التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

صراع المحاور في ظل سياسة “فرّق تسد”: التحديات والمآلات (الجزء الأول) 

إذا عُرف السبب بطل العجب كما يقال؛ فما يحدث في المنطقة يدفعنا لإجراء مطالعة دقيقة وشاملة لواقع الشرق الأوسط الذي كان ولازال مرتعاً للسياسات الأمريكية والغربية الإسرائيلية، حيث تتشاطر السياسات الخارجية على أبناء هذه الدول في سبيل تحقيق مصالحها المختلفة. وعند الحديث عن هذه السياسات التي باتت محكومة بأغلبها بالقاعدة المعروفة أو المصطلح العسكري السياسي الإقتصادي ذي الأصل اللاتيني “فرّق تسُد”. 

 

لا نريد الدخول حالياً في أتون السياسات الخارجية تجاه الشرق الأوسط بحقبة ما قبل الحرب العالمية أو حتى إحتلال الكيان الإسرائيلي لأراضي فلسطين، وما بينهما، بل سنحاول أن نقتصر في هذه الورقة البحثيّة على الحقبة التي تلت ما يسمّى بالشرق الأوسط الكبير أو الشرق الأوسط الجديد، وحتى يومنا هذا، وما نتج عنها من اصطلاحات عرفت لاحقاً بـ”سياسة المحاور”. 

 

فرِّق تسُد.. فرِّق واغزُ

تعتبر كلمة “فرّق” المشترك الرئيسي بين أقوى سياستين إستراتيجيتين اعتمدتا من قبل القوى العالمية في سياستهم تجاه كافّة الدول: فرق تسُد وفرّق واغزُ. فلو طالعنا ما حصل إبان الثورة العربية الكبرى، ومن ثم اتفاقية سايكس بيكو، ولاحقاً زرع الكيان الإسرائيلي في خاصرة الامتين العربية والإسلامية، وحتى ما حصل منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا، نكاد نذعن بأن كافة هذه المخططات لم تخرج عن هاتين السياستين وإن إختلفت التسمية في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال لا الحصر تعتبر خطة نيون(نظام من الفوضى) والتي تعتبر استمراراً للحيلة البريطانية في الشرق الأوسط، هي خطة استراتيجية إسرائيلية لضمان تفوق الكيان الإسرائيلي في المنطقة والتي تقتضي إعادة تكوين البيئة الجغرافية السياسية للدول المحيطة بهذا الکيان وبلقنتها – اي تقسيمها نسبة لما حصل لدول البلقان من تقسيم – لتحويلها إلى كنتونات أصغر وأضعف، أو القاعدة الأمريكية المسماة “بالفوضى البناءة”، مصطلحات مختلفة لسياسة واحدة قوامها التقسيم والتفريق. 

ولا يخفى على ذي لب فطن أن كافّة الصراعات التي حصلت منذ أبينا آدم (ع) وحتى قيام الساعة مبنية على التعارض بين محوري الخير والشر، اذ تستنفذ هاتان القوتان قدراتهما في سبيل تحقيق الإنتصار على الطرف الآخر، وبما أن صراعات المنطقة ليست عن هذا الأمر ببعيدة فيمكننا الإنطلاق من هذا الامر لتفسير كافّة ما حصل وما قد يحصل في المستقبل.

بعد أن زُرع الكيان الإسرائيلي في المنطقة تركز الصراع بين محورين رئيسيين، الأول يتمثل بشعوب الأمتين العربية والإسلامية والثاني يتمثل بأمريكا والكيان الإسرائيلي، إلا أن المحور الثاني كان يضم شاه ايران حتى إنتصار الثورة الإسلامية في العام ١٩٧٩، اذ انتقلت حينها الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى المحور الأول وباتت عنصراً رئيسياً في الصراع بين الخير والشر.

وبما أن لكل فعل ردّة فعل وجدت واشنطن أن الكيان الإسرائيلي بات محاصرا بين بحر من المقاومين العرب والمسلمين (الدول العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية)، إنتقلت أمريكا إلى سياسة التفتيت والتقسيم حيث حاولت تحييد مصر والأردن من ناحية، وإشعال فتنة بين الدول العربية وإيران، اذ شنّ صدام حسين حرباً ضروساً على ايران دامت حوالي الـ ٨ سنوات، وكانت النتيجة تفتيت المحور الأول في سبيل تعزيز المحور الثاني. لم تكتف أمريكا بجذب مصر والأردن إلى فلكها، بل حاولت إضعاف بقيّة الجيوش العربية المتمثلة بسوريا والعراق. عراقياً نجحت واشنطن في الزج بصدام حسين في حرب الخليج الثانية، لتنشئ بعدها بذور فتنة عربية-عربية من ناحية، وعربية-فارسية من ناحية أخرى. 

 

الشرق الأوسط الكبير

لقد شكّلت مرحلة ما بعد ١١ سبتمبر فصلاً جديداً في مراحل إستهداف المنطقة والعالم لتحقيق المصالح الامريكية وفي سياقها الإسرائيلية، بدءاً من إحتلال أفغانستان وليس إنتهاءاً بإحتلال العراق. إلا أنه وبعد المقاومة الشرسة في العراق ولبنان، طرحت واشنطن مشروع الشرق الأوسط الكبير(الجديد) أثناء حرب لبنان الثانية، اذ ترسخّت حينها مقولة صراعات المحاور تحت عنوانين مختلفين هذه المرّة: محور المقاومة والممانعة (إيران، سوريا، حزب الله والفصائل الفلسطينية المقاومة)، ومحور الإعتدال العربي (السعودية ومصر والأردن).

ورغم نجاح محور المقاومة في تحقيق “نصر إلهي” إبان حرب تموز عام ٢٠٠٦، إلا أن أمريكا نجحت بالفعل في بناء الركيزة الأساسية لصراعات سياسية قوامها طائفي تارة شني-شيعي، وقومي أخرى عربي-فارسي. إلا أنه رغم هذه الصراعات التي كانت في صالح الكيان الإسرائيلي أولاً وأخيراً، لم تنجح واشنطن في إلهاء محور المقاومة عن دعم المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن بقاء سوريا وايران ضمن الجيوش التي تهدّد الكيان الإسرائيلي. لذلك عمدت أمريكا لإستهداف طهران في مرحلة لاحقة ضمن سياسة فرّق تسد، وذلك عقب الإنتخابات الرئاسية عام٢٠٠٩، اذ أثبتت التحقيقات تورط العديد من الموقوفين بالتعاون مع الإستخبارات الامريكية لزعزعة إستقرار طهران. 

 

خلاصة أولى

أولاً: لم يعد الكيان الإسرائيلي عدواً للعديد من حكومات المنطقة، بل باتت حكومات أخرى تتحدث بشكل جدي عن المصالحة، في ظل سعي البعض لتحويل الصراع إلى فلسطيني –إسرائيلي فقط.

ثانياً: محور المقاومة متماسك بقوّة في ظل تنسيق شبه تام بين طهران دمشق الضاحية وحماس، إضافةً إلى بروز المقاومة العراقية بشكل أقوى فضلاً عن الحديث بجدية عن قوات مقاتلة في شمال اليمن تسمّى بـ”أنصار الله”.

ثالثا: فشلت مؤامرة أمريكا تجاه طهران في العام ٢٠٠٩، وأدركت واشنطن أن أساليب المواجهة العسكرية والحظر الإقتصادي غير مجدية (الأسلوب الإقتصادي أظهر نتائج أفضل من المواجهة العسكرية ضد طهران)، لذلك لا بد من إستخدام أسلوب آخر.

رابعاً: بعد إضعاف الجيش المصري وتدمير الجيش العراقي، بقي الجيش السوري ضمن الجيوش العربية التي واجهت الكيان الإسرائيلي في عامي ١٩٦٧ و١٩٧٣، لذلك لا بد من تدمير هذا الجيش كونه يشكل خطراً على تل أبيب.

خامساً: تعرّض الإحتلال الأمريكي لضربات موجعة في العراق من الحركات المقاومة لاسيّما المدعومة إيرانياً، في ظل مطالبة رسمية وشعبية بخروج القوات الامريكية بعد ٩ سنوات على الإحتلال.

سادساً: وجود نيّة لتوريث الحكم لدى العديد من الانظمة العربية التي تسبح في الفلكين الأمريكي والسعودي( مصر واليمن)، في ظل إعتراضات داخيلة تُنذر بثورات مضادة من قبل سياسيين وعسكريين في هذه الدول.   

 

سنكمل في الجزء الثاني ما يسمى بـ”الربيع العربي”، حيث نتطرق إلى الخطوات الأمريكية وظهور المحور الثالث أي (داعش ومثیلاته)، ومن ثم ننتقل إلى النتائج المترتبة على هذه الإصطفافات. وفي الختام نستعرض الخطوات القادمة والمرتقبة للمحور الأمريكي-الإسرائيلي تجاه المنطقة، طارحين أفضل السبل لمواجهة هذه المؤامرات.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق