ماذا لو صارت «الهدنة طویلة الأمد»، إتفاق أوسلو ثان؟
لایفوتنا أن مفاوضات الفلسطينيين (السلطة الفلسطینیة) مع الكيان الإسرائيلي لم تكن حدثاً جدیداً، بل أن هذه المفاوضات منذ مفاوضات أوسلو وقبل ذلك، وصولا الی مفاوضات عام ٢٠١٤ كانت مستمرة ولم تتوقف إلا في بعض الفترات، دون أن تجني للفلسطینیین شيئاً سوی إحتلال المزيد من الأراضي في القدس والضفة الغربیة.
وخلال الآونة الاخیرة أعلنت مصادر خبریة أن توني بلیر مبعوث اللجنة الرباعیة السابق اجرى موخرا ثلاثة لقاءات مع خالد مشعل في الدوحة طرح خلالها أفكارا حول تخفیف الحصار علی غزة، عبر تدشین میناء بحري وربما مطار لغزة، مقابل إنجاز هدنة طویلة الأمد مع الكیان الإسرائیلی.
وفي هذا السیاق خلال الأيام والأشهر القليلة الماضية أشار الكثير من رموز حماس ومن ضمنهم إسماعيل هنية وموسی أبومرزوق وأسامة حمدان وسامي أبوزهري وغيرهم من المسؤولين، الی أن حصار غزة أوشك علی الإنتهاء. بعد ذلك فسر الكثير من المحللين هذه التصريحات بأنها دلالة واضحة من قبل حماس فيما يخص سعيها لإنهاء الحصار، عبر إبرام هدنة مع الكيان الإسرائيلي.
لا بل راح أسامة حمدان مسؤول العلاقات الخارجية في حركة حماس، الی أبعد من ذلك وأعلن أن حركة حماس قطعت مشوارا طويلا من أجل الوصول الی «تهدئة طويلة الأمد» مع الكيان الإسرائيلي، من خلال محادثات أجرتها مع مبعوث اللجنة الرباعية السابق «توني بلير» وجهات أوروبية للوصول الی هذا الهدف . كما أن بعض قيادات حماس ومن ضمنهم موسی أبو مرزوق يحاولون عبر طرح أفكار من ضمنها أن «الرسول الأكرم (ص) فاوض أعدائه من الیهود» في صدر الإسلام، فما هي المشكلة أن تفاوض حماس الكيان الإسرائيلي!
وفيما یسعی الكیان الإسرائیلي من خلال الهدنة المتوقعة الی تحسين سمعته في المجتمع الدولي بأنه ليس كياناً إحتلالياً ويبحث عن السلام مع الفلسطينيين ولايرید الحرب، بعدما فشلت حروبه الطاحنة ضد الفلسطینیین، يعتقد بعض أعضاء اللجنة المركزية في حركة فتح من بينهم جمال محيسن أن اعلان أي هدنة طويلة الأمد بين حماس والكيان الإسرائيلي ستكون عاملا لتوسيع نطاق الإحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس، وستكون هذه الهدنة باعتقاد قيادة حركة فتح سببا لضرب وحدة الصف الفلسطيني بسبب تغلغل الإحتلال الإسرائيلي داخل حركة حماس.
وعلی عكس الإنزعاج الفلسطیني تجاه أي هدنة بین حماس والكیان الإسرائیلي، فإن عدداً من دول المنطقة من بینها قطر ومصر وتركيا يؤيدون أي هدنة خاصة إذا كانت طويلة الأمد بین حماس والكيان الإسرائيلي، وذلك بسبب أن هذه الدول تحاول طرح نفسها باعتبارها دولاً رئيسية يمكنها أن تلعب دورا جوهريا في إنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كذلك الأمم المتحدة والدول الغربية سيدعمون اي قرار من قبل حماس للتوصل الی هدنة مع تل أبيب، وذلك بسبب أن هذه الجهات أيضا تريد طرح نفسها بأنها تبحث عن السلام في الشرق الأوسط.
وإذاما أردنا أن نحلل تبعات وتداعیات الموافقة علی الهدنة طویلة الأمد مع الكیان الإسرائیلي من قبل حماس؛ فانه في مثل هذه الظروف التي تمكنت فيها المقاومة عبر صواريخها إدخال الرعب في قلوب الإسرائيليين وأجبرتهم علی مغادرة الأراضي الفلسطينية من خلال الهجرة العكسية، إتخاذ قرار عقد هدنة مع الكيان الإسرائيلي من قبل حماس لم تكن خطوة صائبة، لأن هذا الكيان سيستطيع إقناع الإسرائيليين علی البقاء في الأراضي المحتلة ووقف هجرتهم بعد أن تصبح آمنة بالنسبة لهم.
وبما أن حماس اعتبرت دائما نفسها بأنها أكبر الفصائل المقاومة ضد الإحتلال خلال السنوات الماضية وإذاما وافقت علی إجراء اي مفاوضات مباشرة مع الكيان الإسرائيلي فستكون هذه المفاوضات عاملا لإنتزاع صفة المقاومة من حركة حماس لأنها تتعارض مع الموقف المقاوم، وعندها إذن ستكون حركة الجهاد الإسلامي هي رأس حربة المقاومة.
وبالرغم من أن مواقف حركة الجهاد الإسلامي وكتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحماس لم تتضح لحد الآن بشكل واضح تجاه الهدنة التي تنوي حماس اجرائها مع الكيان الإسرائيلي، فمن المحتمل أن تكون مواقفهما مغایرة مع موقف حماس، لأن الجهاد والقسام كانتا دائما تعارضان اي نوع من الهدنة والمفاوضات مع هذا الكيان، باعتبار أن مثل هذه الهدنة تؤدي الی تقويض القضية الفلسطينية وفق رؤیة الجهاد الإسلامي وكتائب القسام.
بالإضافة الی هذا ستكون الهدنة مع الکيان الإسرائيلي بمثابة تمكينه من توفير الأمن للمجتمع الإسرائيلي باقل ثمن ممكن، وهذا سيكون بمعنی إحتواء المقاومين الفلسطينيين في هذه المرحلة ليكون بمقدور تل أبيب ممارسة جميع ضغوطاتها علی حركة الجهاد الإسلامي والحركات الفلسطينية الاخری لكسب إعترافها بالسياسات الإسرائيلية.
وسینظر الشعب الفلسطیني الی مفاوضات حماس إذا كانت هذه المفاوضات بشكل مباشر علی أنها إعتراف رسمي من قبل حماس بالكيان الإسرائيلي. ومن المعروف أن المفاوضات عندما تكون بين طرفين، أحدهما ضعيف والآخر قوي سيكون الطرف الضعيف هو الخاسر في هذه المفاوضات، لذا ستكون مفاوضات حماس، هزيمة بالنسبة للشعب الفلسطيني وعاملا لمضيعة المزيد من الحقوق الفلسطينية.
وفي النهاية نعتقد أن الهدنة ستكون مشروعا لإنقاذ الكيان الإسرائيلي الذي فشلت حروبه الثلاثة الأخيرة خلال الستّ أعوام الماضية علی سكان غزة، أكثر من کونها وسيلة لإنقاذ أهالي غزة الذين يعانون من إهمال العالم الإسلامي والمجتمع الدولي.