الإعتقالات التعسفيّة في السعودية والکيان الإسرائيلي.. أوجه الشبه والإختلاف
يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، إن السجن هو المكان الوحيد الذي تظهر فيه السلطة في شكلها العاري، في بُعدها الأكثر تجاوزًا، وتبرر نفسها بوصفها سلطة أخلاقية. تعتبر سياسة الإعتقال التعسفي من أبرز الأساليب التي تتبعها الأنظمة الإستبدادية لتكميم الأفواه والحؤول دون المواجهة مع عقبات المحاكمة العادلة، وبما أن السعودية والكيان الإسرائيلي من أبرز الدول الرائدة في هذا المجال، فلا بد من إجراء مقارنة واقعية حول الإعتقال السياسي في الأولى والإعتقال الإداري في الأخيرة، لتجسيد شكل “سلطتها الأخلاقيّة” وفق فوكو.
ساهمت الأحداث الامنية التي عصفت بالمنطقة منذ بدء ما يسمى بـ”الربيع العربي” في إرتفاع وتيرة الإعتقال التعسفي في السعودية والكيان الإسرائيلي على حدّ سواء، وقد استفادت هذه الدول من الظروف الإقليمية وظهور الجماعات التكفيرية لتوجيه تهم بالإرهاب و..، لكل من تسول له نفسه مخالفة سياستها سواءً من الفلسطينيين في الضفة الغربية أو السعوديين في بلدهم.
ولا شكّ في أن السعودية والكيان الإسرائيلي يحظيان بسمعة سيئة في المنطقة والعالم من ناحية إحترامهما لحقوق الإنسان، رغم غض الطرف الغربي عن كافة الإنتهاكات التي ترتكب بحق الأبرياء. ويقدر عدد السجناء السياسيين في السعودية بحوالي ٣٠.٠٠٠ معتقل وفق تقرير أصدرته البي بي سي في العام ٢٠١١، في حين يقدّر عدد المعتقلين بالآلاف في السجون الإسرائيلية حيث صدر في الانتفاضة الأولى (١٩٨٧- ١٩٩٤) نحو ١٩ ألف أمر اعتقال إداري، بينما صدر خلال الانتفاضة الثانية (٢٠٠٠- ٢٠٠٧) قرابة ١٨ ألفا ” ، ناهيك عن العشرات من الأوامر المماثلة التي تصدر شهرياً منذ العام ٢٠٠٧ حتى يومنا هذا.
وقبل الدخول في إجراء أي مقاربة للتقارن القائم بين الإعتقالين الإداري والسياسي، لا بد من تعرف دقيق لهذين المصطلحين للدخول في سرد أوجه التشابه والإختلاف بين الاثنين معاً، فما هو الإعتقال الإداري وما هو الإعتقال السياسي؟ وما هي أوجه الشبه والإختلاف؟
الإعتقال السياسي والإعتقال الإداري
رغم غياب أي معنى واضح للجريمة السياسية أو السجناء السياسيين في ظل نظام عائلي يمنع الأحزاب السياسية أو العملية السياسية الديمقراطية، يعتبر الإعتقال السياسي إجراءاً تعسفياً تمارسه السلطات السعودية بحق كل من يظهر رأياً مخالفاً لا يروق لها، وبالتالي لا تكون خلفية المعتقل جرمية، فهو قال رأياً، أو كتب مقالاً، أو وقّع على بيان، أو شارك في مطالبة علنيّة بإصلاحات يؤمن بضرورتها. وربما لا يكون حتى أي شيء من هذا كله؛ المواطن يعتقل لأن هناك أمرًا مجهولة أسبابه، ولم تُقدّم السلطات الحاكمة التي نفّذت هذا الاعتقال أيّ تبرير له سواء بمحاكمة عادلة أو ببيان واضح بجرائمه المزعومة، وأما الإعتقال الإداري في الكيان الإسرائيلي، فهو “اعتقال سلطات الاحتلال شخصا ما بأمر من القادة العسكريين للمناطق المحتلة وبتوصية من المخابرات بعد جمع مواد تصنف بأنها سرية ” ، وفق منظمات حقوقية تعنى بشؤون الأسرى .
أوجه الشبه والإختلاف
رغم إختلاف الأسباب العملية، تكثر أوجه الشبه في الإعتقالين السياسي والإداري في كل من السعودية والكيان الإسرائيلي، ويعتبر أبرزها التالي:
أولاً: يسود في المجتمعين السعودي والفلسطيني شعور موحّد بالاضطهاد والظلم، والرغبة في تغيير الواقع، بسبب الإجراءات القمعية للسلطات الحاكمة هناك.
ثانياً: تعرض عدد كبير من المعتقلين الإداريين والسياسيين لفترات طويلة من التحقيق، في حين لم تثبت عليهم أي تهمة أمنية، أو مخالفة يعاقب عليها القانون .
ثالثاً: لم تقتصر سياستا الاعتقال السياسي والإداري على الشبان والأطفال السعوديين الفلسطينيين فحسب، بل طالت أيضاً العديد من النساء في كلا البلدين.
رابعاً: يستخدم الجانبان السعودي والإسرائيلي هذه الإجراءات التعسفية منذ زمن، اذ يستخدم الكيان الإسرائيلي هذا الإجراء بناء على الأمر العسكري رقم ١٦٥١ الذي يمنح قائد المنطقة العسكرية الحق في احتجاز شخص أو أشخاص لمدة تصل إلى ستة أشهر( قابلة للتمديد)، في حين يستخدم النظام السعودي هذه الإجراءات منذ إرساء الدولة الثالثة وبسط نفوذها، حيث كان الجانبان السعودي والإسرائيلي يستخدمان سياسة “القتل بدل الإعتقال” في بداياتهما.
خامساً: تغيب الأسباب الكافية للإعتقال في أغلب الممارسات السعودية والإسرائيلية، وتمارس أبشع الإجراءات بحق المعتقلين.
ولكن رغم وجود العديد من أوجه الشبه في الإعتقالين آنفي الذكر، لا يخلو الأمر من وجود العديد من أوجه الإختلاف التي يمكن تلخيصها بالتالي:
أولاً: تعتبر فترة الإعتقال السياسي في السعودية أطول بكثير في نظيرتها الإدارية في الکيان الإسرائيلي.
ثانياً: تمتلك الطبقة المثقفة والمتعلمة حصة الأسد من نسبة المعتقلين في السعودية، في حين تتقارب نسبة المعتقلين من هذه الناحية في سجون الكيان الإسرائيلي.
ثالثاً: في حين تترك السلطات الإسرائيلية هامشاً من “المرونة المصطنعة” في التعاطي مع المعتقلين بسبب إشراف المنظمات الدولية بشكل جزئي، تتسم الإجراءات السعودية بالحزم بسبب غياب الرقابة الدولية عن السجون ناهيك عن الأعداد الواقعية للمعتقلين.
هذا غيض من فيض واقع حال الشعوب المسلمة في فلسطين والسعودية إزاء الإجراءات القمعية للسلطات الحاكمة، ولكن نترك للقارئ العزيز، بعيداً عن الإعتقالين السياسي والإداري، حرية التعبير عن “أخلاقية” هذه السلطات وفق ما يرى الفيلسوف ميشال فوكو.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق