التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

أكراد تركيا بين خيارين أحلاهما مر 

الحالة الكردية- التركية المستعصية عن الحل تراوح مكانها بين الشد والجذب منذ عشرات السنين إذ لا تكاد تخفت أصوات البنادق بين الطرفين حتى تعلو فوقها الأصوات المطالبة بوقف القتال والاحتكام للعقل والجلوس على طاولة الحوار. معضلةٌ لم تستطع الحكومات التركية منذ إنشاء الجمهورية التركية على يد أتاتورك الى يومنا هذا أن تجد لها حلاً جذرياً يجنب البلد الكثير من الضحايا وهدر الطاقات البشرية والمادية الكبيرة. 

 

يطالب أكراد تركيا منذ عدة عقود بحقوقهم المشروعة كأقلية كردية وبالمساواة مع الأقليات الأخرى غير المسلمة والتي اعترف الدستور التركي بحقوقها في التعليم والنشر والسياسة حيث يَحظر القانون التركي على الأكراد دون سواهم ممارسة حقوقهم السياسية والثقافية مما دعا الأكراد الى المطالبة بهذه الحقوق كحدٍ أدنى للمواطنة وهو ما دعا الى قيام عدة تحركات كردية منها احتجاجات شعبية سلمية ومنها ما كان مسلحاً فجوبهت جميع هذه التحركات المطالبة بالحقوق الكردية بالقمع من قبل الحكومات التركية مما زاد الأكراد اصراراً على المطالبة بحقوقهم حيث يشكل الأكراد ما يقارب ٢٠% من عدد سكان تركيا إذ يعيش أغلبهم في الجبال والمدن الجنوبية التي تعد مدناً متخلفة بالنسبة لمدن غرب تركيا، وهذا الأمر أدى الى إيجاد نزعة انفصالية لدى أكراد تركيا لشعورهم بعدم الإنتماء الى الدولة التركية وعدم معاملتهم كمواطنين أصحاب حقوق فجاء تشكيل ما يسمى بـحزب العمال الكردستاني أي ب ك ك ترجمة عملية للنزعة الانفصالية لدى الأكراد، حيث نشأ هذا الحزب في السبعينيات من القرن الماضي بزعامة عبد الله أوجلان وتحول بسرعة إلى قوة مسلحة حولت منطقة جنوب شرق تركيا إلى ساحة حرب في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. 

 

مرت القضية الكردية بتغييرات عديدة خلال السنوات الماضية بالتزامن مع وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة والذي سعى الى إقناع زعيم حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) عبد الله أوجلان بالتخلي عن الخيار العسكري وتفعيل عملية السلام بعد إقرار الحكومة التركية بفشل الخيار العسكري. 

 

وبعد القرار الذي أصدره أوجلان بانسحاب وحدات حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) باتجاه جبال شمال العراق قطعت مفاوضات السلام بين الحكومة التركية والأكراد شوطاً جيداً إذ أبدى الأكراد مرونة في التعاطي مع حكومة حزب العدالة والتنمية بعد إعطاء الأخيرة إشارات على عزمها على إيجاد حل سلمي للأزمة الكردية، فكانت ولادة حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد أكبر دليل على أن الأكراد ومن ضمنهم حزب العمال الكردستاني قد بدأوا بالفعل بالتوجه الى الحلول السلمية والانخراط بالعملية السياسية ووضع الخيار العسكري جانباً، إذ توج تحرك الأكراد هذا بنجاح أول حزب موالٍ للأكراد ولأول مرة في تاريخ تركيا بتخطي عتبة الـ١٠% لدخول البرلمان والاندماج في العملية السياسية. 

 

وأتت الأحداث الأخيرة التي شهدتها بعض المناطق التركية على خلفية استهداف الجيش التركي لمعاقل ب ك ك (حزب العمال الكردستاني) في كل من سوريا وشرق تركيا والعراق في سياق حملاتها الجوية ضد مواقع تنظيم داعش الإرهابي داخل الأراضي السورية لتحرك مياه الصراع التركي الكردي الراكدة ولتعكرها من جديد ولتنسف اتفاق السلام الموقع بين حكومة أردوغان من جهة والأكراد وزعيم حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) عبد الله أوجلان من جهة ثانية ولتُعلن عودة الصراع التركي- الكردي إلى المربع الأول، فعودة الأكراد للخيار المسلح ستؤدي الى وَأد الخيار السياسي وسحب البساط من تحت حزب الشعوب الديمقراطي وجعله أعزل في مواجهة الرأي العام التركي والحكومة التركية وخصوصاً بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إقامة انتخابات برلمانية مبكرة ليستطيع استثمار الأحداث الأخيرة للإطاحة بالحزب الكردي ومنعه من الوصول مجدداً الى البرلمان فهذا الأمر إن حدث يعني بأن الساحة التركية ستشهد تصعيداً لا مثيل له لجهة تأثير خسارة حزب الشعوب الديمقراطي على الرأي العام الكردي وانعدام الثقة بالحكومة التركية وفقدان الأمل لدى الأكراد الذين تركوا سلاحهم ليدعموا العملية السياسية من جدوى العملية السياسية وأفق الحل مع الحكومة التركية. 

 

وضمن المخاض الذي تشهده المنطقة يقع مستقبل الأكراد في تركيا بين خيارين فإما أن يندمجوا في الحياة السياسية التي بدأوها بدخولهم للبرلمان والحكومة عن طريق حزب الشعوب الديمقراطي مع المحافظة على القليل من قوة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) العسكرية لضمان تطبيق الحكومة التركية لإلتزاماتها ووفائها بعهودها، أو أن يترك الأكراد الطاولة ليعودوا الى الخيار العسكري والى لغة السلاح والعمليات الأمنية وهذا الخيار هو الأرجح والأقوى في حال لم يتمكن حزب الشعوب الديمقراطي من تجاوز العتبة المحددة لدخوله البرلمان للمرة الثانية في الانتخابات المبكرة التي أعلن عنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق