الهجرة غير الشرعية الى أوروبا: ردة فعلٍ طبيعية على تاريخٍ غربيٍ من الإستعمار والعنصرية
يعيش الغرب حالةً من التناقض ليس فقط على الصعيد الداخلي بل فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، وتعتبر أوروبا أحد الأمثلة لذلك. ففي وقتٍ ما يزال الحلم الأوروبي بالتوسع قائماً، يُطل علينا المسؤولون الأوروبيون ليتحدثوا عن أزمة اللاجئين الأفارقة الى دول الإتحاد الأوروبي. وفي حال سلَّمنا أن للأوروبيين الحق في القلق على إقتصادهم المتدهور، فهل يمكن التغاضي عن حقيقة أن السياسات الأوروبية كانت السبب الأساسي في تهجير هؤلاء الأفارقة؟ فالعارف بحقائق التاريخ السياسي المعاصر، وخطط أوروبا الإستعمارية لا سيما فرنسا وبريطانيا، يُدرك جيداً حجم الضرر الذي ألحقته السياسات الأوروبية بحق دول الشرق الأوسط وأفريقيا. وهو الأمر الذي لا يزال حياً في ذاكرة شعوب المنطقة. فماذا في تصريحات المسؤولين الأوروبيين لا سيما وزير الخاريجية البريطاني حول هذا الموضوع؟ ولماذا يتحمل الغرب مسؤولية ما وصلت اليه أفريقيا اليوم؟ وكيف يمكن تحليل ذلك وتقييم دلالاته؟
كلام هاموند الأخير:
أعلن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، أن المهاجرين من القارة الأفريقية يهددون مستوى المعيشة والنسيج الإجتماعي لدول الإتحاد الأوروبي. وخلال زيارة لسنغافورة، قال هاموند إن الإتحاد الأوروبي لا يستطيع استقبال الملايين الذين يبحثون عن حياة جديدة، مشيراً إلى أن الفارين من الإضطرابات في الشرق الأوسط وأفريقيا يحاولون الإنتقال إلى الإتحاد الأوروبي ويسعى بعضهم للوصول إلى بريطانيا عن طريق نفق المانش من فرنسا. وقال هاموند لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي»: “يجب أن نتمكن من حل هذه المشكلة في نهاية المطاف من خلال تمكننا من إعادة من ليس لهم حق اللجوء إلى بلادهم الأصلية”. وأضاف أن “قوانين الإتحاد الأوروبي هي السبب في أن المهاجرين “يثقون بشدة” في أنه لن تتم إعادتهم إلى بلادهم أبدا”. وبحسب هاموند، فإن هذا الوضع “لا يمكن أن يستمر لأن أوروبا لا تستطيع حماية نفسها والحفاظ على مستوى المعيشة والنسيج الإجتماعي بها إذا كان عليها استيعاب ملايين المهاجرين من أفريقيا”.
تقرير حول الهجرة وقلق الأوروبيين:
قامت المفوضية الأوروبية في أواخر أيار الماضي بإستطلاعٍ للرأي حول موضوع الهجرة غير النظامية الى أفريقيا، أظهرت نتائجه أن هذه المسألة تحتل المرتبة الأولى في أسباب قلق الأوروبيين، متقدمةً على الأزمة الإقتصادية والبطالة. وشكل موضوع الهجرة غير الشرعية قلقاً كبيراً في عشرين دولة في الإتحاد الأوروبي، مع نسبة قياسية من ٦٥% في مالطا، و٥٥% في ألمانيا. وفي السياق ذاته، استقبلت ألمانيا أكثر من ثلاثمئة ألف طالب لجوء منذ مطلع العام ٢٠١٥، وكان المكتب الفدرالي للمهاجرين واللاجئين توقع وصول ٤٥٠ ألف طالب لجوء هذا العام، إلا أنه عاد ورفع توقعاته إلى نصف مليون.
قراءة في الدلالات:
لا مجال للشك في أن أوروبا تعاني اليوم من مشكلةٍ جديدة تتعلق بالهجرة غير الشرعية. وهو الأمر الذي سينعكس على الواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي لهذه الدول. لكن الحقيقة التي يجب تبيانها تتعلق بأن أوروبا تدفع ثمن سياساتها الإستعمارية. وهنا يمكن تحييد المواطن الأوروبي عن سياسات بلاده، لكن علينا توضيح الحقائق له، في ظل إحصاءاتٍ تُشير الى أن هذه الهجرة تُعتبر مصدر القلق الأول له اليوم.
فما هي هذه الحقائق وبموضوعية؟
– إن حديث هاموند وزير الخارجية البريطاني لا يتناسب مع القيم التي تدعي أوروبا أنها تراعيها. فكلامه حول تهديد المهاجرين الأفارقة للنسيج الإجتماعي الأوروبي، هو من الأمور التي تدل على حجم العنصرية في التعاطي مع الآخرين، وهو السمة الغالبة على أكثر سياسات أوروبا الخارجية. وهنا يجب الإشارة الى وجود فارقٍ بين الأثر على الواقع الإجتماعي – وهو الأمر الطبيعي – والأثر على النسيج الإجتماعي وهو الأمر الذي يعني أن الآخر يمكن أن يكون دخيلاً غير مرغوب به. لكن هاموند الذي وصف المشكلة على طريقته لم يتحدث عن أسبابها. لذلك نُشير للتالي:
– إن الهجرة غير الشرعية للأفارقة، هي ردة فعلٍ طبيعية على الواقع السياسي والأمني والإقتصادي الذي تعانيه أفريقيا كما الشرق الأوسط. ولو بحثنا في أسباب الخلل لوجدنا أنه يعود أصلاً لسنوات الإستعمار البريطاني والفرنسي الذي عزَّز سياسات التفرقة وغطرسة الطبقة الحاكمة. وهو الأمر الذي أدى بالنتيجة الى ترسيخ واقعٍ سياسيٍ وإجتماعي قائم على العنصرية ونهب الثروات. لذلك فإن تدفق الأفارقة الى أفريقيا هو نتيجة لأزمة مُزمنة وتاريخية كان الغرب سببها. ولا يمكن منع الهجرة إلا من خلال حلِّ هذه المشكلة. ولم تعد أوروبا قادرة اليوم ضمن الخارطة الجيوسياسية الجديدة تحييد نفسها عن التحديات القائمة في المنطقة والعالم. وبالتالي فهي تدفع ثمن سياساتها وستبقى كذلك.
– وهنا نُشير الى أمرٍ مايزال حاضراً في ذاكرة الجميع، فقراءة التاريخ قد نختلف عليها أما التجربة الحالية فواضحة. وهو أن أفريقيا بدولها شكلت سوقاً لبيع السلاح الغربي ولإستثمارات الدول الأوروبية تحديداً، مما جعل حكومات هذه الدول تبني علاقات وطيدة مع الطبقات الحاكمة، مما زاد من التفاوت الإجتماعي والإقتصادي. الى جانب أن سياسة تأجيج الخلافات الداخلية التي طالما حاكتها العواصم الأوروبية، زادت من تجارة السلاح فكانت الدول الأوروبية هي المصدر لذلك. لنقول إن الواقع الأفريقي أو واقع المنطقة اليوم هو ما ساهمت أوروبا في صناعته على مرِّ عقودٍ من الزمن.
– وهنا لا يمكن أن ننسى ليبيا مؤخراً وكيف أظهرت سياسات الإتحاد الأوروبي فيها حجم التآمر الغربي على المنطقة وشعوبها. فقد تحولت ليبيا في السنوات الأخيرة إلى أهم معبر بحري يستخدمه اللاجئون للوصول إلى أوروبا. لكن أسباب ذلك تعود لسياسة الدول الأوروبية والتي أدت الى حكم الإرهاب في ليبيا وتفتيت المجتمع الليبي. ليكون ذلك مثالاً حاضراً يدل على حجم الخطر في السياسات الأوروبية ونتائجها.
بناءاً على ما تقدم:
إن الخلل الظاهر في البنية الإقتصادية والسياسية والأمنية لدول المنطقة ومنها أفريقيا، يُعتبر السبب المباشر للأزمات التي تمر بها دول أفريقيا والشرق الأوسط اليوم. فيما تُعتبر سياسات الغرب لا سيما دول الإستعمار الأوروبي، سبباً لذلك الخلل. لنقول بالنتيجة إن أوروبا تدفع ثمن سياساتها الإستعمارية، وعلى المواطن الأوروبي أن يعرف الحقائق.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق