التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

واشنطن – موسكو والازمة السورية: هل يمكن الاتفاق؟ 

 بعد مرور حوالي خمسة أعوام علی حرب المجموعات المسلحة ضد سوريا، لاسقاط الحكومة الشرعية في هذه الدولة، من خلال الدعم الذي تلقته هذه المجموعات من قبل امريكا وقطر والسعودية بالاضافة الی تركيا، لازالت كلمة الفصل للحكومة السورية في الميدان، دون أن تتمكن المجموعات المسلحة من بلوغ الهدف الذي طمحت بالوصول الیه.

وخلال هذه الفترة جرّبت المجموعات المسلحة جميع الطرق التي كانت من المفترض أن تؤدي الی زوال النظام السوري، مثل شن العمليات العسكرية ضد الجيش العربي السوري في العديد من الجبهات، واستخدام الاسلحة الكيميائية لاتهام النظام في الساحة الدولية بانه ينتهك القوانين الدولية، وصولا الی استهداف البنی الاقتصادية في البلاد، لكن جميع هذه المحاولات لم تفلح في إسقاط النظام الشرعي في سوريا. وبعد كل هذا الفشل، زاد التخبط الامريكي والتركي والعربي المعادي لسوريا، حيث بالرغم من تاكيدهم علی الحل السياسي لانهاء الازمة في سوريا، لازالت هذه الجهات تدعم الحرب علی هذا البلد. لكن هنالك من أصبح يتحدث عن مساعٍ روسية امريكیة مشتركة لانهاء الأزمة السورية، فهل بات الحل وشيكا أم أن التعجرف الأمريكي سيحول دون ذلك؟

 

وفي هذه الاثناء تحدثت بعض التقارير مؤخرا، عن قرب توصل كل من موسكو وواشنطن لحلٍ وسطي، لانهاء الازمة السورية عبر اعتماد الحلول السياسية، والتركيز علی تكثيف الجهود المشتركة لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، بدل التاكيد علی إضعاف الحكومة الشرعية السورية. لكن وبالرغم من نقطة الالتقاء التي ترتكز علی محاربة داعش من قبل روسيا وامريكا وتاكيد هاتين الدولتين علی الحل السياسي لانهاء الأزمة السورية، فان روسيا وامريكا لهما استراتيجية مختلفة نهائيا إزاء النظام السوري وتنظيم داعش الإرهابي. حيث أن موسكو تصر علی ان يستمر «بشار الاسد» الرئيس السوري الشرعي، في منصبه حتى نهاية فترة رئاسته الحالیة، بينما تؤكد أمريكا علی رحيل الاسد كشرط مسبق لبحث سبل إنهاء الازمة السورية. بالاضافة الی ذلك فان موسكو وواشنطن لهما وجهتا نظرٍ مختلفة بالكامل إزاء تنظيم داعش الارهابي، حيث أن روسيا تعمل علی إجتثاث هذا التنظيم من جذوره دون رجعة، بينما ترغب امريكا فقط باضعاف داعش وليس التخلص منه نهائيا، لغرض الاستفادة منه في مواجهة بعض خصوم واشنطن في المنطقة. وهذه التناقضات في الاهداف بين هاتين القوّتين العظمتين، تجعل من مهمة الوصول الی حل لانهاء الأزمة السورية في القريب العاجل، أمرا بالغ الصعوبة .  

 

وفي هذا السياق تدعم امريكا وحلفاؤها الاقليميون فكرة عزل بشار الاسد عن السلطة في سوريا نهائيا، بينما تصر روسيا وحلفاؤها خاصة إيران وحزب الله، علی عكس ما تطمح الیه أمريكا فيما يتعلق بمصير الرئيس الاسد، بل أن ايران وحزب الله يعتبران الاسد، بمثابة الرجل الذي نجح في جميع الاختبارات التي تعرض لها لمواجهة الارهاب ضد سوريا والدفاع عن سيادة هذه الدولة. إذن كما اسلفنا، أنه من الصعب أن تصل روسيا وأمريكا الی اتفاق ينهي الازمة في سوريا في حال اصر الطرفان علی مبادئهما الحالیة، لذا لم يبق سوی خيار واحد، يمكن اعتباره الخيار الامثل لانهاء الازمة الطاحنة في سوريا، ويتمثل ذلك في موافقة واشنطن علی بقاء الاسد في منصبه حتى نهاية دورته الرئاسية، وبعد ذلك يتم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في سوريا، باشراف اممي .

 

وفي حال استمرت امريكا بمغامراتها تجاه سوريا لاسقاط نظام الرئيس الاسد، لارضاء حلفائها الاقليميين مثل السعودية وقطر وتركيا، فانها ستكون مسؤولة عن الفراغ الذي سيحدث في سوريا، ومن الواضح جداً، أن هذا الفراغ سيؤدي الی فوضی عارمة، تفوق الفوضی التي حلّت بافغانستان والعراق بعد الغزو الأمريكي لهاتين الدولتين. إضافة الی ذلك، وفي حال سقط النظام في سوريا فان هذا سيؤدي الی مزيد من زعزعة الامن والاستقرار في جميع دول المنطقة خاصة في تركيا ولبنان والعراق .

 

 

وفي النهاية يجب القول إن اصرار واشنطن علی ازاحة نظام السيد بشار الاسد، يتعارض مع “العقلانية” وهو قرار غير صائب ومرفوض من قبل فئة كبيرة من السوريين، لان علی واشنطن أن تفهم جيدا، أن ما جعل الاسد باقيا في السلطة ليومنا هذا، بعد مرور حوالي خمسة أعوام علی الازمة في البلاد، هما أمران رئيسيان، الاول: التائيد الشعبي الذي يحظی به الاسد في معظم مناطق سوريا، والثاني: ولاء الجيش العربي السوري الكامل لقيادته المتمثلة ببشار الاسد. اذن فان اسقاط الاسد بالقوة، سيكون بمثابة كارثة لسوريا والمنطقة. وبناءاً علی هذا نعتقد أنه من الارجح لامريكا والمنطقة والشعب السوري، أن تكف واشنطن عن محاولة اسقاط الاسد، والوصول الی حل علی غرار قاعدة “رابح ـ رابح” مع الجهات المعنية، كما حدث تجاه البرنامج النووي الايراني.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق