هل تشكل حملة مقاطعة البضائع الاسرائيلية (BOYCOTT) تهديدا فعليا للكيان الاسرائيلي؟
تعريف:
منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي على الاراضي الفلسطينية عام 1945، نادت بعض الأصوات العربية بالاتحاد لمقاطعة هذا الكيان. وخلال بدء المشاورة والحوار العربي الاسرائيلي الذي قام به بعض الساسة العرب بوساطة مصرية عام 1979، ومنذ مطلع العام 1990 بدأ مفهوم مقاطعة الكيان الإسرائيلي بالانحسار.
وفي عام 2005 وفي المؤتمر العالمي الذي أقيم على أثر مشروع جدار الفصل العنصري الاسرائيلي، أطلق نشطاء مدنيون في المجتمع الفلسطيني من جديد، حملة إحياء مقاطعة الكيان الاسرائيلي ولكن هذه المرة على المستوى المدني وغير الحكومي.
فكانت حركة “BOYCOTT “:
وهي حركة عالمية انطلقت عام 2005، استجابة لنداء أصدرته غالبية من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في 9 تموز 2005، يدعو لمقاطعة الكيان الإسرائيلي وسحب الإستثمارات منه وفرض العقوبات عليه حتى ينصاع للقانون الدولي بالكامل ويلتزم بحقوق الشعب الفلسطيني.
الأهداف:
وتحمل الحركة ثلاث شروط محددة تمكن الشعب من تقرير مصيره، وهي :
· إنهاء الكيان الاسرائيلي احتلاله واستعماره لكل الأراضي العربية بما في ذلك تفكيك الجدار والمستعمرات
· تحقيق المساواة الكاملة لفلسطينيي الـ48
· عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجِّروا منها بموجب قرار اﻷمم المتحدة رقم 194
مراحل تطور ونشاط:
في عام 2008، وفي المؤتمر الوطني الأول للـBDS ، تشكلت اللجنة الوطنية لمقاطعة الكيان الاسرائيلي وسحب الإستثمارات منه وفرض العقوبات عليه، وهي أكبر ائتلاف مجتمع مدني فلسطيني، وهي مرجعية وقيادة حركة BDS العالمية.
حظيت الحملة باهتمام كبير وتزايد عدد المتطوعين العاملين فيها بشكل ملحوظ في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008/2009 .
الإجراءات العقابية التي يطالب نداء BDS بتطبيقها :
المقاطعة :(Boycott) عبر الإمتناع عن شراء البضائع الإسرائيلية والدولية الداعمة للكيان الاسرائيلي، وإيقاف تداولها في الأسواق المحلية والعالمية، وقطع العلاقات مع الشركات والمؤسسات الإسرائيلية بما فيها الرياضية والأكاديمية والثقافية.
سحب الإستثمارات (Divestment) : سحب التمويل من الشركات الإسرائيلية والشركات الدولية الداعمة للكيان الاسرائيلي عبر بيع أسهمها والإمتناع عن الإستثمار فيها.
فرض العقوبات (Sanctions) : هي اجراءات عقابية تتخذها الحكومات والمؤسسات الرسمية لرفض ممارسات الدولة المقاطَعَة ولمحاسبتها والضغط عليها للإلتزام بالقانون.
سياسات وأهداف:
· المقاطعة الثقافية التي تشمل الفعاليات الرياضية والفنية كالحفلات الموسيقية والمعارض والجامعات والمؤتمرات العلمية حول العالم .
· المقاطعة الاقتصادية عبر مقاطعة البضائع الإسرائيلية، ودعوة الشركات متعددة الجنسيات والحكومات حول العالم للتعهد بعدم التعاون اقتصاديًّا مع الکيان الإسرائيلي بشكل عام، أو مع الشركات التي تتخذ من المستوطنات مقرًا ومصانع لها.
· السعي لفرض العقوبات على الکيان الإسرائيلي عبر الوسائل القانونية.
· التصدي إعلاميًّا لكل ما من شأنه أن يحسن من صورة الکيان الإسرائيلي في الأوساط الإعلامية أو الثقافية كلما أمكن ذلك.
فعالية وإنجازات الحملة:
بالرغم من السنوات القليلة من عمر حملة المقاطعة، إلا أنها قد نجحت في تحقيق العديد من الإنجازات نحو أهدافها. وإن كان البعض يعتبر أن هذه الإنجازات لا تزال محدودة التأثير في عمق الاقتصاد أو السياسة الإسرائيلية، إلا أن الحملة تعمل على المدى الطويل في تحقيق ذلك فعلاً وهي التي بدأت عبر اصوات 171 ناشطاً فلسطينياً لتصبح اليوم حملة عالمية تضم اجانب من كل الجنسيات والمراكز الاجتماعية .
ورغم أن الانجازات التي قامت بها الحملة لغاية الساعة ليست قليلة وعلى عدة مستويات علمية وفنية واعلامية واقتصادية وسياسية وثقافية، وهذا ما يمكن الاطلاع عليه من خلال موقع الحملة الرسمي على الانترنت الذي نضعه في أسفل التقرير، لكن حصر فعاليتها بالانجازات التي تحققت ليس صحيحا قياسا بالمدة الزمنية القصيرة التي شرع العمل بها فضلا عن ضعف الامكانات والحاجة للتوعية الثقافية وتداخل عوامل سياسية واقتصادية وجغرافية عديدة، فلهذا إن أهم ما يميز هذه الحملة هو الاعتقاد بطول العمل وعدم حصر الناتج بمدة زمنية قصيرة وهذا يسبب نجاحا كبيرا للحملة ويشكل عاملا من عوامل قوتها وجديتها.
كما حازت الحملة على تأييد المئات من الشخصيات العالمية المشهورة في الوسط الفني والاعلامي وكذلك من قبل شركات ومؤسسات اقتصادية فاعلة وناشطة في الساحة الدولية، فضلا عن هيئات ومؤسسات في المجتمع المدني لها نشاطات واسعة النطاق حول العالم.
وتجدر الاشارة الى أنه مؤخرا وصل نشاط الحملة الى ميدان مهم جدا في الصراع المعاصر، حيث تمكنت الحملة من التوسع لتطال الميدان العلمي عبر التواصل مع الجامعات والطلاب الجامعيين في كل العالم على سبيل المثال جامعة ساكسس البريطانية والجامعة الحكومية في ايرلندا وحتى جامعة بانسيلفانيا الامريكية، التي اتخذت قرارات بوقف التواصل والتعاون مع الجامعات الاسرائيلية وعدم مشاركتها في التحقيقات والبحوث العلمية بشكل قاطع.
كما أن فعالية الحملة وصلت الى حدود التأثير على مستوى الدول، فعلى سبيل المثال أدت نشاطات الحملة لتحصيل تأييد من مجلس حقوق الانسان في الاتحاد الاوروبي فضلا عن تأييد من الدولة الاسبانية عام 2014 والتي اقدمت على وقع الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة على تعليق السماح بتصدير سلاح يحمل الصناعة الاسبانية الى الكيان الاسرائيلي.
تأثيرات الحملة على مستقبل الكيان الإسرائيلي:
إن متابعة تصريحات المسؤولين الإسرائيليين يظهر حالة القلق والإحراج الذي تسببه هذه الحملة المنظمة ويعكس تزايد الاهتمام والمشاركة العالمية فيها الأمر الذي جعل الكيان الإسرائيلي يضع الحملة ونشاطها موضع تتبع واهتمام بالغين .
کما أن تسليط الضوء والاهتمام الإعلامي الذي حظيت به الحملة مؤخرًا يوجه المزيد من الناس حول العالم نحو الانتباه للقضية الفلسطينية ويرفع من مستوى الوعي الجماعي بما يقوم به الكيان الإسرائيلي من انتهاكات مستمرة للقانون الدولي في الأراضي المحتلة، وهذا بحد ذاته هدف يستحق أن يسعى المرء لتحقيقه ويشكل عملا تراكميا في اعادة احياء الضمير الانساني الغارق بما يبثه الاعلام الغربي الموجه والمسلط من قبل السياسيين والحكومات التي تدعم هذا الكيان، من فكر مشوه ومضلل حول القضية الفلسطينية ومتعلقاتها.
وفي المجال الاقتصادي، يكفينا أن نعرف أن النظام الاقتصادي الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على الصادرات نحو أوروبا وأمريکا، وقد لوحظ الانخفاض المستمر في الصادرات نحو أوروبا بشكل خاص خلال السنوات القليلة الماضية، وبدأ الخبراء الإسرائيليون بالدفع جديًّا باتجاه البحث عن أسواق آسيوية بديلة لما يتم فقده في أوروبا.
فمن وجهة نظر إدارية بحتة، يسعى المستثمرون على الدوام للتعاون تجاريًّا مع الشركات ذات نسبة مخاطرة أقل من غيرها، ومن الشائع أن يتم اعتبار الشركات المثيرة للجدل أو ذات السمعة السيئة كجهات تحمل هامش مخاطرة كبير لدى التعامل معها، حتى وإن لم يكن للمستثمر موقف شخصي مقصود نحو مقاطعة الكيان الإسرائيلي بشكل خاص، فإن اتخاذه لقرار التعاون مع شركة إسرائيلية قد يتم بناء على عوامل تجارية بحتة .
وسط هذه النتائج تبقى الحرب التي تخوضها هذه الحملة حربا مؤثرة جدا تتسم بطابع النتاج البطيء والطويل الأمد، لكن التواجد في الميادين التي تغطيها هذه الحملة هو ضرورة من ضرورات التصدي للكيان الإسرائيلي ومواجهة مهمة جدا لإبقاء المظلومية الفلسطينية حية وسط مساع حثيثة لتثبيت الكيان الاسرائيلي دولة شرعية على انقاض الصوت الفلسطيني الذي يراد له ان يخفت مع الزمن.
فالمواجهة مع هذا الكيان لا بد أن تلحظ المواجهة الاقتصادية والثقافية والاعلامية وكل الميادين التي يتواجد فيها، وکل هذه المساحة تغطيها هذه الحملة وسط تمسك المنظمين والناشطين الذين يتزايد عددهم بشكل كبير هذه الأيام ويتمدد الى امريكا الشمالية والجنوبية واوروبا ودول اسيوية لم تكن على تماس مع القضية الفلسطينية، بالنموذج الناجح والفعال الذي يحمله التاريخ في بطنه الا وهو الدور التاريخي الذي أداه المجتمع الدولي لنصرة شعب جنوب أفريقيا في نضاله ضد نظام الأبارتهايد من خلال أشكال مختلفة من المقاطعة التي حققت نتائج يعجز عنها السلاح .
في النهاية أذكر كلمة مهمة جدا تترك دائما صدى في ذاكرتي كلما تواجدت على الشريط الحدودي بين دولة عربية والأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل الكيان الاسرائيلي وهي تعبير مجازي عن مستوى الضعف في عوامل استمرار هذا الكيان الموهوم ومستوى التخاذل الذي أدى الى استمرار هذا المرض السرطاني حتى تاريخنا هذا، حين قال الإمام الخميني: “لو قام كل شخص عربي بتفريغ قنينة من المياه على الكيان الصهيوني لغرق وانتهى !!”
أختم بهذا القول الرائع الذي لو فكرنا فيه وأعددنا الحسابات العلمية له لوجدناه محقاً، وأنا أحث كل من يملك ضميرا حيا ونفسا ثوريا لا يؤمن بالاستسلام على ضرورة مواكبة هذه الحملة الواعدة التي تواكب حملة المقاومة المسلحة على كامل امتداد ساحات المواجهة مع الكيان الإسرائيلي الذي يعيش على وقع التنفس الاصطناعي الموفر له من الدول الغربية والذي يقترب من الزوال المحتوم.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق