النيابة التهمة الأولى موضوع استئنافها، من جهةٍ أخرى”.
مواقف النيابة العامة من محاكمة الشيخ سلمان وسلوكها تجاه الإستئناف وكذلك تعيين جلسة الإستئناف بعد شهرين يعتبر منعاً واضحاً للشيخ سلمان من الدفاع عن نفسه ومحاولةً لإلصاق التهمة به، وهذا يشكل إنتهاكاً لحقوق المعتقلين في الدفاع عن أنفسهم، عدا أن المحاكمة الأولى لم تكن عادلة ولا حيادية، فقضاء البحرين مرتبط بنظام آل خليفة ارتباطاً وثيقاً، الأمر الذي جعله يعمل لخدمة السلطات البحرينية، ويظهر ارتباط القضاء البحريني بالنظام جلياً في محاكمة الشيخ علي سلمان التي كانت برئاسة القاضي علي بن خليفة الظهراني، وعضوية القاضيين عزت وحمد بن سلمان آل خليفة، فالمحكمة جرت بإشراف آل خليفة أنفسهم، وتاريخ القضاء البحريني يشهد، فأول محكمة بحرينية تشكلت كانت برئاسة حمد بن عيسى بن علي آل خليفة ثم توالى على القضاء البحريني عشرات القضاة من آل خليفة الذين لايزالون يشغلون المحاكم البحرينية إلى يومنا هذا.
عدم استقلالية القضاء البحريني أثار قلق الأمم المتحدة التي راسلت السلطات البحرينية في ١٦يناير/كانون الثاني مطالبةً بتقديم معلومات حول الأسس القانونية لإعتقال الشيخ سلمان ومدى توافقها مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وأعرب خبراء الأمم المتحدة عن قلقهم إزاء توقيف الأمين العام لجمعية الوفاق.
الإنتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البحرين تندرج في سياق نشر الرعب بين الشعب البحريني، فمفاد الرسالة التي يريد النظام إيصالها إلى الشعب أنه يمكننا أن نعتقل من نشاء ونحاكمه كيفما نشاء وبالتهمة التي نشاء، في ظل ظاهرةٍ مستديمة لانتهاكات حقوق الإنسان والتي عبرت عنها الأمم المتحدة حيث قالت “نحث حكومة البحرين على اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لوقف الانتهاكات المزعومة –الانتهاكات القضائية-، والحيلولة دون حدوثها مجدداً، وفي حال كشفت التحقيقات صحتها، نحث الحكومة على مساءلة الأفراد المسؤولين عن هذه الانتهاكات”.
يهدف نظام آل خليفة إلى نشر الرعب بين المواطنين ومنعهم من المطالبة بحقوقهم، فإن “الحُكم على الشيخ علي سلمان يمثل محاكمة لمطالب شعب البحرين العادلة ومواقفه الوطنية” وذلك حسب ما أكدته جمعية الوفاق، ولكن رغم هذا فإن المعارضة البحرينية مستمرة في مطالبها المحقة دون يأس أو خوف، فلقد أكدت الأمانة العامة للوفاق في بيانٍ ألقاه المساعد السياسي للأمين العام، خليل المرزوق، أنه “كنا –أي المعارضة- ومازلنا وسنبقى نرفع راية الإصلاح، بعيداً عن الإستئثار والتبعية والفساد والظلم والتمييز والتهميش والعبث في كل مقومات ومؤسسات الدولة”.
حقوق الإنسان والقوانين الدولية أصبحت من الماضي بالنسبة لنظام آل خليفة، فالمحاكمات المبنية على شهادات الزور والتي تنتهك كل الأعراف الدولية أصبحت فطرةً فُطرت السلطات البحرينية عليها، ولكن رغم هذا لم تنجح هذه السلطات في القضاء على الثورة البحرينية، فالثورة كانت ولاتزال منهج وديدن الشعب البحريني.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق