خلافات «النجيفي والجبوري» وأثرها علی مستقبل العراق
في الوقت الذي يواجه فيه الشعب العراقي ضربات قاسية من قبل تنظيم داعش الإرهابي، إثر إحتلاله الموصل والأنبار، تصبح الخلافات السياسية داخل المكون السياسي العراقي أكثر فتكا بالمجتمع العراقي، من أي زمن آخر. ونظرا لحاجة البلاد للوفاق الوطني لمواجهة الإرهاب، فإن أي خلاف بين المكونات السياسية العراقية، سيؤثر سلبا علی قدرة الجيش والحكومة العراقية لانقاذ العراق من الوضع الراهن .
في هذه الأثناء تتحدث الأوساط السياسية العراقية عن وجود خلافات عميقة بين اسامة النجيفي، زعيم إئتلاف «متحدون» وبين سلیم الجبوري القيادي في الحزب الإسلامي العراقي. وتعود أسباب الخلافات كما تؤكد الجهات المطلعة علیها الی عدم معارضة الجبوري عملية إقالة محافظ نينوی «أثيل النجيفي» والذي هو شقيق اسامة النجيفي، بالإضافة الی موافقة الجبوري علی تعيين «عبداللطيف هميم» من قبل السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي، لرئاسة الوقف السني دون إستشارة المجمع الفقهي الذي يعتبر المرجعية السنية في العراق .
الكثير من الشخصيات العراقية تتهم أسامة النجيفي بأنه يريد من خلال الضجة التي افتعلها ضد سليم الجبوري، الوصول الی مصالح شخصية، ضاربا مصالح البلاد عرض الحائط. هذا التعامل من قبل شخص بمثابة النجيفي الذي هو نائب رئيس الجمهورية يعتبر تخطي لمسؤولياته التي صرح بها القانون الأساسي العراقي وكذلك أنتهاك صارخ لجميع الخطوط الحمراء التي توکد علی ضرورة تقدیم مصالح الوطن العلیا علی المصالح الشخصیة. أي بمعنی آخر يقول النجيفي من خلال هذه التصرفات، یجب أن یصمت الجمیع بمن فیهم رئیس البرلمان حتی لوکانت تصرفاتي تمس بمصلحة الوطن.
من جهة ثانية يعتبر سليم الجبوري أحد الشخصيات المعتدلة في العراق التي تستحق الإحترام بسبب إعتدالها في جميع المواقف، ولهذا ينبغي إحترام هذا الشخص من قبل الجميع من ضمنهم أسامة النجيفي، لأنه قدم مثال يحتذی به لجميع أهل السنة في خدمة الوطن، لا أن يتم مهاجمته لأسباب شخصية. كما أن مواقف الجبوري التي يعترض عليها النجيفي هي مواقف وطنية بامتياز وتخدم المصالح العليا للبلاد. وفي سیاق متصل أعلنت “القدس العربي” نقلا عن النائب ميزر حمادي السلطان، إن “هناك اجتماعات ولقاءات سرية تحدث في أروقة التحالف الوطني في بغداد وعمان، الغاية منها العمل على إزاحة نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي من منصبه بسبب الطريقة التي يتعامل بها النجيفي مع التحالف الذي أوصله الى منصب نائب رئيس الجمهورية، فضلا عن الزيارة السرية التي قام بها لتركيا دون إطلاع قيادات التحالف على فحوى هذه الزيارة”.
لا نعتقد أن إقالة مسؤولا من منصبه في العراق يجب أن تؤدي الی كل هذه الضجة والخلافات السياسية التي أخذت تعصف بالأحزاب السياسية في هذا البلد، وذلك لأن أي خلاف يظهر علی الساحة العراقية في هذه الفترة سيكون مكسبا مهما لداعش علی حساب الشعب العراقي. الجيش العراقي في الظروف الراهنة هو بأمس الحاجة الی مؤازرته من قبل جميع الأحزاب السياسية، ليستمر بقتال التنظيمات الإرهابية، التي بات بقاوها علی أرض العراق مكلفا جداً .
الملايين من الشعب العراقي نزحوا عن ديارهم بسبب دخول الإرهاب إلیها ولازالوا ينتظرون إنتصارات الجيش علی القوی الظلامية ليعودوا الی دیارهم، ومن المؤسف جدا أن ينسی الساسة العراقيين آلام وهموم الناس ويصبح همّهم الوحید هو البحث عن المناصب السياسية والشجار داخل البرلمان والحكومة. وبالرغم من أن الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي تبذل مساعي حثيثة لتعزيز قدراتها لمواجهة داعش، يوجد من يسعی الی إفشال هذه الجهود داخل العراق وخارجه. حيث سمعنا قبل فترة كيف صرح الجنرال مارتن ديمبسي رئیس أركان القوات الأمريكية، حول إحتمال تفكك ما يعرف بـ «الائتلاف الدولي ضد التنظيمات المتطرفة»، زاعما أن ذلك يمكن أن ينتج في حال عدم قيام الحكومة العراقية بتسوية “الإنقسامات الطائفية” في البلاد. مثل هذه التصريحات العلنية للجنرال ديمبسي هي بمثابة إعتراف خطير حول عدم جدية واشنطن في محاربة الإرهاب في العراق. وبناء علی هذه التحديات التي يواجهها العراق، يصبح من الضروري جدا أن تكفّ الأحزاب العراقية عن مواصلة خلافاتها تجاه بعضها البعض وتجاه الحكومة المركزية .
ويجب أن لاننسی الهجمة الشرسة التي روجت لها معظم الدول العربية تجاه نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق، متهمة إياه بـ “اقصاء و تهميش” السنة في العراق، وكانت تصدر تلك الإتهامات بالرغم من أن الکثیر من القيادات العراقية في الجيش والحكومة زمن المالكي كانت من أبناء السنة. حيث تأتي الخلافات التي أثارتها الیوم بعض الدول العربية وعلی رأسها السعودية داخل المكون السني نفسه، (بين الحزب الإسلامي وائتلاف متحدون)، لتدل علی أن العراق مستهدف بكامله سنة وشيعة والحديث عن دعم سنة العراق من قبل الدول العربية عار عن الصحة .
وفي النهاية هنالك من يشير الی أن إثارة الخلافات الداخلية في العراق تارة بين السنة والشيعة وتارة اخری بين العرب والكرد، تأتي من الخارج خاصة من قبل السعودية وتركيا والكيان الإسرائیلي، بهدف تقسيم العراق وفق أجندة هذه الجهات الثلاثة. وهذه الفرضية ليست مستبعدة، لأننا قل ما نجد يوما، تكون فيه الحكومة والجيش العراقي في مأمن من إتهامات ومؤامرات أنقرة والرياض وتل أبيب. ونظرا لهذه التحديات التي يواجهها العراق، تبقی مهمة دعم الجيش والحكومة العراقية لطرد الإرهاب وتحقيق السلم الأهلي بالإضافة الی منع تقسيم هذا البلد، هي المهمة الرئيسية التي ينبغي القيام بها من قبل الشخصيات السياسية وياتي في مقدمتها اسامة النجيفي وسليم الجبوري بإعتبارهما من كبار مسؤولي العراق.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق