مخطط أمريكي تركي بعد تعارض الأولويات في سوريا: العنوان خطر داعش والهدف الأكراد والنظام!؟
هل هو خطر حقيقي أم مخطط جديد جمع الأولويات التركية والأمريكية بعد تعارضها في المرحلة الماضية. هل هو إتفاق بين طرفين أم أنّ أمريكا تريد إغراق تركيا بعد أنّ نضجت لتكون التالي على اللائحة الأمريكية؟ أحداث متسارعة تشهدها المنطقة وسيناريوهات تُحاك بإخراج أمريكي والميدان الساخن سوري والمنفذ تركي داعشي، فما سرّ القرار التركي لمحاربة داعش بعد أربعة اعوام من إشعال تركيا النار في سوريا عبر إرسال الإرهابيين ودعمهم عسكرياً ولوجستياً؟ فهل تفلت داعش من أيدي تركيا وسيده الأمريكي بعد الإنقلاب عليه؟ أم أنّ الإتفاق الأمريكي التركي الجديد ينص على إستخدام خطر داعش حجة لضرب النظام والأكراد؟ وهل أنّ تركيا مستعدة لتحمل ثمن الحرب على داعش داخلياً وخارجياً بعد أن رفضت منذ البداية دخول التحالف الدولي؟ وما الذي تغيّر في الأولويات الأمريكية؟
ففي ظل أزمة سياسية داخلية وأمنية تعيشها أنقرة، مرحلة تحوّل جدية تشهدها البلاد متأثرةً بالعاصفة الإرهابية التي تضرب المنطقة ومخاطر تحيط بها خاصة الحدود. فيرى مراقبون أنّه على الرغم من عدم تحقق شروط رجب طيب أردوغان مقابل مشاركة تركيا في التحالف الدولي إلاّ أنّ أنقرة أعلنت الحرب على داعش، وهذا ما يطرح علامات إستفهام عن المستجد في العلاقة الأمريكية التركية وما حُكي عن تفاهم لمنع تسلل المقاتلين إلى سوريا. فقد كشفت صحيفة “حرييت” تفاصيل صفقة سماح انقرة لواشنطن باستخدام القواعد الجوية التركية، والتي تتضمن إقامة منطقة حظر طيران من ٩٠ كيلومتراً بين مدينتي مارع وجرابلس السوريتين و”منطقة آمنة” على الأرض يمكن أن تمتد حتى ٥٠ كيلومتراً في عمق سوريا، وهو ما نصّ عليه الإتفاق الذي وضع عليه اللمسات الاخيرة الرئيسان باراك أوباما ورجب طيب أردوغان أول من أمس خلال إتصال جرى بينهما.
فالثمن الذي لم تقبل به أمريكا من قبل بإقامة منطقة عازلة على الحدود الشمالية التركية قد أصبح قابلاً للتحقّق بعناوين أخرى بعد أن دفعت تركيا الثمن بدخولها في التحالف الأمريكي مرغمةً ولو شكلاً.
ومع أنّ علاقات تعاون وتنسيق ومعركة واحدة تجمعها مع داعش فإنّ إعلانها للحرب عليه يدفع تركيا إلى مواجهةٍ لا يمكن ضمان إنعكاساتها ونتائجها على الأمن التركي، ولو أنّ بعض المحلّلين يرون أنّ الحرب على داعش ليست سوى كذبة لتشريع التدخل العسكري التركي في سوريا وضرب الأكراد والنظام. ولكن التصريحات الإعلامية للطرفين توحي بأنّ حبل الودّ بينهما قد انقطع، ففيما اعتمدت الحكومة التركيّة الإعلام وسيلةً أولى للتعبئة في وجه التنظيم الإرهابي، لجأ داعش إلى التحريض الشرعي كوسيلة لتبرير الحرب عليها ظاهراً. وأكّد مصدر مرتبط بالتنظيم أنّ “توجيهاً شرعيّاً قد صدر بضرورة تنبيه المسلمين في دولة الخلافة إلى المخاطر التركيّة المتزايدة بعد أن جاهرت أنقرة بانضمامها إلى الحلف الصليبي”، على حد تعبير المصدر.
ومن جانب آخر فمرحلة الصراع الدموي مع حزب العمال الكردستاني لم تنته، بل يرى الأتراك من وجهة نظرهم أنّ الخطر الكردي في أوجه ولا بد أن تحاربه بعد أن أصبح على الحدود وفي الداخل. ومع فتح جبهتين فإنّ الجبهة الداخلية تبقى الأهم حيث أنّ الأوضاع الداخلية مأزومة وقد دفعت الأحداث المتسارعة الى إنعطاف الموقف التركي وبناء مرحلة جديدة جعلت من أنقرة تأخذ موقعاً جديداً تجاه الوضع السوري.
فالهجوم الانتحاري في منطقة سروج الحدودية الذي سارعت الحكومة التركية إلى إعلان انتماء منفذه إلى داعش، واشتباك التنظيم مع الجيش على الحدود أول من أمس، ثلاثة أيام كانت فاصلة بين التفجير الذي أودى بحياة ٣٢ شخصاً، وبين أولى غارات الجيش التركي على مواقع التنظيم على الحدود، تخلل ذلك إتفاق أمريكي ـ تركي سمح للطائرات الأمريكية بشنّ غارات انطلاقاً من قاعدة أنجرليك التركية، على التنظيم.
فقد انتهكت تركيا، أمس، مجدداً السيادة السورية، إذ شنّت غارات جوية على مواقع تابعة لتنظيم داعش داخل الأراضي السورية، وشنت الشرطة التركية حملة توقيفات في مختلف أنحاء البلاد، استهدفت عناصر تابعين لـ داعش، بالإضافة إلى أكراد ويساريين، ودارت في اسطنبول مواجهات بين متظاهرين وبين الشرطة التركية بالتزامن مع الحملة الأمنية التي تشنها أنقرة. فمعركة الداخل تتداخل فيها السياسة بالأمن والملفات الداخلية لا تقل أهمية عن أوضاع البيئة الخارجية. ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لايزال يراهن على عودة حزب العدالة والتنمية الى السلطة وحيداً عبر الذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة، يعوض خلالها الـ ١٨ نائباً الذين يحتاجهم ليحصل على الغالبية المطلقة، وهو يخيّر الناخبين بين عودة الحزب منفرداً الى السلطة، أو مواجهة مخاطر عدم الاستقرار والإنفلات الأمني، وهو ما له عواقب وخيمة على حزب العدالة والتنمية وتركيا بشكل عام.
تركيا في وضع لا تحسد عليه فبين تصفية الحساب مع حزب العمال الكردستاني وموافقة تركيا للإنقلاب على داعش وإعلانها الحرب عليه، محطة تنقل الأتراك إلى مرحلة جديدة في ظل تحولات كبرى تشهدها المنطقة وتبدلات في موازين القوى الدولية. فهل أنّ أنقرة قادرة على تحمل الحرب على جبهاتٍ ثلاث؟ أم أنّ الغرق في وحل المخططات الامريكية لتقسيم المنطقة سيكون مصيرها المحتوم؟
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق