لبنان.. الحوار بين حزب الله والمستقبل.. خلفياته وتداعياته
دأب حزب المستقبل الذي يقوده رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري على إقتفاء أثر السياسة السعودية تجاه لبنان والمنطقة، ولازال يواصل عداءه لحزب الله وسوريا تبعاً لهذه السياسة.
ويواجه لبنان في الوقت الحاضر أزمتين رئيسيتين؛ الأولى تتمثل بعدم اتفاق الأطراف السياسية على انتخاب رئيس جديد للبلاد، والثانية تتمثل بوجود التيارات التكفيرية التي تسببت بزعزعة الأمن والاستقرار في هذا البلد.
والسؤال المطروح: ما هي الأسباب الكامنة وراء هاتين الأزمتين؟ ومن أين نشأ التنافس بين تحالف (١٤ آذار) الذي يتزعمه حزب المستقبل وتيار (٨ آذار) الذي يقوده حزب الله؟
للإجابة عن هذين التساؤلين لابد من الإشارة إلى ما يلي:
– شهدت الساحة اللبنانية تطورات كبيرة بعد حادث إغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري (والد سعد الحريري) في ١٤ فبراير ٢٠٠٥. وتمخضت هذه التطورات عن تبلور تياري (١٤ آذار) و(٨ آذار)؛ التيار الأول يمثل الأطراف اللبنانية الموالية للغرب والمعارضة لحكم الرئيس السوري بشار الأسد، فيما يمثل الثاني القوى الداعمة لمحور المقاومة في لبنان وعموم المنطقة.
– عمل تيار (١٤ آذار) بالتنسيق مع الأطراف الدولية والاقليمية المتحالفة معه وفي مقدمتها أمريكا والسعودية على اخراج القوات السورية من الأراضي اللبنانية بدعوى وقوف حكومة الرئيس بشار الأسد وراء إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
– عقب خروج القوات السورية من لبنان في (٨ آذار ٢٠٠٥) تشكل تيار كبير في هذا البلد عرف فيما بعد بإسم (تيار ٨ آذار) وهو يضم حزب الله وحركة أمل وتيار المرَدة والحزب الديمقراطي والحزب القومي الموالي لسوريا وتنظيمات أخرى بهدف الدفاع عن المقاومة ورد الجميل للجيش السوري الذي دافع عن أمن واستقرار لبنان طيلة تواجده في هذا البلد (منذ اندلاع الحرب الأهلية عام ١٩٧٥ وحتى ٢٠٠٥).
وفي (٦ فبراير ٢٠٠٦) إنضم التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق ميشال عون إلى تيار (٨ آذار) وهو عضو فاعل ومؤثر في هذا التيار ومن الداعمين بقوة لحزب الله.
– في مقابل ذلك تشكل تحالف (١٤ آذار) الذي أطلق على نفسه فيما بعد اسم (ثورة الأرز)* وهو يضم في صفوفه الأحزاب والتنظيمات المعارضة للحكومة السورية وفي مقدمتها حزب المستقبل وحزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب. ويدعو هذا التحالف إلى خلع سلاح المقاومة ومتابعة قضية إغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في المحاكم الدولية والحد من نفوذ سوريا في لبنان.
– الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط لم ينضم إلى أي من التيارين المذكورين (٨ آذار و١٤ آذار) كما لم يتخذ موقفاً واضحاً منهما.
– عمل حزب المستقبل على تهيئة الأرضية للجماعات المعارضة للحكومة السورية كي تمارس نشاطها في المناطق التي تقع تحت سيطرته في شمال لبنان. كما سعى لإضعاف تيار ٨ آذار الداعم لسوريا.
– الاختلافات بين تيار(٨ آذار) وتحالف (١٤ آذار) لا تقتصر على موقفهما من الأزمة السورية؛ بل تشمل كافة الجوانب السياسية والاقتصادية في لبنان وكيفية التعاطي مع القوى الكبرى والقوى الاقليمية.
تيار (٨ آذار) يدعو إلى مواصلة المقاومة ضد الكيان الاسرائيلي ولا يحسن الظن بنوايا أمريكا والغرب تجاه لبنان والمنطقة ويطالب باعادة النظر في هيكلية النظام السياسي الحاكم في لبنان، فيما يطالب تحالف (١٤ آذار) الذي تربطه علاقات قوية مع السعودية ويعد من الحلفاء الاستراتيجيين للدول الغربية في المنطقة بخلع سلاح المقاومة ويدعو إلى تفعيل مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية والكيان الاسرائيلي على أساس حل الدولتين.
منذ إندلاع الأزمة السورية (عام ٢٠١١) عمل حزب المستقبل على دعم الأطراف المعارضة لحكم الرئيس بشار الأسد بالمال والسلاح والامكانات اللوجستية، وسعى إلى اذكاء الفتنة الطائفية في لبنان لتحقيق أغراض سياسية على الرغم من تبنيه أفكاراً ورؤىً علمانية، في حين يدعو حزب الله وباقي أطراف (٨ آذار) إلى عدم خلط الأوراق بين الأزمة السورية وما يحصل في لبنان.
بعد إنتهاء الفترة الرئاسية للرئيس ميشال سلیمان في (٢٥ مارس ٢٠١٤) واجه لبنان أزمة سياسية لازالت مستمرة حتى اللحظة بسبب عجز الأطراف الفاعلة عن انتخاب رئيس جديد للبلاد. وقد بادر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى تقديم إقتراحٍ لحل هذه الأزمة عندما أعلن في العاشر من محرم (٣ نوفمبر) عام ٢٠١٤ عن استعداد حزب الله لإجراء حوار مع حزب المستقبل تحت إشراف رئيس البرلمان نبيه بري من أجل التوصل إلى تسوية لهذه الأزمة وتحقيق المصالح العليا للبلد.
في بداية الأمر عارض بعض زعماء حزب المستقبل ومن بينهم رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة إجراء حوار مع حزب الله، إلاّ أن أطرافاً اخرى في تحالف (١٤ آذار) أصرت على ضرورة القبول بمبادرة السيد نصر الله لإجراء الحوار وهو ما دعا سعد الحريري إلى الموافقة على ذلك والجلوس إلى طاولة الحوار في نهاية المطاف. وتواجه جلسات الحوار هذه (عقدت ١٥ جولة حتى الآن) عدة عراقيل أبرزها:
١. التعقيدات السياسية التي تركها الفراغ الرئاسي الذي نجم عن عدم اتفاق الأطراف والاحزاب الفاعلة في الساحة لإختيار رئيس جديد للبلاد خلفاً لميشال سليمان.
٢. تفاقم الخلافات بين أطراف الحكومة حول كيفية إدارة شؤون البلاد والتي انعكست سلباً على الشارع اللبناني الذي شهد في الآونة الاخيرة اعتصامات وتظاهرات تطالب بإنهاء هذه الخلافات.
٣. إتساع نطاق التوتر الأمني في البلاد بسبب ضعف الأجهزة الأمنية والعسكرية كما حصل مؤخراً عندما هاجمت مجموعة مسلحة مرتبطة بما يسمى (الجماعة الاسلامية) المتحالفة مع حزب المستقبل مسجداً يؤمه أنصار حزب الله في منطقة السعديات جنوب العاصمة بيروت.
رغم هذه العقبات لازال الجانبان يؤكدان على أهمية مواصلة الحوار من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في عموم البلاد، فيما يعتقد الكثير من المتابعين بأن هذا الحوار سيفضي إلى نتائج طيبة على الصعيد الداخلي كما حصل في فترات سابقة رغم صعوبة التوصل إلى اتفاقات بشأن الخلافات الاساسية لاسيما ما يتعلق بنزع سلاح المقاومة والموقف من الأزمة السورية بسبب تبعية حزب المستقبل لحكومة الرياض في اتخاذ قرارات تتعلق بهذه الخلافات حسبما يرى المراقبون.
أخيراً ينبغي القول إن الأزمة السياسية والأمنية في لبنان ناتجة عن سلسلة اختلافات جوهرية بين الأطراف الرئيسية والمؤثرة في البلاد اضافة إلى التدخلات الخارجية التي تحاول فرض آرائها وأجندتها على الساحة اللبنانية، وعليه لابد من التأكيد على ضرورة مواصلة الحوار بين هذه الأطراف لاسيما بين حزب الله وحزب المستقبل للحيلولة دون تفاقم الأزمة من جهة، والسعي لإيجاد حلولٍ عملية تضع حداً لهذه الأزمة من جهة اخرى.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق