من نتائج الإتفاق النووي: طهران ستكون عرَّابة سياسات القضاء على الإرهاب
كما أن الإتفاق النووي يُعتبر بحد ذاته إنجازاً تاريخياً على المستوى السياسي والقومي لإيران، فإن نتائج هذا الإتفاق سيكون لها الأثر الكبير على الصعيد الإقليمي والدولي. وعندما نقوم بتحليل النتائج، فإننا نقوم بتوَقُّع المستقبل بناءاً لما تحقَّق. وهنا يأتي الحديث عن أن حجم الإنجاز الإيراني، سينعكس بإيجابياته على المنطقة والعالم، لا سيما فيما يتعلق بملف الإرهاب. وهو الأمر الذي سيؤثر مباشرةً على مسألة القضاء على داعش. فكيف يمكن تحديد ذلك؟
ما يجب معرفته كتمهيدٍ للتحليل:
– إن إيران كانت قبل الإتفاق النووي قادرةً على فرض شروطها، كدولةٍ متعاظمة النفوذ. وهو الأمر الذي جعلها تتمتع بحيثيةٍ يحترمها الشرق والغرب، ويؤمن بأنه لا مجال لتخطي الرضا الإيراني. وهذا ما سترتفع نسبته مع تجاوز إيران المفاوضات بنجاح، وإعطاء الغرب لها لا سيما واشنطن، الإعتراف بأنها دولة قادرة وعظيمة.
– فعلى الرغم من أن طهران فصلت المفاوضات النووية ومصير الإتفاق عن أيٍ من الملفات الأخرى، ورفضت التعامل على أساس أن الإتفاق ورقة مثله مثل الأوراق الأخرى، إلا أن مجرد إنتزاعها حقها الذي رفع عنها العقوبات وأدخلها في ميدان اللاعبين الكبار إقتصادياً ومالياً، فهي بالنتيجة أصبحت قادرة على المناورة والعمل وفق مصلحتها بشكلٍ أكبر مما سينعكس حتما على إدارتها للملفات السياسية في المنطقة والعالم، ومنها الملف السوري والعراقي تحديداً.
– وهنا سيلجأ البعض لا سيما الإرهابيين الى محاولة الإستفادة من الإنجاز، من خلال الترويج لما يجري حالياً لكن بوتيرةٍ أكبر. أي من خلال محاولة الإيحاء بأن ما يُسمى “المد الفارسي” قادم ويزداد خطره، وأنه لا يمكن مواجهة ذلك إلا من خلال الإلتحاق بداعش. وهو الأمر الذي تُشير له الكثير من التحليلات.
كيف يهدد الإتفاق مصالح الإرهاب؟
لا شك بأن الجميع يعرف أن أمريكا كانت الدولة الأكثر سعياً لتأجيج الخلافات وتقسيم المجتمعات والدول، من أجل بناء واقعٍ يجعلها الأم الحنون القادرة على حلِّ المشكلات من جهة، ومن أجل زيادة قدرتها على التغلغل والنفوذ والتدخل في شؤون الدول من جهة أخرى. لذلك فقد كان الإرهاب لا سيما داعش مؤخراً، إحدى الأدوات الأمريكية التي حاول من خلالها التدخل في الشؤون الخاصة لدول الشرق الأوسط لا سيما سوريا والعراق. وعندما بدأت الأمور تخرج عن السيطرة، وبالتحديد بسبب الموقفين الراسخين لروسيا وإيران، قامت واشنطن بتأسيس التحالف الدولي للقضاء على داعش. وهنا لا نقول إن نوايا أمريكا كانت جيدة لكنها وضعت ضمن أهدافها الظرفية، القضاء على داعش في بعض معاقلها بما يخدم مصالحها. ولأن الطرف الإيراني وكذلك الروسي يعرفان جيداً حقيقة السياسة الأمريكية، قاما بالعمل على دعم النظام السوري بشتى الوسائل من أجل المحافظة عليه، مما جعل المشروع التكفيري يقع في الكثير من محطات الفشل التي أدت فيما بعد الى تحجيمه. فماذا سيحصل في المستقبل نتيجة الإتفاق؟
– كما أن إيران لم تقبل في الماضي القريب تمدد الإرهاب في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق، وقامت بدعم الشعوب لمواجهته، فهي لن تقبل اليوم وبنسبةٍ أكبر، ذلك. وهو الأمر الذي سيجعل من أولوياتها، كيفية إستغلال نفوذها الجديد وعلاقاتها المتنامية بعد الإتفاق، في مجال محاربة الإرهاب والقضاء عليه.
– فالجميع يعرف أن الإرهاب المُتغلغل في سوريا والعراق، إرهابٌ دولي الطابع أي أن دولاً عربية وغربية تشارك في تقويته ودعمه. وعندما يتقدم النفوذ الإيراني لينتقل من المستوى الإقليمي الى المستوى الدولي، فإن ذلك سينعكس على سياسات مواجهة الإرهاب، لما ستتمكَّن إيران من فرضه على الدول كافة.
– فالعديد من الدول الغربية أعلنت أن إيران ستكون محطتها في المستقبل القريب للتباحث معها في كيفية تقوية المصالح وتعزيز العلاقات. والعارف بخفايا السياسة الخارجية وبالتحديد في منحاها الإستراتيجي، يدرك أن أغلب الأفعال السياسية المتمثلة بدعم سياسات الأطراف ومنها دعم الأطراف الإرهابية، يقوم على أساس المصلحة. فعندما وجد الغرب أن مصلحته في سوريا تقتضي دعم الإرهابيين وتمويلهم، قام بذلك.
– لكن اليوم ومع تغيُّر الظروف، وتبدُّل الأحوال، ستتبدًّل الأسس التي تقوم عليها مصالح الدول لا سيما الغربية بل حتى العربية، وهو ما سينعكس على كافة السياسات في المنطقة ومنها ملف دعم الإرهاب والقضاء على داعش.
النتيجة:
إن الحقيقة الخفية الكامنة وراء تمدد الإرهاب لا سيما داعش، كانت تعتمد على نفوذ وقوة الطرف الأمريكي وحلفائه. وهو الأمر الذي تمثل واقعياً، بالتخطيط الأمريكي والتنفيذ الخليجي. لكن اليوم وبعد توقيع الإتفاق فلم يعد الأمريكي طرفاً يمكنه فرض السياسات، في ظل وجود دولةٍ نوويةٍ كإيران. ولم تعد الدول الخليجية التي اعتبر الكثيرون أن واشنطن باعتها بالإتفاق، قادرةً على العمل وتنفيذ ما تشاء. وهو الأمر الذي يعني أن تراجع النفوذ الأمريكي ليس من الناحية الإستراتيجية فقط بل من الناحية التكتيكية، وسيؤدي بالنتيجة الى تراجع نفوذ الإرهابيين، وإن كان ذلك سيتم على عددٍ من المراحل. فالمرحلة الأولى ستكون بأن الإتفاق سينعكس على الإرهابيين بحالةٍ من التشرذم الذي سيؤدي الى انقسامهم على بعضهم بعد إستغناء العديد من الدول الداعمة عن الأطراف التي تكوِّنهم. مما يعني أن حالةً من التقاتل الداخلي وبوتيرةٍ كبيرة لم نشاهدها من قبل، ستسود التنظيمات الإرهابية قريباً. وما علينا إلا إنتظار الأيام المقبلة لنرى ذلك.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق