الطريق إلى القدس تمرّ عبر سوريا بتعبيد إيراني
لبّى الملايين من المسلمين في العالم دعوة الإمام الخميني لإحياء يوم القدس العالمي، حيث خرجت المسيرات الداعمة للأقصى والقضية الفلسطينية في مختلف الدول العربية والإسلامية بدءاً من ايران وتركيا وباكستان مروراً بالقطيف والبحرين والسودان، وصولاً إلى اليمن والعراق ولبنان. تجديد ميثاق الأمة مع القدس أماط اللثام عن حضور الأقصى في وجدان الشعوب العربية، بعد أن غابت عن ألسنة زعمائها، وجدّد حضور فلسطين البوصلة في قلوب الشعوب العربية والإسلامية رغم كافّة الأحداث التي تعصف بالمنطقة.
تستوقفني حالياً وفي هذه الظروف الحساسة التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مراسم إحياء يوم القدس العالمي، اذ نجح في تجسيد واقع القضية الفلسطينية اليوم عبر مشهد الأقصى وطرقها، وأبرز حواجزها، ما يدفعنا إلى قراءة تحليلية دقيقة للخطاب وأبرز محاوره.
محاور الخطاب
يرى السيد نصرالله أن “طريق القدس يمر في دمشق والقلمون ودرعا والسويداء وغيرها من المدن في سوريا، لأنه إذا سقطت سوريا سقطت فلسطين”، وهذا بالفعل ما لمسناه منذ بدء الأحداث في سوريا عام ٢٠١٠، حيث وبعد محاولة إغراق سوريا حكومةً وشعباً في بحور الإرهاب والجماعات التكفيرية، غابت القضية الفلسطينية عن المشهد العربي بشكل عام، ما خلا الموقف الشعبي.
طريق القدس دمشقيةً لأنه في ظل الحرب الكونية على سوريا، لم تتوقف سوريا عن دعم غزّة في كافّة الحروب التي شنّها الكيان الإسرائيلي، وبالتحديد في الحرب الأخيرة التي نعيش في ذكراها الاولى، فلم تعر القيادة السورية أي إهتمام لمواقف بعض الفصائل الفلسطينية من الحرب السورية أمام قضيّة إستراتيجية. أكثر من ذلك، عندما دخلت سوريا في أتون الحرب تجرّأ البعض على إعتبار القضية الفلسطينية مسألة داخلية، وأن الصراع القائم هو صراع فلسطيني-إسرائيلي وليس عربياً-إسرائيلياً.
سورياً أيضاً، تدعو إشارة السيد نصرالله إلى “مطالب بعض الزعماء الصهاينة بالعمل لاقناع العالم للاعتراف بضم الجولان نهائيا الى دولة “اسرائيل” الغاصبة”، تدعو للتأمل في حقيقة هذا الكيان من ناحية، وسكوت الأنظمة العربية إزاء اغتصاب أراضي “الوطن العربي” من ناحية أخرى.
وتطرّق السيد نصرالله في المحور الثاني من خطاب القدس إلى “تعبيد طريق القدس”، حيث إعتبر “انك لا تستطيع ان تكون مع فلسطين الا اذا كنت مع الجمهورية الاسلامية واذا كنت عدوا للجمهورية الاسلامية فانت عدو لفلسطين والقدس لأن الامل الوحيد المتبقي لاستعادة فلسطين هي ايران ومساندتها للشعوب وحركات المقاومة”. لم يكن كلام السيد نصرالله في هذا السياق بعيداً عن الواقع، لأنه اذا كان طريق القدس يمرّ عبر دمشق والضاحية، فإن طهران هي التي تعبّد حالياً هذا الطريق. ولاشك في أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وبما أن طهران تعتبر الداعم الرئيسي للمقاومة الفلسطينية تجهيزاً وتمويلاً، فلا يمكن الوصول إلى الأقصى من دونها في ظل هذا التواطئ الرسمي العربي الذي باع فلسطين والقدس وشعب فلسطين.
فلسطين لم تحضر في قلب القيادة الإيرانية فحسب، بل ترسّخ مسيرات ايران بالأمس في مختلف المحافظات حقيقة حضور فلسطين في وجدان الشعب الإيراني. كذلك ولو إنطلقنا من القاعدة الشهيرة “عدو عدوي صديقي” سنصل إلى النتيجة نفسها، إذ أن “الدولة والوجود الوحيد الذي تعتبره اسرائيل يشكل تهديدا وجوديا لها هو الجمهورية الاسلامية في ايران وهذه حقائق ومن لديه كلام اخر فليتفضل، لذلك تحرض الكونغرس والعالم والعرب على ايران”.
حاول السيد نصرالله في المحور الثالث من خطابه الحديث عن نصف الكوب الممتلئ، متوقفاً عند حدثين الأول في اليمن والثاني في البحرين. يمنياً وبالرغم من تواصل العدوان السعودي والغارات المستمرة حتى على صنعاء، خرج عشرات الآلاف من أبناء الشعب اليمني الذي تخلّى عنه العالم العربي والاسلامي في محنته أمام العدوان السعودي، ليؤكدوا إلتزامهم الجهادي والأخلاقي بالقضية الفلسطينية. وأما بحرينياً، فأظهرت شوارع البحرين إلتزام هذا الشعب الذي تعرّض لخذلان العالم العربي والاسلامي أيضاً بقضية فلسطين المركزية رغم المخاطر وتهديدات تنظيم داعش الإرهابي وقمع السلطة.
ولم يغب عن السيد نصرالله إظهار الحواجز والعوائق التي تعترض الطريق إلى الأقصى، حيث أوضح أن “إسرائيل، هذه المنافقة، تدّعي أنها تتضامن مع مصر في مواجهة أحداث سيناء، وتحرّض للإيقاع بين مصر وقطاع غزة وبالخصوص مع حركة حماس”.
يسعى الكيان الإسرائيلي ضمن سياسة إستهداف محور المقاومة بأسره بدءاً من طهران عبر الملف النووي، مروراً بسوريا عبر الجولان، وصولاً إلى فلسطين عبر الحرب والحصار تارةً، والفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني وبين الفلسطينيين وأشقائهم المصريين أخرى. حالياً يسعى الكيان للإيقاع بين مصر وحماس عبر إتهام الاخيرة بدعم ولاية سيناء الإرهابية.
يتّضح من الخطاب الإستراتيجي للسيد نصرالله أن الطريق إلى فلسطين يمرّ عبر دمشق، في ظل إلتزام المهندس الإيراني بتعبيد هذا الطريق بعد أن غابت أو غيّبت الانظمة العربية القدس عن جدول أعمالها تارةً، ووقفت عائقاً أمام الوصول إلى الأقصى أخرى، إلا أن الرهان للصلاة في الأقصى يبقى بعد الله تعالى على سواعد الشعوب العربية والإسلامية.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق