المشروع الأمريكي في سوريا واستراتيجية اللورد
“لا أصدقاء دائمون في السياسة، وإنما هناك فقط مصالح دائمة “، هذا ما رسمه اللورد البريطاني هنري بالمرستون للسياسة العامة للدول الغربية، وإن كانت مقولة هنري تعود إلى القرن التاسع عشر، إلا أن السياسة الأوروبية والأمريكية لازالت تخضع لها إلى يومنا هذا، ويمكن إضافة جملة على مقولة بالمرستون لتصبح “لا أصدقاء دائمون في السياسة، وإنما هناك فقط مصالح دائمة ووسائل متنوعة”.
كلام هنري يلخص السياسة الأمريكية في الساحة السورية، فمنذ بدء الأزمة تحاول أمريكا تغيير مجريات الأحداث في سوريا بما يناسب هواها، وطيلة السنوات الأربع كانت أمريكا تنتقل من دعم تنظيمٍ مسلح إلى دعم آخر مبررةً بأنه “أكثرُ اعتدالاً”، و”الجيش الحر” كان أول التنظيمات التي تلقت الدعم الأمريكي في بدايات الأزمة، ولكن سرعان ما انقلبت مجريات الأمور عسكرياً ودولياً وظهرت جرائم الجيش الحر الطائفية، الأمر الذي دفع أمريكا إلى إنشاء جبهة النصرة الإرهابية أواخر عام ٢٠١١، لينتقل جُلُّ الدعم الأمريكي إلى هذا التنظيم على أنه تنظيمٌ معتدل، وكشفت منظمة جوديشيال واتش الحقوقية الأمريكية وثائق من أرشيف وزارتي الخارجية والدفاع تعود لمنتصف ٢٠١١ سُرِّبت من مبنى القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي الليبية، هذه الوثائق فضحت الدور الأمريكي في إيجاد ودعم جبهة النصرة.
بقي الدعم الأمريكي للنصرة مستمراً إلى أن فشلت أمريكا في التسويق لهذا التنظيم على أنه تنظيم “معتدل”، فاضطرت القيادة الأمريكية أواخر عام ٢٠١٢ إلى وضع هذا التنظيم على قائمة الإرهاب، وهكذا استمرت المحاولات الأمريكية لإيجاد تنظيم معتدل يمكن أن يحفظ المصالح الأمريكية إلى الوقت الراهن الذي شهد مساعٍ لإنشاء مجموعة تحت اسم “سوريا الجديدة ” على أن تكون هذه المجموعة هي اليد الأمريكية في سوريا.
مجموعة “سوريا الجديدة” التي تم اختيار اسمها اسماً وطنياً لتلميع صورتها وعدم ربطها بالتيارات المتشددة لاقت مصير الفشل أيضاً، إذ أن جبهة النصرة الإرهابية لم تقبل بدخول هكذا تنظيم ينهي وجودها ويصبح هو الأساس، لهذا عمدت النصرة إلى أسر جنود وقيادات “سوريا الجديدة” المدربين أمريكياً، وهذا ما تحدث عنه الناطق باسم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما معتبراً أن برنامج وزارة الدفاع “البنتاغون” لتدريب مقاتلي من تصفهم واشنطن بـ”المعارضة المعتدلة” “فشل فشلاً ذريعاً ” .
ورغم أن البنتاغون قد أنفق على تدريب نحو ٦٠ مقاتلاً من “المعارضة المعتدلة” خلال شهرين ٤٢ مليون دولار إلا أن الخطة الأمريكية الجديدة فشلت كسابقات عهدها، ويعود فشلها إلى أسباب عديدة أبرزها اصطدام هذا المخطط الأمريكي بالمشروع الثلاثي التركي-القطري-السعودي الهادف إلى دعم جيش الفتح، والذي تشكل فيه جبهة النصرة الثقل الأكبر، وهذا ما نقله تقرير للإندبندنت التي ذكرت فيه قول دبلوماسي غربي بأن خطة تركيا والسعودية تهدد مشروع أوباما الساعي إلى تدريب مقاتلين معتدلين موالين للغرب، وفعلاً وقع المحظور، إذ “تم القضاء واعتقال واختفاء نصف فرقة المقاتلين المعتدلين حتى قبل أن يحتكوا بالدولة الإسلامية”، حسب ما اعترف به المتحدث باسم إدارة الرئيس الأمريكي.
فشل المخطط الأمريكي ينبئ بفشل المشروع التركي-القطري-السعودي، فجبهة النصرة التي تمثل أساس هذا المشروع باتت مستهدفة أمريكياً بسبب افشالها لمشروع أوباما وتحطيمها للحلم الأمريكي، وقد تعرضت إلى عدة غارات من الطيران الأمريكي، وهذا يشكل مؤشراً على بدء العد لانتهاء صلاحية جبهة النصرة والمشروع الثلاثي.
طيلة الأزمة السورية لم تستطع الدول الغربية والدول العربية المتواطئة إيجاد أي موطئ قدمٍ لها في سوريا، ورغم أن هذه الدول تسعى إلى إضعاف سوريا وإلحاق أكبر هزيمة ممكنة بها، إلا أن الدولة والشعب السوري لازالا يمتلكان من القدرة ما يمكّنهم من إلحاق الهزائم بالجماعات المسلحة، ولهذا الأمر دورٌ رئيسي في تفكيك وتشتيت هذه الجماعات وسلب قدرتها على تنفيذ مشاريع مؤسسيها، ما يعني أن أي مشروع غربي لايمكن أن ينجح في حل الأزمة السورية طالما أنه مبني على سياسة المصالح التي رسمها اللورد البريطاني، وطالما أنه لايمثل رغبة السوريين.
يبقى هناك مشروعٌ واحد يمكنه أن ينجح في حل الأزمة السورية، وهو المشروع الذي رسمته سوريا بنفسها والقاضي بفتح حوارٍ وطني بين أطياف الشعب السوري كافة، على أن يكون هذا الحوار أساساً لحوارٍ دولي يضع حجر الأساس لإنهاء الأزمة السورية بعيداً عن دور المجموعات المسلحة ومصالح الدول الغربية والعربية التي اتبعت استراتيجية اللورد بالمرستون بأن “لا أصدقاء دائمون بل مصالح دائمة” والتي كان نتيجتها أنْ “لا صداقات بقيت، ولا نتائج تحققت”.
المصدر : الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق