التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, سبتمبر 20, 2024

العلاقات الهندية الباكستانية.. تحديات قديمة وفرص جديدة 

يزدحم تاريخ العلاقات الهندية الباكستانية بكثير من التوتر، وقد مرت هذه العلاقات بمنعطفات عديدة اندلعت خلالها ثلاث حروب راح ضحيتها الكثير من القتلى والجرحى من الجانبين. كما حصلت أزمة كادت أن تقود إلى حرب رابعة عام ١٩٩٩ نتيجة التهديدات المتقابلة التي أثارتها التجارب النووية التي أجراها البلدان عام ١٩٩٨. 

 

نبذة تاريخية

احتلت بريطانيا شبه القارة الهندية منذ مطلع القرن التاسع عشر، واستمر هذا الاحتلال حتى العام ١٩٤٧ عندما نالت الهند استقلالها بعد الثورة التي قادها المهاتما غاندي. وعلى أثر الانسحاب البريطاني من شبه القارة الهندية في ١٤ آب ١٩٤٧ ظهرت إلى العلن دولتان كبيرتان هما الهند وباكستان .

وكانت شبه القارة الهندية تتألف من حوالي ٥٧٠ ولاية. وعند الانسحاب البريطاني خيّرت هذه الولايات بين الانضمام إلى الهند أو باكستان. وشمل ذلك بالفعل كل الولايات ماعدا (جامو وكشمير).

 

النزاع الهندي – الباكستاني حول كشمير 

تعد كشمير منطقة متنازع عليها بين الهند وباكستان، وكلا الطرفين يدعي السيادة الكاملة عليها. وأغلبية سكانها مسلمون بنسبة حوالي٩٠%، بينما الباقون خليط من الهندوس والسيخ والبوذية والمسيحية.

يرجع تاريخ النزاع الكشميري بين الهند وباكستان إلى أغسطس سنة ١٩٤٧م حيث لم يتقرر وضع الاقليم في مرحلة التقسيم سواء بالانضمام إلى الهند أو إلى باكستان خاصة أن غالبية السكان كانوا مسلمين في الوقت الذي كانت الهيئة الحاكمة من الهنود في وقت التقسيم. ونشبت بعد ذلك اضطـرابات كبيرة ونزاعات مسلحة بين المسلمين والحكام الهنود تدفق على إثرها رجال القبائل الباكستانية لمساندة المسلمين. وأعقب ذلك دخول القوات الهندية خاصة بعد أن أعلن الحاكم الهندي في الاقليم الـ(ماهاراجا) موافقته على الانضمام إلى الهند. وترتب على ذلك دخول القوات الباكستانية إلى المنطقة وبدأ القتال بينها وبين القوات الهندية واستمر لفترة تزيد على عام كامل إلاّ أنه في يناير ١٩٤٩ م تدخلت الأمم المتحدة وتوقف القتال وأنشئ خط وقف إطلاق النار جاعلا ثلثي مساحة كشمير وأربعة أخماس السكان تحت السيطرة الهندية والباقي تحت السيطرة الباكستانية .

في تموز ١٩٧٢ توصل الطرفان إلى اتفاق (سميلا)* الذي شكّل نقطة تحوّل جوهرية في علاقات البلدين وحل النزاعات بينهما. حيث تم تأليف لجنة لبناء الثقة ومتابعة حل المشاكل بالطرق السلمية بين الجانبين .

ومع تصاعد أعمال العنف داخل كشمير ازدادت احتمالات الصدام مجدداً بين الدولتين. ويعتقد المراقبون أن رغبة سكان الإقليم هي الاستقلال، إلاّ أن لعبة المصالح الدولية تمنع حصول ذلك إلى يومنا هذا لخوف كل طرف من انضمام الاقليم إلى الطرف الآخر، ما يؤثر على ميزان القوى الاستراتيجي بين الجانبين في هذه المنطقة.

 

موازين القوى والصراع الجيوستراتيجي

تتجه الهند في تسلّحها وبناء قواها العسكرية إلى التوازن مع الصين، بينما تسعى باكستان إلى بناء قوة رادعة تمنع الهند من اجتياحها أو القضاء عليها، لذلك لجأت إلى بناء قدرة نووية ووسائل إيصالها من صواريخ عابرة وبعيدة المدى، وهذا ما دفعها إلى زيادة إنفاقها العسكري. لكن ميزان القوى البشرية بين البلدين يميل إلى صالح الهند بشكل واضح، ذلك أن عدد سكانها يبلغ حوالي ١.٢٥٠ مليار نسمة، بينما عدد سكان باكستان يبلغ حوالي ٢٠٠ مليون نسمة. 

وإجتازت العلاقات الهندية الباكستانية مراحل متعاقبة من الهدوء والتوتر، خاصة في العقد الأخير حيث تعالت أصوات المنادين من جانبي الحدود بإقرار السلام بين البلدين، إلاّ أن بعض المراقبين يرون احتمال تجدد النزاع نتيجة تغير الظروف الدولية وتغير خريطة النزاع داخل كشمير نفسها .

وقد شهد البلدان العديد من المحادثات واجتماعات القمة، لكن الغريب انه كلما تحرك الطرفان نحو الحوار والتفاهم حدث ما يعيد التوتر بينهما من جديد. فعلى سبيل المثال التقى وزير الخارجية الباكستاني مع نظيره الهندي عام ٢٠٠٨م لتعزيز العلاقات الثنائية إلاّ ان ذلك لم يستمر بسبب تفجيرات “بومباي” حيث ادعت السلطات الهندية أن جميع المتورطين في تنفيذها أتوا من باكستان ما زاد التوتر بين البلدين.

وفي فبراير من العام ١٩٩٩ دعا رئيس الوزراء الباكستاني نظيره الهندي (أ.ب. فاجبايياي) لإجتماع في لاهور لكن سرعان ما إندلعت أزمة (كارجيل)* عندما اتهمت نيودلهي اسلام آباد بارسال عناصر عسكرية لهذه المنطقة، ما قضى على آمال التقارب بين البلدين .

وفي العام الماضي وخلال حفل تنصيب “ناريندرا مودي” رئيساً للوزراء في الهند التقى بنظيره الباكستاني “نواز شريف” في محاولة لإحياء الحوار بين البلدين، إلاّ أن الهند ألغت الحوار بسبب اجتماع السفير الباكستاني مع زعماء المعارضة الكشميرية، واستمر اتهام نيودلهي لاسلام آباد بتقديم الدعم لهذه المعارضة الأمر الذي تنفيه باكستان.

في ظل ما تقدم تحول النزاع على كشمير إلى ساحة صراع قوي بين الدولتين، وإلى مدى جيوستراتيجي يختزل حجم لعبة المصالح، والتنافس على جنوب آسيا، والقائمة حالياً بين الهند والصين وأمريكا وروسيا، كل وفق مصالحه ورؤيته الاستراتيجية لهذه المنطقة. 

ورغم كل ذلك، ثمة أسباب تدعو للتفاؤل لأن الخلافات بين الهند وباكستان لم تقضِ على القواسم المشتركة بين الطرفين. فهناك أسس مشتركة تاريخية وثقافية تشير إلى أن العلاقات الودية بين الجانبين ممكنة بكل تأكيد. ويمكن اقتناص الفرص المتوافرة للبناء على مصالح مشتركة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، لتؤمّن مستقبلاً أفضل للبلدين ولعموم المنطقة في نهاية المطاف .

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق