التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

كي نفهم السياسة السعودية في الحرب وفي السلم 

العقل السعودي بشقيه السياسي والديني تحكمه الشهوات الجنسية فانتج “جهاد النكاح”.

نتيجة للتعقيدات في العلاقات الدولية وتشابك المصالح ليس من السهل وضع تعريف محدد للسياسة الخارجية، في الحرب والسلم، إلا ان المراقب لا يحتاج الى عبقرية في الفكر والتحليل السياسي حتى يتوصل الى حقيقة تقول بالمواءمة بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية. السياسة الخارجية هي انعكاس للسياسة الداخلية وطبيعة النظام والبيئة والايديولوجيا والقيم والافكار، والعكس صحيح.

ومن المعروف ان السياسة الخارجية التي تنتهجها الدول في علاقاتها مع الدول الاخرى تهدف الى تحقيق الاهداف الوطنية، اما بالدبلوماسية او بالحرب. وبما ان الدبلوماسية والحرب الذراعين الاساسيين في العلاقات الدولية، فبالتالي، في حالة السلم تحتاج الدولة الى عقول تنتج خطط عمل ومبادرات واستراتيجيات بناءة للتفاعل مع الدول الاخرى على اساس وجود مصالح مشتركة. في الحرب تتغير اللغة والوسائل وتكون العقيدة العسكرية او العقيدة القتالية هي العامل الابرز.

السياسة الخارجية الامريكية، على سبيل المثال، يكتنفها بعض الغموض احياناً بسبب التضارب بين الخطاب السياسي والنوايا. صحيح ان الولايات المتحدة تتكلم عن الديموقراطية وحقوق الانسان وحرية التعبير وتطلق شعارات لها جاذبيتها كـ”القضية العادلة” و”القضية النبيلة”، الا ان الهدف الاساسي الذي تسعى الى تحقيقه هو “المصالح” بغض النظر عن طبيعة النظام والوسائل لدرجة ان جون فوستر دالاس قال “ليس للولايات المتحدة اصدقاء، بل مصالح”.

 

 

في الحالة السعودية فان الامر لا يكتنفه اي غموض او تعقيدات لأننا نفهم كيف نشأ نظام آل سعود والعوامل التي ساعدت على بقائه والبيئة الحاضنة والايديولوجيا المحركة له والنوايا الخبيثة. العقل السعودي بشقيه السياسي والديني تحكمه الشهوات الجنسية فانتج “جهاد النكاح” والاغتصاب الجماعي والاستعباد الجنسي وبيع النساء لبيوت الدعارة في تركيا، وتحكمه غريزة التوحش فجمع كل الوحوش البشرية لتفعل ما تفعله في سوريا والعراق، وتحكمه غريزتي الحقد والانتقام فانتج العدوان الوحشي على اليمن. المتابع للسلوك السعودي يرى بكل وضوح ان العقيدة القتالية هي بالاحرى عقيدة قتل. السعودية لا تمارس القتال بل تمارس القتل، وقد تفوقت على الصهيونية والنازية في كثير من المحطات.

على احدى المحطات التلفزيونية قال احد “المفكرين” السعوديين ان السعودية قادرة على تجنيد مليون انتحاري خلال ساعات. طبعاً هذا ممكن، وممكن جداً، لأن هذا الشعب الذي يمشي خلف قيادته بهذه الحماسة، هو في الحقيقة منتج محلي انتجته طبيعة النظام والنهج التكفيري الذي يدرس في مدارس الاطفال والثانويات والجامعات، وفي المساجد. صدق او لا تصدق، المتدين الوهابي الذي يقضي معظم وقته في المسجد لا يختلف عن الوهابي العلماني الذي يقضي معظم وقته في اماكن الدعارة في بانكوك وغيرها. وكلاهما لا يختلفان عن رجل الدين الذي يدعو الى “الجهاد” في سوريا ويلاحق الشقراوات في شوارع لندن او عن الشاب السعودي الذي حمل معه الى ساحة “الجهاد” شنطة فيها ارقى الملابس الداخلية لحور العين. كلهم يفتقدون للحس الاخلاقي والانساني وكلهم انتاج طبيعي للنظام والفكر الوهابي.

في اول زيارة لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى موسكو، انتج العقل النجدي فرضية “لا مكان للاسد في مستقبل سوريا”. الفرضية تفتقر الى الحد الادنى من العقلانية التي تتطلبها الدبلوماسية في طرح القضايا. هذا الدبلوماسي الذي تخرج من الجامعات الامريكية والذي كان سفيراً في اهم عاصمة من عواصم القرار في العالم لا يفهم ان البيعة قبل التعيين وليس بعد التعيين. هو يريد ان يفرض على الشعب السوري رئيس ثم يقف الشعب مصطفاً كالغنم لمبايعته. هذا هو القصد من القول ان السياسة الخارجية انعكاس للسياسة الداخلية.

من هذا المنطلق لا نرى غرابة في ظهور تيار واسع في الغرب ينظر الى الدولة الوهابية على انها “مركز الشر الكوني” و”دولة الارهاب” و”ام الارهاب” وان هذا المذهب الوهابي التكفيري يجب استئصاله لانه “العدو المشترك” للبشرية جمعاء. هذا التحول في النظرة الى السعودية يكلفها مئات الملايين من الدولارات سنوياً تدفعها لشركات متخصصة في العلاقات العامة في واشنطن كشركة “قورفيز Qorvis” لتبييض سمعة المملكة الوهابية. الملفت ان التيار الوحيد الداعم للسعودية في واشنطن هو نفس التيار الذي يعارض الاتفاق النووي.

 

التحولات الكبرى

لا يختلف اثنان في توصيف المشهد العام على امتداد المنطقة الشرق أوسطية على انه مرتبط بتحولات دراماتيكية متسارعة تطال في الاساس نظام القطب الواحد ويؤسس لنظام عالمي جديد يرتكز على مباديء جديدة “اكثر انسانية” تشكل كلٍ من روسيا والصين وايران اهم اقطابه.

 

لماذا هذا التحول؟

بعد التخلص من إرث المحافظين الجدد عادت السياسة الواقعية لتكون عصب توجهات اوباما في المنطقة الممتدة من الشرق الاوسط الى بحري جنوب وشرق الصين والكوريتين، ونحو وسط اسيا والقوقاز وشرق اوربا، وهذا التوجه الجديد في استراتيجية اوباما لم يكن خياراً بل فرضته تحديات في وسط اسيا حيث بدأت تتشكل بيئات واسعة للارهاب الوهابي، وجنوب شرق اسيا حيث يحتدم الصراع حول بحر جنوب الصين، والاهم ان الرهان على كسر ايران سقط بالضربة القاضية. هذه التحولات اثارت رعب مملكة الارهاب لأن الاستدارة الامريكية تعني تخلي الولايات المتحدة عن دورها الوظيفي في صناعة “حروب الوكلاء” من خلال الارهاب الوهابي المتعدد الجنسيات، وبالتالي تفقد اهميتها في الاستراتيجية الامريكية. اعتقدت السعودية ان عدوانها الوحشي على اليمن وشعب اليمن يمكن ان يضعها من جديد على خارطة توازن القوى او يقود على الاقل الى “الوضع الراهن Status Quo” وفق تعريف هانس مورغنثاو او يدفع اوباما الى إعادة النظر في استراتيجيته. صحيح ان الصورة لا تبدو واضحة إلا ان التوجه الجديد يمكن ان يقود الى تمزيق السعودية داخليا.

 

العقل السياسي السعودي غير القادر على فهم التحولات واستيعاب المعادلة الجيوسياسية “سوريا خط الدفاع الاول عن حزب الله، وحزب الله خط الدفاع الاول عن طهران، وطهران خط الدفاع الاول عن موسكو”، بالتأكيد لا يمكن ان يفهم معنى هرولة وزراء خارجية الدول الكبرى الى طهران.

رضا حرب

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق