باكستان وسياسة التوفيق بين الاضداد… قراءة تحليلية في الواقع والسياسة الباكستانية الداخلية والخارجية
تحتل باكستان موقعا جيوسياسيا مهما في العالم بحكم موقعها الجغرافي متوسطة دولاً محورية من حيث التأثير في أمن المنطقة والعالم (كايران وافغانستان والهند). بالاضافة الى تركيبتها السكانية الداخلية من حيث القوميات والاثنيات العرقية. مع الاشارة الى ما تحويه باكستان من احزاب وحركات اسلامية يتسم بعضها بالارهاب والتطرف. في ظل كل هذه الشروط فقد لا يستطيع المتابع للشأن الباكستاني أن يدرك حقيقة السياسات الباكستانية وكيفية ادارة الكثير من الملفات التي تمس بباكستان داخليا وخارجيا حتى الملفات الحساسة التي تمس بأمنها القومي. اضافة الى ذلك ليس من السهل ادراك حقيقة الروابط التي تحكم علاقة باكستان بكثير من دول العالم وكيفية قيام باكستان بالتوفيق بين الاضداد في علاقاتها الدولية.
ومن أجل تسليط الضوء على هذه السياسات البراغماتية (اذا صح التعبير) نستعرض بعضا من الملفات الاساسية التي تهم الشأن الباكستاني ومنها:
باكستان وسياستها الداخلية، لا معايير محددة!
يشير المراقبون للشأن الباكستاني والداخل الباكستاني بالتحديد الى عدم وجود معيار واحد لدى الحكومة الباكستانية في التعامل مع الاطراف الداخلية. فعلى سبيل المثال تتعامل الحكومة والجيش الباكستاني مع حركة طالبان بازدواجية غريبة. حيث تواجهها بشدة في بعض المناطق، وتغض الطرف عنها في مناطق أخرى تقوم بها الحركة بارتكاب مجازر أبسط ما يمكن ان توصف به بالتطهير العرقي (على سبيل المثال، منطقة باراتشنار القريبة من الحدود الافغانية والتي يسكنها بضعة الاف من الشيعة الباكستانيين، تتعرض لحصار من “طالبان” و”جيش الصحابة” (فرع القاعدة في باكستان) منذ سنوات دون تحريك ساكن من قبل الحكومة والجيش الباكستاني).
كما وتشير المعلومات والتقارير أن باكستان تحاول استمالة الحركة وجرها نحو سلوك المسار السياسي وعبر مفاوضات مستمرة منذ اعوام. في محاولة لادخالها الحياة السياسية الباكستانية بعد مرحلة طويلة من الحرب والمواجهة بين الطرفين يظهر أن باكستان قد اقتنعت بعدم جدواها. كما تؤكد المعلومات أن باكستان تتعامل مع طالبان افغانستان بمرونة أكبر وتقدم لها الدعم والتسهيلات العسكرية واللوجستية والهدف تقويتها في الداخل الافغاني على حساب الحكومة الوطنية لانه ووفق محللين هناك مصلحة باكستانية أكيدة بعدم قيام حكومة افغانية قوية على حدودها.
باكستان وأمريكا، الصديقان اللدودان!
تبرز مؤشرات التنسيق الامني العالي المستوى بين الطرفين وخاصة فيما يخص مكافحة الارهاب. وقد اعتدنا مشاهدة تقارير اغتيال عبر استهداف من قبل الطائرات الامريكية من دون طيار مقابل تنديد باكستاني بالانتهاك للسيادة الباكستانية. مدعين ان الغارات الامريكية بدون اي تنسيق مع باكستان. ولكن ليس هناك حاجة الى الكثير من التدقيق لمعرفة ان بيانات التنديد الباكستانية ليست سوى فقاعات فارغة تخاطب الرأي العام الداخلي الباكستاني والذي يرفض هذه العمليات التي أدت في اكثر من موقع الى سقوط شهداء من المدنيين الأبرياء. هذا في وقت تجري فيه صفقات تسلح بين الطرفين مما يؤكد نظرية التنسيق العالي المستوى بين الطرفين والتزام باكستان باستراتيجية امريكا القتالية والتي هي اساس لدى الامريكيين للقبول بتسليح اي طرف.
باكستان والجار الايراني، تعاون رغم الانتماء الى معسكرين مختلفين
اما العلاقة بين باكستان والجار الايراني فقد اتسمت بالتواصل الحذر. حيث توجد حدود برية مشتركة بطول ٩٠٩ كيلومترات تفرض على الجانبين التنسيق الدائم. ورغم الحصار المفروض على ايران من قبل امريكا والمجتمع الدولي، والتهديد الذي وجهه الامريكيون لباكستان، فقد وقعت الاخيرة اتفاقية لمد خط انابيب غاز استراتيجي يمتد من حقول الغاز الطبيعي في الجنوب الايراني الى مدن باكستان الاساسية وبطول ١٦٨٢ كم. حيث من المقرر أن يغذي اكبر مدن باكستان “كراتشي” والتي يبلغ عدد سكانها ما يزيد عن ٢٥ مليون نسمة. ومن المقرر أن تستكمل المرحلة الثانية من المشروع المسمى بخط السلام، ليصل الى الهند والصين مرورا بالاراضي الباكستانية.
باكستان والخصم الهندي، واقع فرص احلال السلام
خلال العقود الماضية حصلت بين الهند وباكستان ثلاث حروب كادت تصل الى استخدام السلاح النووي والذي يمتلكه الجانبان. ولا زال الى اليوم التوتر سيد الموقف بين البلدين رغم مراحل من الانفراج والامل في تحقيق السلام بين بلدين لم يتمكنا الى اليوم من حل النزاع بينهما على منطقة كشمير المقسمة بين الطرفين. والتي يشهد القسم الهندي منها ومنذ عقود احتجاجات ومواجهات اتسمت بالعنف وسقط خلالها الاف الضحايا، مطالبة بالانفصال عن الهند وتحقيق الحكم الذاتي. هذا في وقت تتهم فيه اسلام اباد وعلى لسان كبار مسؤوليها الهند بشن حرب على باكستان بالوكالة عبر دعم الحركات الارهابية داخل باكستان ومنها حركة طالبان.
باكستان والسعودية
يربط باكستان والسعودية اتفاقيات شراكة اقتصادية وامنية، ومعاهدة دفاع مشتركة، تلزم باكستان بالدفاع عن السعودية في حال تعرض الاخيرة لتهديدات عسكرية. ولكن ورغم ذلك وبعد العدوان السعودي الاخير على اليمن ورفض باكستان المشاركة في التحالف، تتأكد تحليلات المراقبين للشأن الباكستاني والتي تقول بأن الاخيرة قد بدأت تتململ من التدخلات السعودية في الداخل الباكستاني والتي تدعم الحركات المتطرفة بما في ذلك طالبان وجيش الصحابة. وقد أثر عدم المشاركة بالعدوان بشكل سلبي على العلاقات الثنائية دون ان تصل الى مرحلة القطيعة. وبقيت التصريحات من قبل الطرفين متوازنة وتؤكد التحالف الاستراتيجي بينهما. ويعيد محللون السبب الى الحاجة السعودية لباكستان كقوة نووية الى جانبها ولو بالتصريحات والبيانات الشفهية. وبالمقابل حاجة باكستان الى الدعم المادي السعودي الذي يأتي بأشكال عدة من الدعم المباشر بالاضافة الى العمالة الباكستانية في السعودية.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق