بعد توقيع الإتفاق التاريخي: الكيان الإسرائيلي إلى أين؟
“يوم أسود في الكيان الإسرائيلي”، عبارة تختصر الشعور الإسرائيلي بعد توقيع الإتفاق النووي الإيراني مع الدول الست الكبرى. فالكيان الذي يعيش هوس الدولة النووية سعى بكل طاقاته لوقف توقيع هذا الإتفاق وحاول عرقلته ولا يزال، لأنه يعلم أنّ الاتفاق يعزز من حضور إيران في المنطقة، وهي التي دوماً كانت وما زالت تعد بزوال الكيان الإسرائيلي. فما هي إنعكاسات الإتفاق على الداخل الإسرائيلي وخاصة مستقبل نتنياهو السياسي؟ وما هي المخاوف الإسرائيلية على ساحة الأحداث الإقليمية؟ وكيف سيؤثر هذا الإتفاق على الأحداث والقضايا في المنطقة في ظل مشهد إقليمي مشوش؟ وما هو السيناريو الإسرائيلي الجديد والمخطط البديل بعد فشله بتعطيل الإتفاق النووي؟
ففي محاولة من القادة الإسرائيليين لاحتواء المفاعيل الإقليمية والإستراتيجية لهذا الاتفاق، فإنه دخل مرحلة ما بعد الاتفاق قبل الإعلان عنه، وذلك على المستويات السياسية والإعلامية والأمنية. ولم يبقَ أمام الكيان الإسرائيلي سوى ساحة الكونغرس كملعب وحيد للمواجهة، على أمل أن يساهم ذلك في عرقلة إقرار الاتفاق.
فالمسؤولون الإسرائيليون يتنافسون على تضخيم المصاب وآلامه، وتصويره على أنه كارثة وخطيئة أخرى يقترفها العالم بسماحه لإيران بأن تكون دولة نووية. ومع ذلك لم تخل ردود الفعل في الكيان الإسرائيلي من الشماتة لفشل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في تعطيل توقيع الإتفاق . فقد أعلن نتنياهو بوضوح في مؤتمرٍ صحافيٍ خاصٍ بالمراسلين الأجانب: “إننا لا نلتزم بهذه الصفقة. نحن غير ملزمين بشيء مع الإيرانيين، لأنهم يعملون لإبادة إسرائيل”. وأضاف أن “صفقة أبرمت مع رعاة الإرهاب. لقد راهنوا لعشر سنوات على تغيير النظام، لكنهم أوقفوا كل سبيل لفعل ذلك. من الآن، إيران ليست بحاجة لأن تتغير. الصفقة تمنح إيران جائزة بمئات مليارات الدولارات، ستذهب للإرهاب العالمي ولمحاولات تدمير إسرائيل” .
وقال مصدر حكومي إسرائيلي إن نتنياهو أجرى اتصالاً هاتفياً مع أوباما عبر خلاله عن قلق کيانه من الاتفاق النووي. وقال المصدر: “شدد نتنياهو على أن الاتفاق يثير خطرين رئيسين، سيتيح لإيران أن تسلح نفسها بأسلحة نووية خلال ما بين ١٠ و ١٥ عاما سواء التزمت بالاتفاق أو قبل ذلك إذا خرقته. بالإضافة لذلك سيضخ مليارات الدولارات للإرهاب الإيراني وآلة الحرب التي تهدد إسرائيل والعالم بأكمله” .
وفي محاولة من نتنياهو للتنصل من إستراتيجيته التي فشلت في تحقيق الحد الأدنى المؤمل إسرائيلياً في مواجهة إيران، فإنه قال إن “إسرائيل لم تتعهد بالامتناع عن الاتفاق، وبمنع أي اتفاق مع إيران”، متجاهلاً الشروط والسقف الذي كان قد رفعه لهذه المفاوضات، ولم يعن سوى وضع طهران أمام خيارين: إما الاستسلام، أو إسقاط أي محاولة للاتفاق، ثم بدا أن نتنياهو أدرك أن السيناريو الأول لا ينسجم مع المعادلات الإقليمية والدولية، ولا مع التصميم الإيراني الذي أقرّ به أوباما نفسه مؤكداً أنه لا خيارات بديلة فعلية يمكن أن تحلّ هذه المشكلة سوى التوصل إلى اتفاق يعترف بتحولها إلى دولة نووية . فإن يائير لابيد رئيس حزب “ييش عتيد” المعارض، أشار إلى أن السياسة التي اتبعها نتنياهو إزاء القضية الإيرانية مُنيت بالفشل الذريع، داعياً إياه إلى الاستقالة. ولفت لابيد الانتباه إلى أنه طالما تعهّد نتنياهو لسنوات بمنع التوصل إلى اتفاق، وبعد أن تم التوقيع على الاتفاق، “فأنت مسؤول” .
وقد زعم مسؤول الملف النووي لدى الحكومة الإسرائيلية، يوفال شطاينتس أنهم في أمريکا يعارضون الاتفاق، مضيفاً أن “إسرائيل ستحاول التوضيح للكونغرس، بطريقة واحدة وصريحة، وإقناعه بأن هذا الاتفاق سيء.” وأيضاً، تحدث عن حراك داخل أمريکا حول هذا الموضوع، يقوم به صحافيون ومعلّقون وخبراء بدؤوا توجيه الانتقادات إلى الاتفاق. وقال شطاينتس، متوعّداً: “نعرف كيف نؤثر في الرأي العام والإعلام الأمريكي، وأنا مقتنع بأن هناك أيضاً شكوكاً كبيرة اتجاه هذا الاتفاق” .
وكانت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي قد كشفت أن نتنياهو وشطاينتس أجريا محادثات هاتفية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا، تمثل اتصالات اللحظة الأخيرة، في محاولة للتأثير في بنود الاتفاق. وهناك خشية من تراجع قدرة التأثير الإسرائيلية في الأمريكيين في هذه المرحلة، إذ يبدو أن الإيرانيين حصلوا على كل ما أرادوه، والكونغرس الأمريكي وحده يستطيع توقيف الاتفاق .
في هذا السياق، تحدثت تقارير إسرائيلية عن أنه، خلال الشهر المقبل، سيستقبل الکيان الإسرائيلي بعثتين كبيرتين من نحو ١٠٠ مشرّع أمريكي، من مجلسي الشيوخ والنواب، يُمثلون الديموقراطيين والمحافظين. ومن المُتوقع أن يلتقي نتنياهو مع كل المُشرعين لإقناعهم بمُعارضة الاتفاق. وتحدثت تقارير أخرى عن أن نتنياهو ينوي التوجه إلى أمريکا، خلال أيلول المقبل، بهدف تحريض أعضاء الكونغرس على معارضة الاتفاق النووي.
على ضوء ذلك، لم يعد هناك معنى للشروط التي وضعها نتنياهو، سوى أنها تهدف إلى قطع الطريق على أي اتفاق والدفع نحو مواجهة عسكرية. وكانت حكومته قد اشترطت للاتفاق مع إيران: إخراج مواد اليورانيوم المخصّب كلها من إيران، ومنع التخصيب على الأراضي الإيرانية، وتفكيك منشآتها النووية وتدمير أجهزة الطرد المركزي، ومنعها من مواصلة تطويرها .
فقدرة الكيان الإسرائيلي على تقويض الاتفاق النووي أصبحت في ميدان آخر، فإنه سوف يجد نفسه مضطراً الى التعايش مع الامر الواقع الجديد، سواء عبر ابتزاز أمريکا لضمان تفوقه النوعي في مواجهة ايران، خصوصاً في ظل اصرار اوباما على طمأنة أداته في الشرق الأوسط، وهو ما يفترض ان يكون قد دار في الاحاديث التي اجراها مع نتنياهو والملك سلمان، ما ينذر بسباق تسلح جديد في الشرق الاوسط، او عبر البحث عن اصطفافات جديدة ضد ايران، قد تصل الى حد التحالف الضمني او العلني بين الكيان الإسرائيلي والسعودية لمواجهة الجمهورية الاسلامية.
فالكيان الإسرائيلي يعدّ العدة السياسة والأمنية والميدانية لمرحلة ما بعد الإتفاق النووي مع حلفائه ومجموعاته الإرهابية، فمن المؤكد أن العدو الأول للإسلام الذي سيضطر مرغماً على تقبل الحدث الجديد، لن يسكت وهو يرى أن الدولة الإسلامية التي تعد بزواله تصبح أقوى يوماً بعد يوم. فالأيام القادمة وكل ما تقدّم يدفع الى انتظار تحولات مرتقبة للاتفاق النووي على مستوى الملفات الاقليمية، وهو ما يفترض ان تتبلور ملامحه الأولية وإرهاصاته كلما قرُبت مرحلته التطبيقية.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق