قيادة داعش لامركزية والبحث عن خليفة للخليفة
في تطور لافت يتناسب وتطورات المنطقة التي يجتاحها الإرهاب، وخاصة داعش الذي وصفته الـ FBI بأنّه أخطر من القاعدة، يقوم مديرو التنظيم الذي مهّدت لظهوره بشكل مسبق وكالة الأمن القومي الأمريكية، بالتعاون مع نظيرتيها البريطانية MI٦ ومعهد الاستخبارات والمهمات الخاصة “الموساد”، بتعديل نظام القيادة وإتخاذ القرارات داخله بما يتلاءم والتوسع الكبير الذي شهده التنظيم وسيطرته على مرافق إقتصادية في سوريا والعراق ومناطق واسعة من الأراضي فيهما وإنتشاره في بلاد أخرى.
فمجلس زعيم تنظيم داعش المعلن أبو بكر البغدادي المؤلف من ١٨ قياديّاً قُتل أغلبهم خلال عام ٢٠١٤، ممّا استدعى التنظيم ومن وراءه إلى التفكير جدياً في التحوّل إلى اللامركزية في إتخاذ القرارات والقيادة والإدارة، والبحث عن خليفة للقياديين و”الولاة” في جميع المناطق وحتى للبغدادي، الذي أُشيع عن خبر مقتله ثم تمّ نفيه، لكي لا يقع التنظيم في مشكلة متعلقة بالخلل القيادي في “الخلافة” أو في الميدان. فبحسب ما أوردت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” التي نشرت موضوعاً حول ما أشيع عن نية ما يسمى “خليفة الدولة الإسلامية” ابوبكر البغدادي توزيع الصلاحيات بين المرؤوسين في ولايات مختلفة بهدف تثبيت تنظيم داعش وعدم حصول خلل قيادي حتى في حالة مقتل عدد من المسؤولين الكبار.
ويضيف التقرير “يبدو أن من يدير البغدادي قرر تقاسم السلطات مع مجلس شورى، ليدافع عن مصالح الأمة ويكون بمثابة مجلس وزراء يضم المسؤولين عن العمليات الحربية وجمع الضرائب واستخراج الخامات والطقوس الدينية وغيرها من احتياجات “الدولة الإسلامية”.
وبعد أن تحدثت العديد من التقارير عن هيكلية داعش وإدارة التنظيم وتوزيع المهام فيه، يُحكى عن تسلسل القيادة الموجود داخله حيث قالت مصادر أمريكية وكردية إنّ القادة العسكريين في “دولة الخلافة” يمتلكون درجة كافية من الاستقلالية، حيث يستلمون أوامر عامة والمهام الاستراتيجية فقط، أما الخطط والتكتيك اللازم لتنفيذ هذه المهام فهي من اختصاصهم. وهذا الشيء يسمح بتغير قادة الوحدات العسكرية دون أن يلحق اي ضرر بالاستراتيجية العامة. وهو ما يخطط له التنظيم لعدم الوقوع في ذات الاخطاء التي وقع فيها التنظيمات الأخرى.
ووفقاً لما تداولته المعلومات والتقارير الصحفية فالهيكل الأساسي لـ “داعش” يتكون من ضباط جيش صدام حسين ومن فرع “القاعدة” في العراق. وهذا الجمع بين الخطط التكتيكية للقادة الميدانيين ومهارة العاملين سابقاً في اجهزة المخابرات العراقية، يسهل تنفيذ المهام والتخطيط المسبق وفهم الجغرافيا والسياسة الدولية والإقليمية. ويضيف التقرير: يلاحظ أن الذين من أصل عراقي يشغلون المناصب العليا في “الدولة الإسلامية”، في حين أنّ الوظائف الدينية ملقاة على عاتق السعوديين والتونسيين بشكل أساسي إضافة إلى جنسيات أخرى.
وفي هذا السياق يقول الخبير الروسي، غريغوري ميرسكي: ان مفهوم “المقاومة دون قائد”، التي حسب اعتقاد العديد من الخبراء في الغرب اعتمدته “القاعدة” وغيرها من المجموعات الارهابية في العالم العربي، لم ينجح. و”الخليفة” يدرك جيداً انه عاجلاً أم آجلاً سيقتل، لذلك هو مهتم بالبحث عن خليفة له، لا يملك تأثيراً قوياً، لكي لا يستولي على السلطة، أي ان اللامركزية قد تكون محاولة لتعيين مجموعة خلفاء له.
وحول فكرة توزيع المهام والمسؤوليات في “داعش” يقول احد الدبلوماسيين الغربيين لصحيفة “نيويورك تايمز” إن هذه الفكرة برزت بعد إطّلاع التنظيم على نشاط وعمل المجموعات الارهابية الأخرى مثل “القاعدة” في شبه جزيرة العرب، ودراسة المعلومات التي نشرها عميل المخابرات الأمريكية السابق الذي فضح قضية التنصت إدوارد سنودن، واستناداً الى هذا فقد قرر قادتها استخدام السعاة وتشفير قنوات الاتصالات. فالتنظيم الإرهابي أخذ العبر من هذه الدروس، لذلك شكل هيكلية تتمكن من البقاء عاملة حتى عند مقتل كبار مسؤوليها، بفضل استقلالية مسؤولي المستويات المتوسطة.
وبغض النظر عن المعلومات الواسعة عن “داعش” لا تتمكن المخابرات الغربية من تحديد مدى قوة سلطة البغدادي الشخصية. حيث يفترض البعض ان السلطة الحقيقية في يد حلفائه الذين من بينهم ضباط جيش صدام حسين وأعضاء حزب البعث، وما البغدادي سوى “واجهة دينية” لمنح “الدولة الإسلامية” صفة الشرعية من وجهة نظر الإسلام.
أما فيما يتعلق بفهم دور البغدادي ونطاق صلاحياته في ظل المعلومات التي نشرت عن تولي مخابرات إقليمية ودولية إدارة التنظيم، فلا تتمكن المخابرات الغربية من تحديد مدى قوة سلطة البغدادي الشخصية وهل أنّه في موقع شكلي يُدار عن بعد أم أنه فعّال في إتخاذ القرارات والعمل الميداني.
ويضيف ميرسكي: “الحديث عن كون البغدادي دمية، غير واقعي تماما”. فهو يمثّل بالنسبة للكثيرين في التنظيم القائد والخليفة وتعرضه للقتل سيؤثر على معنويات القاعدة. فتحرّكات البغدادي محاطة بغموض شديد، وبعد ظهوره في الموصل، لم يسجّل له أيّ ظهور علنيّ، كما لم ينقل المقرّبون من التنظيم أيّ دلالة على اجتماعات حدثت بوجود البغدادي، أو زيارة قام بها الأخير إلى مكان. والفريق الأمنيّ المحيط بالبغدادي يعمد إلى المزيد من التعقيد والتمويه في تغطية تحرّكاته، كما أنّ تحرّكه شخصيّاً لا يتمّ بأرتال كبيرة، وإنّما برفقة اثنين فقط من أبرز المخلصين له هما حسب الباحث هاشم الهاشمي، أبو طلحة الليبيّ، وأبو مقداد اليمنيّ.
ويقارب ميركسي نشأة داعش من خلال التعرف أكثر على تاريخ العراق ونشأة تنظيم داعش حسب قوله فأغلب ضباط جيش صدام الذي تمّ حله من قبل أمريكا بعد احتلالها العراق، التحقوا في صفوف “القاعدة”، ولكن الجنرال ديفيد باتريوس قائد القوات الأمريكية في العراق تمكن من تحريضهم ضد “القاعدة” لأن الارهابيين فرضوا سيطرتهم واستولوا على التدفقات المالية للعشائر المحلية.
فالتنظيم الذي أُلقيت على عاتقه مهام كبيرة يصبح يوماً بعد يوم أكثر تنظيماً ومواكبةً للعصر، ويسعى العاملون خلف الستار إلى تطوير النظام القيادي والهيكلي فيه من خلال إستقطاب الطاقات العلمية والقدرات التكنولوجية التي يعوّل عليها قادة التنظيم للتحوّل إلى المدنية الإسلامية بعد أن أصبح داعش بشهادة العالم أجمع التنظيم الإرهابي الأخطر في تاريخ البشرية.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق