التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, ديسمبر 22, 2024

لماذا أعادت أمريكا علاقاتها مع كوبا في هذه المرحلة بالذات؟ 

بعد أكثر من نصف قرن من القطيعة بين أمريكا وكوبا وأشهر من المفاوضات السرية جرى مؤخراً تطبيع العلاقة بين الجانبين وأعيد فتح سفارتيهما في عاصمتي البلدين. 

 

ويرجع تاريخ العلاقات بين الدولتين إلى نهاية القرن التاسع عشر، حينما اندلعت الثورة الكوبية ضد الاحتلال الإسباني في عام ١٨٩٥، الأمر الذي كبد الشركات الأمريكية العاملة في كوبا خسائر فادحة، جعلتها تدرك الأهمية الإستراتيجية لهذه الدولة الصغيرة، خصوصاً بالنسبة لمشروع حفر قناة في أمريكا الوسطى بين المحيطين. ودفع ذلك واشنطن إلى الطلب رسمياً من إسبانيا الجلاء من كوبا. 

 

وبعد حصول كوبا على استقلالها احتلت أمريكا هذه الدولة لمدة خمسة أعوام متتالية، تلتها توقيع معاهدة “بلات” التي سمحت لواشنطن بالتدخل في شؤون كوبا، كما احتفظت بالعديد من القواعد البحرية، إضافة إلى الاستثمار في إنتاج السكر والتبغ. 

 

وظل هذا التحالف بين الدولتين حتى عام ١٩٥٨، لكن الكوبيين اعتبروا هذه الفترة بمثابة احتلال استعماري جديد. وفي فبراير ١٩٥٩ أصبح فيدل كاسترو رئيساً للوزراء في كوبا، وانقلب على واشنطن مقابل التقارب مع الاتحاد السوفيتي. 

 

وفي عام ١٩٦٠، حاول الأمريكيون إجبار الكوبيين على قطع علاقتهم مع الاتحاد السوفيتي من خلال الضغوطات الاقتصادية، عن طريق إعاقة الصادرات القادمة من روسيا، وكذلك وقف شراء السكر الكوبي، وانتهت هذه التوترات بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام التالي، ثم وقف العلاقات التجارية نهائياً في مارس من نفس العام. 

 

وشهدت العلاقة بين واشنطن وهافانا توترات حادة كادت أن تشعل حرباً نووية بين أمريكا والاتحاد السوفيتي في مطلع الستينات من القرن الماضي. وعرفت الأزمة في حينها بأزمة الصواريخ الكوبية حيث طلبت هافانا العون من الاتحاد السوفيتي لمواجهة التهديدات الأمريكية واستجابت موسكو بسرعة لهذا الطلب لتحقيق التوازن العسكري حيث كانت أمريكا تحتمي دائماً خلف المحيط، بينما كانت حدود الاتحاد السوفيتي مكشوفة من كل الجهات.  

 

وبعد مدة توصلت واشنطن وموسكو إلى إتفاق تاريخي تعهدت الأخيرة بموجبه بسحب الصواريخ المحملة بالرؤوس النووية من كوبا مقابل تعهد واشنطن بالتوقف عن محاولاتها لإسقاط نظام الرئيس الكوبي فيدل كاسترو. 

 

وعملت وكالة الاستخبارات الأمريكية بكل الوسائل على إسقاط نظام كاسترو عبر محاولات متكررة لاغتياله أو عن طريق إحداث انقلاب أو غزو مباشر. وبعد محاولة يائسة لقلب نظام حكم الزعيم الكوبي قام الرئيس الأمريكي جون كينيدي بقطع جميع العلاقات وإعلان الحصار الاقتصادي على هافانا. 

 

وظلّت العلاقات مقطوعة بين الجانبين حتى تحرك الرئيس الامريكي باراك أوباما في الأشهر الأخيرة نحو تطبيعها في سياق استراتيجية تهدف الى تحقيق غايات اقتصادية وسياسية عجزت عن تحقيقها المؤامرات والاساليب الساخنة. وأكد أوباما في مؤتمر صحفي أن فرض العقوبات على كوبا أثبت عدم فعاليته طيلة العقود الخمسة الماضية، مشيراً الى أن واشنطن تسعى حالياً للتخلص من السياسة القديمة والتوجه إلى تخفيف العقوبات عن هافانا كما سيتم تخفيف القيود عن السفر اليها .

 

ويعتقد الكثير من المراقبين ان عدم امتلاك أوباما لرصيد كافٍ من الإنجازات على مستوى السياسة الخارجية، دفعه الى الانفتاح على كوبا في هذه المرحلة لتحقيق مكسب في هذا المجال دون جهد كبير خصوصاً وأن هناك مجموعات داخلية مثل غرفة التجارة الأمريكية يمكن أن تساند هذا المنحى الذي اتخذته الإدارة الأمريكية. ولكن تظل هذه العوامل محكومة بمعادلة معقدة، تتقاطع معها عوامل أخرى للتراجع، وقد تحول دون إحداث تغيير جذري. وترتبط تلك العوامل بالحسابات الداخلية الخاصة بكلتا الدولتين.  

 

وأثار الحديث عن عودة العلاقات الكوبية الأمريكية جدلاً واسعاً، حيث اعتبره البعض هزيمة للإمبريالية الأمريكية كونها اضطرت في نهاية المطاف إلى التسليم بفشل خططها السابقة ضد كوبا التي أثبت شعبها جدارته في مواجهة التحديات الأمريكية والحصار الشديد المفروض عليه منذ اكثر من نصف قرن. 

 

ورغم عودة العلاقات لا تزال هناك عدة نقاط حساسة بين البلدين مثل وجود أمريكا في خليج غوانتانامو والحظر التجاري الأمريكي على كوبا، وهي أمور لا يمكن أن ترفع إلا بقرار من الكونجرس. 

 

بناءً على ما سبق سيظل الانفتاح الحادث في العلاقات الأمريكية الكوبية محكوماً ومؤطراً في حدود معينة، بانتظار ما ستسفر عنه التفاعلات المستقبلية بين عوامل الدفع، وعوامل التراجع. وهناك موجة من القلق لدى الكثير من الأوساط بأن أمريكا لن تتخلى عن هدفها، وهي غالباً ما تشتغل على عدد من البدائل في آن واحد، فإذا فشلت في واحد فإن البدائل الأخرى الموازية تبقى تعمل بقوة. وإذا كان الخيار العسكري والحصار الاقتصادي قد تراجعا، فإن القوة الناعمة ستأخذ طريقها للهدف ذاته. وبواسطة هذه القوة يمكن مد الجسور التي ستعبرها البضائع والسياح والأفكار، وكل ما له علاقة بنمط الحياة الأمريكي، لإحداث تصدع في داخل كوبا. وإذا ظلت الاخيرة عصية أمام استخدام “القوة الخشنة” فإن واشنطن ستراهن هذه المرة على القوة الناعمة بما تملكه من أساليب سياسية ماكرة وحرب إعلامية ونفسية لتحقيق هدفها. 

 

ولهذا لابد لكوبا من أن تمارس المزيد من اليقظة والحذر من الاختراقات التي ستلجأ إليها أمريكا، خصوصا وأن الفريق الأيديولوجي المعروف باسم “تروست الأدمغة” أو “مجمع العقول” لا يزال يعمل بحيوية منذ عهد الرئيس كينيدي لاختراق الأنظمة المعادية وفقاً لنظرية القوة الناعمة.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق