اليونان: مخاضٌ عسيرٌ قد يؤدي الى ولادة التغيير على الصعيد الأوروبي
قد يظن البعض أن المشكلة اليونانية مالية الطابع فقط. لكن العارف بحقائق الأزمات المالية التي تتعرض لها الدول، يُدرك إنعكاساتها على الصعيد الإجتماعي والسياسي. وهو الأمر الذي يؤدي الى تفاقم الأزمات عادةً. وهنا يأتي الحديث عن تحليل الوضع اليوناني حالياً لما تشكله من تحدٍ لرئيس الوزراء اليوناني، وكذلك لما لها من إنعكاسات على دول الإتحاد الأوروبي. فماذا في آخر أخبار الوضع اليوناني؟ وكيف يمكن تحليل دلالاته الحالية وآثاره المستقبلية؟
تقريرٌ حول تحديات اليونان ورئيس وزرائها:
واجه رئيس الوزراء اليوناني أليكساس تسيبراس عدداً من المناورات البرلمانية في أثينا لضمان الموافقة على حزمة التدابير التقشفية التي تهدد بتفكك ائتلافه. وكان قد قدم رئيس الوزراء اليوناني مشروع قانون للبرلمان يحتوى على زيادة ضريبة المبيعات وخفض المعاشات التي تتعارض مع تعهدات حزب “سيريزا” الذي يترأسه. ويعد التشريع، شرطاً مُسبقاً للمقرضين للبدء في محادثات القرض الجديد الذي يبلغ نحو ٨٦ مليار يورو، أي ما يعادل ٩٤ مليار دولار، وكل ذلك يجري تحت مراقبة حكومات منطقة اليورو.
كما أن ما يُجبر تسيبراس على الإعتماد على دعم المعارضة للحصول على التشريع اللازم لإبقاء اليونان داخل منطقة اليورو، هو إصرار عشرات المشرعين في حزب “سيريزا” على التمرد على هذه التخفيضات. وفي هذا السياق، قال بانوس كامينوس، وزير الدفاع اليوناني، إن مُشرعيه سيدعمون فقط التدابير التي وافق عليها القادة السياسيون اليونانيون وليس تلك التي فرضها المقرضون والتي استنكرها باعتبارها محاولة للإنقلاب.
وفي سياقٍ متصل ناشد وزير الطاقة اليوناني، باناجيوتيس لافازانيس، تسيبراس بسحب دعمه للإتفاقية، قائلاً إن ما يطلق عليهم شركاء ولا سيما ألمانيا يعاملون بلادنا كما لو كانت مستعمراتهم ويتصرفون كأنهم مبتزون دون رحمة وقتلة اقتصاديون، ولن يوافق الشعب على هذه الإتفاقية التي ستُلغى من خلال وحدتهم ونضالهم.
تحليل الوضع اليوناني:
إن اليونان بوضعها القائم تعبِّر عن نموذجٍ يصف حال الدول الأوروبية. وهنا لا بد من الإشارة الى التالي من الدلالات:
– إن الوضع يدل على أن اليونان وبغض النظر عن نتيجة التصويت على المشروع، تعيش حالةً من الصعب معالجتها، للفجوة القائمة بين نتائج السياسة التقشفية، وما يطلبه الشعب اليوناني. وهو الأمر الذي يعتبر تحدياً لرئيس الوزراء اليوناني.
– إن حالة السخط الشعبية في اليونان، ستتحوَّل حتماً الى حركةٍ مدروسةٍ وممنهجة، وبالتحديد في ظل وجود أرضيةٍ شعبية مقبولة، لتطلعات الأحزاب المعارضة، والتي تقوم مبادئها على أُسسٍ إشتراكية، تجعل الفجوة بين تطلعاتها والمشروع المعروض والذي يقوم على أُسسٍ ليبرالية، كبيرة جداً. وهو ما سيساهم في تحركاتٍ لما يسمى بنقابات المجتمع المدني التي تصبح فعالةً في ظل هكذا أحداث. ما يُنبئ بإحتمال حصول إنفجارٍ إجتماعيٍ نتيجةً للأزمة الإقتصادية القائمة، سيرتد سلباً على الوضع السياسي وسيكون الخاسر فيها الطرف الليبرالي حتماً لإفتقاده للأرضية الشعبية. وهو ما يمكن أن تثبته تهديدات الحزب الشيوعي اليوناني بالإستيلاء على السلطة السياسية لتجاوز التناقضات السياسية والإقتصادية المتفاقمة.
– إن هذا التحدي يُعتبر تحدياً لدول الإتحاد الأوروبي، وسياساته المستقبلية خصوصاً في طريقة معالجته للأزمات المُتفاقمة. وهو الأمر الذي سيؤدي بالنتيجة الى انعكاساتٍ على الإتحاد الأوروبي. وهنا فإن أمام الإتحاد خيارين، إما مساعدة اليونان وإعفائه من القرض أو تخفيفه، أو المضي قدماً بفرض سياسة التقشف وهو الأمر الأخطر لما قد يؤديه بالنتيجة، الى انفصال اليونان عن الإتحاد وخروجها من دول اليورو.
– إن الأزمة اليونانية الحالية والتي تبدو مالية الطابع، قد تتحول لأزمةٍ سياسية إجتماعية ستكون لها آثار كبيرة على الدول الأوروبية كافة. فالمشكلة في حقيقتها معيشية تحتاج لحلولٍ إجتماعية تراعي أكثر التطلعات الشعبية. وهو ما يبدو أنه سيكون أساس الصراع اليوناني داخلياً، وقد يحوِّلها لتكون الدولة التي قد تقود التغيير على الصعيد الأوروبي بشكلٍ عام.
قد تُشكِّل اليونان بدايةً للتحول على الصعيد الأوروبي، في زمن التحولات العالمية. وما يجب الإشارة له يتخطى الحاضر، لنقول إن الأزمة اليونانية قديمة الأسباب، وكل ما ينتج عنها اليوم هو إنعكاسٌ لماضٍ من السياسات التي لم تراع المجتمع اليوناني. وهو الأمر الذي تتصف به السياسات الليبرالية عادة. وهنا فإن ما ستؤول إليه الأمور في اليونان، يجب أن يتم التعاطي معه بطريقة جديّة لما سيكون له من الأثر على أوروبا ومستقبلها السياسي والإجتماعي. فهل ستكون اليونان بوابة التغيير على الصعيد الأوروبي؟
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق