التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

الصواريخ الإيرانية من “أول جيل” إلى سجيل 

تمتلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالفعل أكبر ترسانة من الصواريخ الباليستية في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي طوّرت قدراتها على إطلاق الأقمار الصناعية إلى جانب الكيان الإسرائيلي. ولم يكن التطور الإيراني ليحصل، لولا “الأدمغة الإيرانية” التي وفرت أربع وعشرين جامعة على الأقل تقيم دورات دراسية في هندسة الطيران المتقدمة. في الواقع، ووفقاً لنظام تصنيفات المجلات العلمية، كتب الإيرانيون في عام ٢٠١٣ مقالات أكاديمية حول هندسة الطيران أكثر من الروس، على الرغم من حكم إيران الذي يمنع الباحثين العاملين في المشاريع العسكرية من نشر مقالات في المجلات الدولية .

 

لم تغب الصواريخ البالستية عن المفاوضات الاخيرة بين إيران والـ(٥+١) حيث أرادت القوى الغربية إقحام ملف الصواريخ البالستية في الإتفاق النهائي، إلا أن المفاوض الإيراني أصر على عدم ذكر أي بند يتعلّق بالصواريخ البالستية في الإتفاق النووي، اذا توصّل إلى إتفاق نهائي مع القوى الغربية بأن تذكر هذه النقطة في قرار مجلس الأمن ٢٢٣١، بإعتبار أن خرق هذا القرار لا يعد خرقا لإلتزامات طهران في الإتفاق النووي. طهران ردّت سريعاً على كل من يسعى لتخطي “الخطوط الحمراء” والعبث بترسانتها الصاروخية، حيث كشفت مؤخراً عن صاروخ “فاتح ٣١٣ “، في رسالة مفادها أن من يهدد إيران سيواجه ضربات لأهداف محدّدة ولقواعد عسكرية. 

 

وتكمن قوة إيران العسكرية والإستراتيجية حاليا في الصواريخ أرض أرض بعيدة المدى القادرة على إصابة أي هدف معاد ثابت أو متحرك في مدى يبلغ حوالي ٢٠٠٠ كم، وهو ما يعني القدرة على الوصول إلى أي هدف تحدده إيران في دول الجوار وفي مياه الخليج الفارسي والمحيط الهندي القريبة وداخل الكيان الإسرائيلي وبعض البلدان الأوروبية.  

 

عائلة صواريخ “شهاب” البالستية

لقد تم التوصل في الخطوة الاولى لتصنيع صاروخ بديل لصاروخ اسكود “B ” وذلك من خلال صناعة صاروخ حمل اسم “شهاب ١”. ويعتبر صاروخ “شهاب ١” من الصواريخ قصيرة المدى وذي مرحلة واحدة ويعمل محرك الصاروخ بالوقود السائل، ويمكن اعتبار هذه الخطوة بداية انطلاق لمشروع تصنيع الصواريخ البالستية الايرانية. وفي مرحلة لاحقة تم تصنيع صاروخ ذي مدى ابعد من صاروخ سكود، وذلك من خلال تطوير صاروخ “شهاب-١” المحلي الذي يعمل بالوقود السائل ايضا وذي مرحلة واحدة، وهو جيل شهاب “١C ” والذي لم يكن يختلف عن شهاب -١ الا انه تم تطوير مدى الصاروخ ليصل الى  ٥٠٠ كيلومتر اي بزيادة قدرها ٦٧%، وتغيير بعض الانظمة السابقة، والتي كانت تمثل الخطوة الاولى للانتقال الى تصنيع صاروخ “شهاب- ٢”. ومع توسيع برنامج الصواريخ الايرانية، بدأت جهود حثيثة وانشطة علمية وهندسية واسعة في مجال تطوير الوقود السائل وتصنيع الهياكل الصاروخية ونظم التوجيه والملاحة والتحكم من اجل تحسين وتطوير صاروخ شهاب-٢، وكل ذلك جرى تزامنا مع انتاج اعداد كبيرة من نماذج صواريخ اسكود. واخيرا اثمرت هذه الجهود بتصميم وانتاج صاروخ بالستي محلي متوسط المدى باسم “شهاب٣” وذلك في صيف عام ١٩٩٨.

ان حيازة تقنية تصميم وانتاج صواريخ مطمئنة، ساعدت على تطوير برامج تطوير وانتاج الصواريخ البالستية الايرانية بحيث ادى ذلك التقدم إلى انتاج نماذج مختلفة من صاروخ شهاب -٣ وبمدى اكثر وبرؤوس حربية مختلفة واجراء تغييرات في مقدمة الصاروخ. وفي الواقع ان استمرار انتاج صواريخ شهاب-٣ البالستية البعيدة المدى التي يمكنها ان تصيب اهدافا على بعد ١٨٠٠ كيلومتر، ادى الى انتاج صواريخ اخرى بعيدة المدى تعمل بالوقود السائل مثل صواريخ “عاشوراء” و”قدر” وصاروخ “قيام -١” المتوسط المدى وصاروخ “سجيل” البعيد المدى الذي يعمل بالوقود الصلب.

إن صاروخ “سجيل” مثل صاروخ “قدر” (الجيل المتطور والمُحسن لـ شهاب-٣ بمدى نحو ٢ ألف كيلومتر) قد كُشف عنه في النصف الثاني من العقد الماضي، والذي يعتبره البعض افضل الصواريخ البالستية الإيرانية. هذا الصاروخ الذي يعتبر الصاروخ الإيراني الاول الذي يعمل بالوقود الصلب، والذي يتم تهيئته بسرعة في غضون عدة دقائق فقط، وبعد انطلاقه من على منصة الاطلاق يترك المكان بسرعة فائقة. ويبلغ مدى سجيل نحو الفين كم، وتم لحد الان تصنيع نموذجين منه وهو سجيل-١ و-٢. 

 

عائلة صواريخ “فاتح” البالستية

لم تكتف طهران بالعمل على تطوير مدى الصواريخ البالستية فحسب، بل ركّز الخبراء الإيرانيون على رفع دقّة الهدف عبر نصب انظمة الباحث الذكي على رؤوس الصواريخ البالستية الايرانية، والتي من شانها ان تعزز من قدرة كشف رصد وتدمير الاهداف البرية والبحرية المعادية بدقة متناهية، حيث اصبحت هذه الصواريخ تستخدم اساليب التوجيه الحديثة، وتم تجهيز الصاروخ بنظام استهداف الاهداف النقطوية. 

تعد منظومة فاتح التي أصبحت في جيلها الخامس حالياً، العمود الفقري للصواريخ البالستية الإيرانية، حيث تتميز بالدقة العالية بإعتبارها من الصواريخ النقطوية. وعند الحديث عن الصواريخ “النقطوية”، لا بد من الحديث عن صاروخ “خليج فارس” الذي يعمل بالوقود الصلب، بمدى ٣٠٠ كم والقادر على استهداف الاهداف النقطوية. وقد كشفت إيران مؤخراً عن الصاروخ “فاتح ٣١٣” الجيل الجديد من الصواريخ “النقطوية” في منظومة إيران الصاروخية. “فاتح ٣١٣” هو الجيل الخامس بعد أربعة أجيال من صواريخ “فاتح ١١٠”، ويعد تطوّراً نوعياً شهده هذا الصاروخ، الأمر الذي يعطيه امتيازاً كبيراً عن أمثاله من صواريخ “هرمز ١ و٢” و”خليج فارس”، وهي من طراز “فاتح”، إنما طبيعتها القتالية من نوع بر ــ بحر .

ويتميّز الصاروخ الجديد، أولاً، بزيادة المدى من ٣٠٠ كلم إلى ٥٠٠ كلم، وهو تطوّر نوعي كبير لهذا الطراز، إضافة إلى استخدام الوقود الصلب المركب، لأول مرة، في صواريخ متوسطة المدى. والمعروف أن هذا النوع من الوقود يستخدم في الصواريخ الحاملة للأقمار والمقصورات الفضائية والصواريخ البعيدة المدى، والأهم أن هذا النوع من الوقود محدود التوافر في دول عدة تصنعه، أصبحت إيران إحداها . وهيكل الصاروخ لا يختلف كثيراً عن فصيلة “فاتح ١١٠”، إلا أن المواد المستخدمة فيه من ألياف كربونية تعطيه وزناً أخف، ما يسمح بقدرة تزويده برأس حربي أكبر وزناً والتحكم في مستوى الوقود، وما يجعله قادراً على التخفي عن أجهزة الرادار وامتصاص الحرارة الناتجة عن الاحتكاك بطبقات الجو . هذا التطور الحاصل، الذي يمثّل أهم ميزة في الصاروخ، هو عمله “النقطوي”، ذلك أن هامش الخطأ إذا جرى الأخذ بعين الاعتبار التفاصيل المناخية كافة، وسرعة الرياح في نقطة الإطلاق والهبوط، لا يتعدى العشرة أمتار برأس حربي يصل إلى ٥٠٠  كلغ من المواد الشديدة الانفجار. 

إن المعلن من قدرات إيران الصاروخية، هو جزء من هذه المنظومة، فهناك الكثير من الصواريخ غير المعروفة على وجه اليقين حتى الآن، ولا يستطيع أحد أن يجزم طبيعتها ومداها وقدرتها التدميرية، إلا أن المعلوم أن طهران لم تعتد منذ انتصار ثورتها على أي دولة مجاورة، وأن القيادات العسكرية والسياسية في إيران أكدت مراراً وتكراراً أن هذه الصواريخ لا تستهدف دول المنطقة، ما عدا الكيان الإسرائيلي.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق