التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, سبتمبر 19, 2024

بوادر تفكك الإتحاد الأوروبي 

 شهد القرن الماضي سلسلة من الحروب الثنائية التي أشعلت القارة الأوروبية والحربين العالميتين والتي نتج عنها تمزق القارة، وبعدها نهضت قارة أوروبا من جديد لتشكل اتحادا بين ٢٧ دولة فيها وذلك في العام ١٩٥٧ للميلاد وهو ما عد انجازا تاريخيا بكل المقاييس. ولکن بعد تحقيق هذا الانجاز التاريخي والذي تمثل في العملة الموحدة (اليورو) وحرية حركة الناس عبر الحدود بين دوله، أصبح الإتحاد اليوم على المحك، وصارت مسألة انهيار الإتحاد الأوروبي أو بقائه على صورته الراهنة موضع نقاش عام واسع في أوروبا والعالم، فأزمة اليورو والمستمرة منذ أكثر من عامين تقلق رؤساء دول الإتحاد. وزير المالية البولندي جاكيك روستوسكي عبر بصراحة وفي أكثر من موقف عن امكانية تفكك الإتحاد، وكذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أوضحت في أكثر من سياق بأن فشل اليورو يعني فشل أوروبا.

رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو قال إن الاتحاد الأوروبي يواجه أكبر تحد منذ تأسيسه قبل ستين عاما، ونحن أمام لحظة تاريخية حرجة. وإذا لم نسر قدما باتجاه مزيد من التوحد، فإننا سنعاني مزيدا من التشظي. كذلك حذر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الآونة الأخيرة من أن ترك اليورو ينهار هو المجازفة بانهيار أوروبا، فيما حذر وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن من أنه لم يعد أمام قادة أوروبا سوى فرصة قليلة لإنقاذ اليورو من الإنهيار.

المشكلة الأساس التي تواجه قادة أوروبا اليوم هي كيفية إدارة عملة تغطي ١٧ دولة ومنطقة مفتوحة بلا حدود تضم ٢٧ دولة، يقطنها أكثر من ٥٠٠ مليون نسمة دون وجود حكومة مركزية قوية، ولعل هذه المعضلة تعد الركيزة الأساس في كثير من المشاكل الفرعية والتي تهدد كيان الإتحاد الأوروبي بالتفكك تدريجيا على المدى المتوسط أو البعيد. وفي عرض موجز لبعض الأسباب التي تهدد الإتحاد الأوروبي يمكن تسجيل بعض النقاط التالية:

١- المسلك الذي تنتهجه الدول الكبرى في الإتحاد الأوروبي والذي يسلك منحى الإبتزاز والضغوطات التي تمارسها على الدول الأضعف بدلا من تطبيق مبادئ التضامن بين مختلف الأعضاء. هذا السبب لعله من أهم الأسباب التي تشير إلى تفكك الإتحاد الأوروبي مضافا إلى ذلك شعور الدول الأضعف في الإتحاد أن الفائدة الأكبر تعود لبعض دول الإتحاد كألمانيا وفرنسا وبريطانيا على حساب غيرها من الدول.

٢- قرارات الإتحاد الأوروبي والتي تتخذ بإجماع الأعضاء، وهو ما يعني أن دولة واحدة بوسعها أن تعيق وتعطل أي مشروع أو قرار، وعليه يعود السبب في عدم موافقة الإتحاد إتخاذ قرار مشروع إنقاذ اليونان، وكذلك إنضمام صربيا بسبب معارضة فنلندا.

٣- المعارضة الشعبية التي بدأت تكبر في أنحاء أوروبا بالإضافة إلى نمو النزعة إلى الإنكفاء الوطني، ويثبت ذلك عبر تقدم الحركات الشعبية في كل من هولندا وفلندا وأماكن أخرى، وفي بريطانيا حصل المناهضون للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي من نواب الحزب البريطاني المحافظ على عدد كبير والذين أبدوا صراحة جرأتهم على تحدي رئيس الوزراء بمطالبته ضرورة إجراء استفتاء حول الخروج من الإتحاد.

٤- تصويت اليونان بـ”لا” على سياسات الدائنين الأوروبيين، هذا التصويت بلا شك له انعكاسات خطيرة على الاتحاد الأوروبي فمن نتائجه الأولية صعود اليسار الراديكالي في أوروبا، وتوجه بعض الدول التي تئن تحت وطأة الديون كإسبانيا وإيطاليا والبرتغال، إلى نحو منحى اليونان، وهو ما سيضع الاتحاد الأوروبي وعملته وسياسات ديونه محط تساؤل عن جدواها ومدى فاعليتها داخل الإتحاد الأوروبي، فالخبراء يرون أن الاستفتاء سيقصم ظهر الاتحاد، كما سيقسم سياسات البلدان المنضوية تحت لوائه.

٥- دولة إسبانيا والتي اجتازت أزمة اقتصادية حادة، ودولة إيطاليا ايضا والتي تئن هي الأخرى تحت وطأة الديون، يرى الخبراء أنه لو دعيت هي الأخرى للتصويت على استفتاء بخصوص التصويت على مستقبلها داخل الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو على غرار اليونان، فإن ما يفوق النصف منهم سيؤيدون التدابير المتشددة التي تفرضها أوروبا، للحؤول دون الخروج من اليورو ووقوع البلاد في الإفلاس، ولكان هناك من سيعارضونها، وفي بريطانيا أيضا حيث سيدعى الناخبون إلى الإدلاء بأصواتهم حول مستقبلهم في أوروبا، يجد الاستفتاء في اليونان أصداء خاصة. كما أنها عبرت على لسان مسؤوليها، أنها ستفعل كل ما يلزم لحماية اقتصاده. إذن المعاناة التي تواجهها بعض الدول بدأت تلقي بظلالها على الدول الأخرى من الإتحاد الأوروبي والحبل على الجرار.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق