الرقة اجتماعياً: الظلام الداعشي يغتال نور العلم
“يبدو أنّ سكين الموت لم يرتوِ من دمائنا، فاستعان بسكين الجهل الذي أراه قاتلنا في قادم الأيام”، كلامٌ لأمٍ سوريّة تقطن مدينة الرقة التي يتخذها تنظيم داعش الإرهابي كعاصمةٍ له، تحاول الأم وصف ما تعانيه المدينة تحت الراية السوداء، الوصف يطول ويطول ولايمكن اختزال دموع الألم التي يعاني منها السكان بكلمة أو جملة، فالناس تعيش تحت قبضة حديدية لاترحم طفلاً ولا أُمّاً، ولا تعطف على فقيرٍ ولا محتاج، الكل يجب أن يخضع لهذا التنظيم ولا استثناءات إلا لعناصر التنظيم أنفسهم.
يفرض تنظيم داعش الإرهابي في الرقة، كما باقي المناطق التي يسيطر عليها، مجموعةً من القوانين الخاصة به، وكان آخر ما صدر عنه قانوناً يحظر على السكان مشاهدة التلفاز، ووفق القانون الجديد لا يحق للمواطنين مشاهدة التلفاز إلا يوم الجمعة وذلك للاستماع إلى القرآن، كما أن هناك لجان تابعة للتنظيم تسمى “الحسبة”، تعمل على الإشراف على تنفيذ مقررات تنظيم داعش الإرهابي ومعاقبة المتخلفين.
القوانين التي يفرضها هذا التنظيم تمس كل تفاصيل حياة المدنيين، فيجب مثلاً إغلاق المحال التجارية في أوقات الصلوات، ويُمنع التواجد في الشوارع في هذه الأوقات، ويتعرض المخالف للمساءلة والعقوبة، كما يفرض التنظيم نوعاً خاصاً من اللباس، وخصوصاً بالنسبة للنساء والفتيات، إذ يُلزم النساء ارتداء الحجاب، وهذا الحجاب يجب أن يحقق شرطين لا تهاون فيهما، الشرط الأول أن يكون لونه أسود والشرط الثاني أن يكون سميكاً، كما حدد التنظيم أسلوباً خاصاً لارتداء هذا الحجاب إذ يُمنع الفتيات من إظهار حواجبهن، وكل من يخالف يُجلد.
أما بالنسبة للمسيحيين الذين يقطنون هذه المنطقة فإنهم يستمرون في معيشتهم مقابل جزية يدفعونها للتنظيم الإرهابي، تبدأ هذه الجزية بـ١٣ غراماً من الذهب للأثرياء وما يقارب ٣ غرامات بالنسبة للفقراء، الأمر الذي يشكل عبئاً على المسيحيين في المحافظة وخصوصاً مع تردي أوضاع المعيشة وتدهورها، كما يمنع التنظيم هؤلاء المسيحيين من رسم أو إظهار الصليب أو استخدام مكبرات للصوت أثناء صلواتهم، أما عن حال المسلمين فهو ليس أفضل بكثير من حال المسيحيين، فالبيوت التي يقطنها الناس لم تعد ملكهم، إذ يقوم التنظيم الإرهابي بإخلاء البيوت التي يرغب فيها ويوزعها على عناصره وخاصة “المهاجرين” منهم.
وبالنسبة للأطفال، فلقد تم إغلاق المدارس بشكل شبه نهائي بحجة أن الأساتذة غير مُعَدّين عقائدياً وشرعياً للتدريس، وذكر سعيد، أحد المعلمين في مدارس الرقة، أنه “جاء في القرار الأخير الذي أصدرته داعش أن وزارة التربية والتعليم التي كنّا نتبع لها كافرة ومرتدة لأنّها أعدّت المنهاج على أساس فصل الدين عن الدولة، كما أننا نحن أفراد المنظومة التعليمية نقوم على الدعوة للكفر ونرسخ مبادئ العلمانية والقومية والبعثية، لذلك يجب علينا أن نتبرأ من هيئة التعليم القديمة والاستتابة، وذلك من خلال خضوعنا لدورة شرعية وعدم معاودتنا لتدريس المناهج القديمة وبعد الانتهاء من الدورة يخضع المعلّم لامتحان لمعرفة مدى صحّة التوبة، ومن بعدها يقررون إن كان سيمنح حق معاودة التدريس أم لا”.
الجهل الذي يحاول التنظيم فرضه على الأطفال والأهالي يتزامن مع محاولاته تجنيد الأطفال وتدريبهم على استخدام السلاح، حيث جُهز فصيلٌ خاصٌ بالأطفال في مدينة الطبقة غرب الرقة يُطلق عليه اسم “أشبال العز”، ناهيك عن أن الأطفال والنساء تشكل مصدر تمويلٍ كبير لهذا التنظيم الذي يعمد على اختطافهم وبيعهم كعبيدٍ وسبايا، وكشفت صحيفة “تایمز” البریطانیة أن تنظيم داعش الإرهابي يملك سوقاً لتجارة البشر في مدينة الرقة السورية بالإضافة إلى سوق له في الموصل بالعراق.
لايمكن وصف معاناة أهل الرقة ونقل حالهم بعدة كلمات، فالمعاناة التي تمر بهم لا تشمل جانباً واحداً وحسب، بل تمس مختلف زوايا الحياة وقضاياها، وألم أهل الرقة وإن كان لايسمع في المحافل الدولية، إلا أن أبناء وطنهم السوريين يشعرون بهذه المعاناة ويعيشونها، فحتى لو أنهم لم يخضعوا لتنظيم داعش الإرهابي بشكل مباشر، إلا أن أرواحهم وقلوبهم شعرت وأحست بهذه المعاناة الغنية عن التعريف.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق