حرب تموز والذهول الاسرائيلي الامريكي
لايخفى على احد بأن حرب تموز التي شنها الكيان الاسرائيلي على لبنان قبل ٩ اعوام كان مخططاً لها سابقا ولم تكن خطتها فورية وان حزب الله الذي اسر جنديين اسرائيليين في بداية تلك الحرب استطاع ان يفرض رأيه في قضية تبادل الأسرى التي جرت بعد تلك الحرب التي خططت لها امريكا ايضا منذ عام ١٩٩٩ بهدف القضاء على حزب الله.
القضاء على حزب الله كمقدمة لاسقاط سوريا ولبنان
كانت الخطة الامريكية الاسرائيلية تقضي من جهة باغتيال رفيق الحريري في لبنان في عام ٢٠٠٥ وتحميل سوريا المسؤولية ومن ثم بدء الحرب بهدف القضاء على الشيعة في جنوب لبنان أو تهجيرهم على الاقل نحو المناطق الشمالية ومن ثم افتعال فتنة مذهبية بين شيعة لبنان والشعب السوري واشعال فتنة داخلية واحتجاجات في سوريا وكان الامريكيون والاسرائيليون يخططون لاشعال ٣ حروب طائفية حول العاصمة السورية دمشق لعزلها عن باقي المناطق السورية وقطع طرق المواصلات المؤدية الى دمشق قبل ان تنتبه الحكومة السورية لما يجري على الارض وكذلك مهاجمة قواعد الصواريخ الاستراتيجية السورية والبدء بعمليات القتل الجماعي تمهيدا لتفكيك الجيش السوري واسقاطه.
ولم يكن اسقاط سوريا هو كل المخطط الامريكي بل ان البنتاغون كانت تنتظر ايضا صدور اوامر من الرئاسة الامريكية لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية لكن الحرب في لبنان ونتائجها قد اجبرت الامريكيين على اعادة النظر في مخططاتهم، وفي هذا السياق يقول كبير محللي معهد بروكينغز الامريكي فيليب غوردون المؤيد للکيان الاسرائيلي في مقال كتبه في صحيفة واشنطن بوست “ان القوات الجوية ليست قادرة لوحدها ان تحسم الحرب” كما انتقد غوردون كل الخطط الاسرائيلية منذ بدء الحرب وهذا ما فعله ايضا معهد واشنطن الذي يعتبر من داعمي الكيان الاسرائيلي.
البنى التحتية الكبيرة التي اوجدها حزب الله قرب الحدود مع الكيان الاسرائيلي
يقول دانيل هيلمر في كتابه بعنوان “هذا ليس قتالا ضد الفوضويين، قصة التحذير للعسكريين الامريكيين” ان مراقبي الامم المتحدة اكتشفوا بعد ايام من حرب تموز وجود شبكة انفاق كبيرة لحزب الله امتدت الى عمق ٢٠٠ متر داخل حدود فلسطين المحتلة دون علم الاسرائيليين وان هذه الشبكة كانت محصنة بالاسمنت المسلح ما اثار دهشة مراقبي الامم المتحدة والاسرائيليين الذين لم يخطر على بالهم بأن هذا الحجم من العمل السري كان يجري بالقرب منهم وما يبعث على الدهشة بشكل اكبر هو عجز الاسرائيليين عن تدمير هذه الشبكة واجبار المقاومين على الانسحاب منها.
ويقول المحلل العسكري الامريكي “م. ماتيو” في كتاب “عندما فوجئنا” ان بناء شبكة الانفاق هذه هو اعجاز هندسي كما ان تلك المنطقة احتوت على مخازن للصواريخ القصيرة والبعيدة المدى والصواريخ المضادة للدروع التي ظلت تطلق حتى اليوم الاخير من الحرب وان حزب الله قد اوجد شبكات الانفاق هذه وكذلك مخازن الصواريخ ومراكز تدريب المقاتلين ونظام القيادة والتحكم بالقتال واجهزة الاتصالات ووحدة الرادارات خلال ٦ اعوام فقط أي ما بين عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٦.
الانفاق البديلة وانخداع الاسرائيليين
ان حزب الله اوجد تنسيقا كاملا بين وحداته القتالية وقواته البرية وشبكة الانفاق المعقدة ووحداته المضادة للدروع ووحدات حماية مخازن الذخائر ومخازن الصواريخ ويكفي ان نقول ان حزب الله لم يكتف ببناء شبكات الانفاق التي يحتاجها بل بنى ايضا شبكات انفاق متوازية مع الانفاق الاصلية التي يبلغ عمق بعض منها ٤٠ مترا لخداع الاسرائيليين ولذلك نرى ان الاسرائيليين وبعد ضرب هذه الانفاق بالصواريخ ادعوا الانتصار والنجاح في وقف سقوط صواريخ حزب الله لكن هزيمة الاسرائيليين اصبحت واضحة في يوم ٢٨ تموز عندما بدأ حزب الله في ذلك اليوم باطلاق صواريخ “خيبر ١” وفي هذا السياق يقول المحللان الامريكيان الستر كروك ومارك بري في كتابهما بعنوان “كيف هزم حزب الله اسرائيل؟” ان حزب الله حفر ٦٠٠ نفق لتخزين الذخيرة والعتاد الحربي في جنوب نهر الليطاني ولم يكن هناك قائد يعرف كل هذه الانفاق بل ان كل قائد ميداني كان يعلم بوجود ٣ انفاق لمجموعته احدها النفق الاصلي والنفقان الاخران كانا للتخزين.
ويقول “م. ماتيو” في الصفحة ٥٤ من كتابه “ان السيد نصرالله قد قال في ذكرى استشهاد السيد عباس الموسوي في عام ٢٠٠٣ انه اذا هاجم الاسرائيليون لبنان مرة اخرى فان المقاومين سيدفنون الاسرائيليين تحت التراب وقد حقق السيد نصرالله وعده بعد مضي ٣ سنوات فقط”.
وحدات صواريخ حزب الله
يقول “م. ماتيو” في الصفحة ١٧ من كتابه ان حزب الله كان قد خطط لوجود وحدات صاروخية دائمية وانه نشر صواريخ الكاتيوشا في جنوب نهر الليطاني لمنع التفوق الاسرائيلي.
وكان النظام المستخدم لمراكز الصواريخ بسيطا ودقيقا ومؤثرا في آن معا فهناك ٣ مجموعات كانت تعمل معا وتستطيع اطلاق الصاروخ خلال ٢٨ ثانية نحو الاهداف الاسرائيلية فالمجموعة الاولى كانت تقوم بنصب منصات الصواريخ بمجرد اعلان وحدة الرصد عدم وجود اية طائرة اسرائيلية في الاجواء ومن ثم تنسحب هذه المجموعة وتقوم المجموعة الثانية بوضع الصواريخ على المنصات وفي النهاية تقوم المجموعة الثالثة باطلاق الصواريخ بعد انسحاب المجموعة الثانية.
وكانت الوحدة الصاروخية الثانية لحزب الله مستقرة في جنوب وشمال نهر الليطاني وهي تمتلك صواريخ الفجر وصواريخ الكاتيوشا المعدلة وبالاضافة الى هذا كانت لدى حزب الله وحدات صاروخية متنقلة وبحوزتها صواريخ الزلزال وصواريخ ٦١٠ مليمتر وبعض المنظومات الاخرى من الصواريخ.
لماذا أخفق الاسرائيليون في وقف اطلاق الصواريخ؟
كان لدى حزب الله نظام فعال لاطلاق الصواريخ ويقول المحللان الامريكيان الستر کروک ومارک بري ان قادة ومقاتلي حزب الله كانوا يعلمون بأن الاسرائيليين يحتاجون الى ٩٠ ثانية من الوقت لكشف مكان اطلاق الصواريخ وارسال القوات الجوية وقصف المكان ولذلك تدرب عناصر حزب الله على نصب واطلاق الصواريخ في اقل من ٦٠ ثانية.
وقد كتب عمير كوليك في مجلة التقييم الاستراتيجي التي يصدرها معهد الامن الداخلي الاسرائيلي في مقال بعنوان “حزب الله في مواجهة اسرائيل” ان نظرية الاسرائيليين في استخدام حجم كبير من النيران والاعتماد على القوات الجوية مثلما كان الامريكيون قد فعلوا خلال حرب الخليج الفارسي الثانية قد فشلت كما فشل الاسرائيليون في فهم مدى جهوزية حزب الله لافشال هذه الخطة.
أين تقع مقبرة دبابات الميركافا؟
في الثاني عشر من اغسطس ٢٠٠٦ اقدم الکيان الاسرائيلي على انزال جوي لوحدة ناحال عوز في اطراف قريتي فرون والغندورية واعلنت القيادة العسكرية الاسرائيلية ان المنطقة باتت آمنة وحينها بدأت ٢٤ دبابة من الكتيبة ٤٠١ باجتياز منطقة وادي الحجير لكن الدبابات لم تتقدم كثيرا حتى رأى طاقمها ان امامهم مبنى مدمرة وحينما كانت هذه الدبابات تبحث عن طريق بديل لاكمال سيرها حدث انفجار كبير في خلف قافلة الدبابات واغلق طريق عودة الدبابات وتم محاصرة دبابات الميركافا وعندئذ تم تدمير دبابة القيادة بواسطة صاروخ كورنيت الموجه بالليزر بمن فيها وبعد عدة ثوان استهدف عدد كبير من الصواريخ الدبابات المحاصرة.
وقد روى بعض الجنود الاسرائيليين انهم باتوا عاجزين عن فعل شيء عندما ظهر مقاتلو حزب الله وبدأوا باصطياد الدبابات وقال الجنود ان الامر كان جحيما ومن بعد ذلك تمت تسمية وادي الحجير بوادي الموت.
وفي هذا الكمين تم تدمير ١٠ دبابات ميركافا وقتل ٨ من كوادرها و٤ من جنود القوات البرية ولم يتم الكشف عن عدد الجرحى وكل ذلك بحسب الاحصاء الاسرائيلي.
ان حزب الله قد دمر ٤٠ دبابة ميركافا في تلك الحرب ما يعني تدمير ١٠ بالمئة من مجمل الدبابات الاسرائيلية التي شاركت بالحرب وقتل ٣٠ عنصرا من كوادر الدبابات وقد قال محلل امريكي ان حزب الله لم يكن يستخدم المروحيات والآليات العسكرية لكن هذه الارقام مذهلة وتدل على ذكاء وابداع عناصر المقاومة.
قذف الدبابة ذات الـ ٦٥ طنا في الهواء
ان تدمير اول دبابة ميركافا اسرائيلية قد حدث بعد لحظات من أسر الجنود الاسرائيليين فعندما تقدمت وحدة اسرائيلية للرد السريع تقودها دبابة ميركافا كان عناصر حزب الله قد نصبوا لها كمينا واعدوا لها مئات الكيلوغرامات من المتفجرات وقد قذفت الدبابة في الهواء ٤ امتار واصبحت كتلة من النيران وقتل طاقهما الاربعة بفعل الانفجار وهكذا بدأ حزب الله حربه النفسية ضد جنود الکيان الاسرائيلي.
عندما صرخ الجنرال الاسرائيلي
نشرت صحيفة يديعوت احرنوت الاسرائيلية نبأ في شهر مارس عام ٢٠٠٧ جاء فيه ان القادة العسكريين الاسرائيليين قد ابلغوا اولمرت بأن حرب لبنان كانت “كارثة” وان هؤلاء القادة هم رئيس الموساد مائير داغان ورئيس الشاباك يوال دسكين اللذين طالبا اولمرت بتنحية رئيس هيئة اركان الجيش الاسرائيلي دان حالوتس من منصبه، وفي هذا السياق ايضا يقول عوزي محنايمي في كتابه بعنوان “تحقير الوحدات الخاصة الاسرائيلية والهزيمة النفسية للجيش الاسرائيلي” ان حالوتس الذي كان يسعى لاثبات ان الکيان الاسرائيلي ليس اوهن من بيت العنكبوت فقد السيطرة على اعصابه وبدأ بالصراخ في غرفة العمليات عندما علم بسقوط المروحية الاسرائيلية من طراز “سي اتش ٥٣” ومقتل جميع من كان على متنها لأنه كان يعلم بأنه قد خسر نفسه ومنصبه.
مقاتلين من دون رؤوس
يقول موقع “المقاومة الاسلامية” انه في نهاية حرب تموز التي هزمت فيها وحدات النخبة في الجيش الاسرائيلي تم ارسال ٣٠٠ جندي اسرائيلي ممن شاركوا في معارك بنت جبيل والخيام وعيترون ومارون الراس وهم من وحدتي ايغوز وغولاني الى المراكز العلاجية في اوروبا وكان هؤلاء قد ادلوا بتصريحات غريبة وعجيبة في المقابلات الصحفية وقد تم توجيه اللوم ايضا على قادة هؤلاء الجنود لانهم تسببوا بجنونهم، وكان هؤلاء الجنود قد قالوا في تصريحاتهم انهم كانوا يرون بأن الاشباح هي من تقاتلهم وان هذه الاشباح كانت تطير في السماء ايضا كما قال بعض الجنود الاسرائيليين في تصريحات تلفزيونية انهم رأوا بأن اشخاصا من دون رؤوس يقومون بمحاربتهم ولذلك فر الجنود الاسرائيليون من ساحة القتال، وقد بعث الكيان الاسرائيلي هؤلاء الجنود الاسرائيليين الى المشافي الفرنسية والسويسرية للعلاج.
اعتراف الاعداء بانتصار حزب الله الحاسم
ان اول دراسة اجريت بشأن حرب تموز كانت لـ “انتوني كوردزمن” من مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في امريكا والتي انتشرت في ١٧ اغسطس ٢٠٠٦ بعد عدة ايام على انتهاء الحرب ورغم ان الدراسة اعدت بكاملها لصالح الكيان الاسرائيلي لكنها تضمنت ان هذا الكيان لم يحقق اياً من اهدافه الـ ٥ في تلك الحرب.
وبعد شهرين قالت مجلة آسيا تايمز في ٣ تقارير نشرتها بين ١٢ و١٤ اكتوبر ٢٠٠٦ بعنوان “كيف هزم حزب الله اسرائيل؟” وقد كتب تلك التقارير الستر كروك الذي كان المستشار الاعلى لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا ومارك بري الذي كان مستشارا سياسيا للبيت الابيض وقد قال هذان الخبيران انه اضافة الى اخفاق الكيان الاسرائيلي في تحقيق اهدافها استطاع حزب الله تحقيق اهدافه بالكامل وسجل انتصارا حاسما وهذا يعتبر هزيمة سياسية كارثية لامريكا التي اهتزت مكانتها في الشرق الاوسط بشكل كبير.
ويقول الستر كروك ومارك بري ان حالوتس رأى عجز الجنود الاسرائيليين في وادي الحجير وقذف الميركافا في الهواء وهزيمة وحدات النخبة في لواء غولاني في بنت جبيل وهو كان يعلم ان حزب الله قد اشرك ٣ آلاف عنصر من عناصره فقط في تلك الحرب ولم ير حاجة لاستدعاء قوات الاحتياط الموجودة لديه.
هزيمة جبهة الاستكبار بأكملها على يد حزب الله
ان هذه الهزيمة جاءت في وقت كان يعلم الجميع بان حرب تموز لم تكن مجرد حرب بين حزب الله والكيان الاسرائيلي بل ان تلك الحرب كان يراد منها ان تكون بوابة دخول امريكا والاستعمار الغربي الى المنطقة بشكل عام وقد قالت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس في حينها ان تلك الحرب “هي المخاض العسير لولادة الشرق الاوسط الجديد” التي كان المنظرون الامريكيون قد رسموها حسب مصالحهم.
ان حزب الله كان عنصرا رادعا امام هذه الاستراتيجية الامريكية ولذلك كان الامريكيون والاسرائيليون يريدون ازاحته لكي يتجهون من بعد ذلك نحو الدول العربية مثل السعودية وسوريا ومصر وكذلك ايران وقد نجح الامريكيون في جعل بعض الدول العربية الى جانبهم، وكانوا يحتاجون الى انتصار ما في المنطقة بسبب غرقهم في المستنقع العراقي لأن الرأي العام الامريكي كان يضغط على الساسة الامريكيين الذين ظنوا بأن الانتصار في حرب تموز سيعيد الامريكيين الى مكانتهم السابقة في الشرق الاوسط لكن هذا لم يحصل ابدا.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق