التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

خطاب الفصل أم فصل الخطاب؟ 

لم يكتف قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي في خطابه الأخير برسم الخطوط الحمر لأي مفاوضات مرتقبة مع أمريكا، بل علّق على الهواجس الإسرائيلية عقب الإتفاق النووي بالقول: «ان الصهاينة اعلنوا عقب المفاوضات النووية بأنهم تخلصوا من هاجس إيران خلال ٢٥ عاما القادمة ولكنني اقول لكم اولا انكم لن تبلغوا ذلك اليوم، وبمشيئة الله لن يكون هناك بعد ٢٥ عاما شيء باسم الكيان الصهيوني وثانيا ان روح الجهاد والنضال لن تسمح للصهاينة بان يذوقوا طعم الراحة ولو للحظة». 

 

بدايةً، يمكن أن نلحظ خطاب الفصل لقائد الثورة لدى استقباله الآلاف من مختلف شرائح الشعب الايراني، رسم صورة واضحة المعالم عن مستقبل إيران والمنطقة، حيث شدّد على موقف بلاده تجاه أمريكا، معتبراً الخطوة التاريخية للامام الخميني في اعطاء لقب الشيطان الاكبر لأمريكا بانها حركة مفعمة بالمعاني. 

 

لم يكتف قائد الثورة بتوصيف الواقع عندما إعتبر الشيطان الذي طرده الشعب الإيراني من الباب يعتزم العودة من النافذة، بل رسم طريقاً واضح المعالم لـ«المواجهة المقتدرة» مع واشنطن. خارطة الطريق هذه تضمّنت رفضاً للتفاوض مع أمريكا في مجالات مختلفة عن الشأن النووي، لان “المفاوضات ذريعة للتغلغل وفرض مطالب البيت الابيض” على الشعب الإيراني، كما أن أحد أبرز عناوين هذه الخارطة هي العناصر الثلاثة التي أوضحها في خطاب الفصل: الاقتصاد القوي والمقاوم والتطور العلمي المضطرد وحفظ وصيانة الروح الثورية لاسيما لدى الشباب. 

 

وأما على الصعيد الإسرائيلي، فيعتبر خطاب آية الله خامنئي هو الأقوى منذ سنوات، إذ أكّد أن الكيان لن يبلغ الـ٢٥ عاماً، في إشارة إلى التصريحات الإسرائيلية عقب الإتفاق النووي . إن تأكيد قائد الثورة الإسلامية على زوال الكيان الإسرائيلي خلال الـ٢٥ عاما القادم، يحمل في طياته إشارة واضحة إلى موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من المقاومة في المنطقة ودفاعها عن الشعب الفلسطيني من ناحية، ويلخص رؤية رجل حكيم حول أحداث المنطقة والعالم، لاسيّما التغيرات التي حصلت بالنسبة للكيان الإسرائيلي من ناحية أخرى. 

 

قد يرى البعض أن خطاب القائد يتضمّن جملة من الرسائل الإعلامية غير القابلة للتنفيذ، فكيف يمكن أن يزول هذا الكيان أو يضمحل وهو يمتلك أكثر من ٢٠٠ رأس نووي؟ في الواقع لا ندري الإجابة الشافية على هذا الأمر خاصّة أن كلمة “زوال” حمّالة الأوجه، فهل القصد إنهائه من قبل حركات المقاومة، أم إضمحلاله كما حصل مع الإتحاد السوفياتي الذي کان يملك ترسانة نووية تفوق تلك التي يمتلكها الكيان بأضعاف مضاعفة. ولكن عند مطالعتنا لخطابات قائد الثورة، نرى أن رؤيته للأمور تنطلق من مقاربة واقعية يصعب على الكثيرين الوصول إليها، فمن كان يعتقد في حرب تموز ٢٠٠٦ أن حزب الله سوف ينتصر على الكيان الإسرائيلي. حينها أيضاً، إعتقد كثيرون أن تأكيد آية الله خامنئي في رسالته إلى أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، تدخل في سياق الدعم الإعلامي لتقوية معنويات المجاهدين، إلا أننا جميعا شاهدنا في نهاية الحرب، وبأم العين، ما أوضحه القائد الحكيم في أول أيام الحرب، وكيف خرج حزب الله مرفوع الرأس من هذه الحرب الضروس. 

 

هنا تجدر الإشارة إلى أنه وبالتزامن مع التسليح النوعي لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تشهد أسهم «الشرعية الإسرائيلية» في الشارع العالمي هبوطاً حاداً، أجبر الكثيرين من المستوطنين على العودة من حيث أتوا، لأن أفق الإستمرار بات مقفلاً لديهم. 

 

على الصعيد الداخلي، لم يختلف خطاب آية الله خامنئي، كثيراً عن نظيره الخارجي، حيث تطرق إلى العديد من الملفات الإستراتيجية في الداخل، سواءً على مستوى العلاقة مع أمريكا إبان حكم الشاه، أو على الصعيد الإقتصادي بإعتبار أنه تطرّق إلى الإقتصاد المقاوم والتطور العلمي، أو الثقافي عندما أشار الى “محاولات العدو لسلب روح الاندفاع والنشاط لدى الشباب، وسعيهم لقتل الروح الثورية والحماسية لدى الشباب”، كما تطرّق إلى الإنتخابات المقبلة للبرلمان الإيراني معتبراً أن هذه القضية مهمّة جداً وتجسّد حضور الشعب وثقته ورمز للسيادة الشعبية الدينية والحقيقية في ايران. 

 

إن القراءة التأملية لخطاب قائد الثورة الإسلامية ترسم خريطة واضحة المعالم لمستقبل المنطقة، فعلى الصعيد الخارجي كان خطاب الفصل، وأما داخلياً فكان فصل الخطاب، لذلك تطيب لي تسميته بـ«خطاب الفصل وفصل الخطاب». 

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق