التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

التغريبة السورية في اوروبا، وقصة البحث عن الـ”الوطن” 

 

لطالما شكلت الهجرة الفردية والجماعية، ظاهرة موغلة في القدم، ومنذ بدء تسجيل التاريخ الانساني لم تنقطع موجات الهجرة على مر السنين، وان كانت بنسب متفاوتة ودوافع مختلفة، ولكن بقيت عوامل الامان والغذاء تشكل على مر الزمان أكبر نسبة لفرار البشر من موطنهم الأصلي الى مكان آخر على هذه المعمورة بحثاً عن وطن بديل وما يسد رمق العيش، وليست ظاهرة الهجرة اليوم الا شكل أخر من مشاكل الشرق الأوسط التي انفجرت بشكل مريب هذه المرة، والتي تعد بشكل أو بآخر استمرار لأول هجرة كبيرة حدثت في هذه المنطقة، والمتمثلة بالشتات الفلسطيني، الذي طال عليه الزمن وأصبح من الترف بمكان التحدث عنها في ظل ماتمر به البلدان المجاورة، مما يشكل تطبيقاً مثالياً لم أرادته القوى الاستعمارية، ولكن ليس باليد حيلة.

 

في هذا المقال سنسلط الحديث عن هجرة القرن المتمثلة في هجرة السوريين الى أوروبا والى المانيا على وجه التحديد، نحاول تحديد السبب والمسبب، ونحاول مناقشة المتضرر والمستفيد، في مسعى لمقاربة ملف الهجرة السورية من بعض جوانبه. 

 

أولاً: اسباب الهجرة السورية الى اوروبا:

يرى كل ذي لب وبصيرة، حاول أزالة الغشاء الذي ترسمه آلة الاعلام في مخيلته بمعزل عن الجاهلية والعصبيات القبلية والمشاعر الانفعالية، ونظر للأمور نظرة واقعية، يرى أن حديث بعض الدول الاوروبية، ونتحدث هنا عن حكومات وليس عن شعوب، وتباكيها على طفل سوري غريق هنا، أول على مشهد صحفية عنصرية تضرب اللاجئين، بطريقة أبعد ما هي عن الاخلاق، هناك لن تقنع الى من يريد اغماض عينيه عن حقيقة واضحة وضوح الشمس، وتشدق بعض المسؤولين الاوروربيين وعلى رأسهم السيدة ميركل بالعدالة والانسانية الكاذبة على طفل غريق في مياه البحر لن تنسينا آلاف الاطفال الذين غرقوا بدمائهم في اوطانهم، بسبب الارهاب، وجابوا اصقاع الارض طولاً وعرضاً لدعمها بالمال والسلاح، فهم أصل الداء البلاء رغم كل المآسي التي تسببنا بها ﻷنفسنا وأوصلتنا لما وصلنا إليه، فمن الذي ربى عصابات داعش و الجماعات المتطرفة ؟ وسنخفف حدة السؤال ونسأل بشكل أخر أليس حلفاء الاتحاد الاوروبي وامريكا هم من انشؤوا جماعات الحقد والارهاب؟، أليست السعودية وما يسمون “مشايخ” هم من أججوا الشر والاقتتال في سوريا والعراق، وسكبوا الزيت على النار، كلما خمدت أو كادت، أما كان أجدى بالسيدة ميركل وهولاند وكاميرون، ومنافقوا السياسة في اوروبا، قطع رأس الأفعى لهذه الجماعات الارهابية والمتمثل بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي دمر بلاداً بأكملها من اجل طموحات طائفية شخصية قذرة، فلايخفى على كل عاقل اليوم أن السعودية وتركيا هم من أسس أسباب الويل والدمار والداعم الرئيس للمنظمات الارهابية المتطرفة.

ومن ثم يحق لنا أن نتسائل من الذي خنق الشعبين السوري والعراقي بعقوباته الاقتصادية؟، والتي زادت الويلات على البلدين، فتركتهم حيارة أمام خيار واحد وهو “لا أمان ولا غذاء”. فهم يعرفون تماما ان النتيجة الحتمية لهذا الحصار هي اسقاط الانسانية والموت الجماعي للشعب المسحوق ودفعه للتشرد في اصقاع الارض وليس اسقاط للنظام ولا لأفراد يخاصمونه، ومع ذلك استمروا بمخططهم الذكي الخبيث. 

 

لذلك نقول للمتباكين على الشعب السوري وأطفال الشعب السوري، والى السيدة ميركل وأمثالها نعطي حلا واضحا وبسيطا لوقف هذا الموت المستشري هنا والزاحف اليهم لا محالة، الحل الذي هم حتما لا يجهلونه ويتعامون عنه:

 ١- ارفعوا حصاركم الاقتصادي عن سوريا، وساعدوا السوريين اقتصادياً وهم في بلادهم، واعيدوا بناء ما دمرها ارهابيوكم من مدراس ومؤسسات تعليمية، ومشافي.

٢- أغلقوا حدود حليفتكم تركيا وحكمة الارهاب المتثملة بحكمة رجب طيب اردوغان بوجه الموت القادم الى الشرق.

 ٣-  ان العدالة والاخلاق تقتضي وضع المجرمين والارهابين في السجون، وليس تسهيل سفرهم الى الشرق الأوسط، لذلك أوقفوا ارسال هؤلاء الارهابيين من معسكرات الموت في بلادكم إلي سوريا والعراق.

 ٤- ان القلوب حرى والعيون باکية، لذلك فإن دموعكم لاتفيدنا، فكفوا عن اهدارها وادعاء الانسانية الكاذبة ولاتفتحوا معسكرات لجوء لسوريين أو عراقيين هنا وهناك، بل أوقفوا حرب الوكالة التي تشنوها في الخفاء على تلك الشعوب ووظفوا هذه المليارات الوسخة من الاموال لإعادة ما دمروه ارهابيوكم. 

 

 

ثانياً: المجتمع الالماني هل مستفيد أم متضرر من هذه الهجرة؟

يعاني المجتمع الالماني بشقيه الغربي والشرقي ومنذ اتحادهما عام ١٩٨٩ من أعراض الشيخوخة ، أي نسبة النساء والرجال الذين تزيد أعمارهم عن ٥٠ هي الأكبر أذا ما قورنت بنسبة المواطنين التي تتراوح أعمارهم بين ١٥الى ٣٠ عام، الى ذلك تعد المانيا أكبر دول الاتحاد الأوروبي من حيث عدد السكان بنحو ٨٢ مليون نسمة، بالاضافة الى ذلك تعترف الحكومة الالمانية بأربع اقليات على أراضيها بشكل رسمي من حيث اللغة والعادات وهي الدنماركية والصربية والفريزية والغجر الألمان.

ومن جهة أخرى تضم المانيا جالية تركية ضخمة نسبياً كم تحوي العاصمة برلين على عدة أحياء ومناطق تجارية خاصة بالأتراك الذين هاجروا اليها قبل الحرب العالمية الثانية كأيدي عاملة رخيصة في ذروة الحشد الالماني الصناعي لبناء ترسانة اسلحة استخدمها هتلر لاحقاً في حربه، حيث يصل عدد الاتراك في المانيا حالياً الى نحو ٣.٥ مليون شخص يحمل معظمهم الجنسية الألمانية. وتبذل الحكومات الألمانية جهودا كبيرة في سبيل إدماج المهاجرين في المجتمع. والتشريعات الألمانية لا تعتبر المسلمين أقلية، ولا تعترف بلغات المهاجرين الوافدين، في حين يشكل المسلمون في المانيا نحو ٤.٥ مليون مسلم، بنسبة ٥% من تعداد سكان البلد، ويحمل ٤٥% من هؤلاء الجنسية الألمانية، أي ما يقارب ٢ مليون شخص، فيما يحتفظ ٥٥% بجنسياتهم الأصلية.                    

 

 

الالمان والنازية الحالية:

يحاول بعض النازيون الجدد في المانيا وتحديداً في قسمها الغربي والجنوبي كما هو في ميونخ، التهويل الى حجم الكارثة التي تنظر المجتمع الالماني بعد قدوم موجات الهجرة الجديدة الى أوطانهم، محذرين من خطر انقراض الألمان وذوبانهم بانضمام موجات هجرة جديدة كبيرة إلى الوضع المقلق السائد هناك.

وفي هذا السياق يرى عدد من الاحزاب اليمينية الالمانية إن شيخوخة المجتمع الألماني لا رجعة عنها، وأن برامج الإدماج ومحاولات تشجيع الألمان على الإنجاب على الأرجح لن تُكلل بالنجاح، وبالتالي سترتفع أعداد المهاجرين وبخاصة من منطقة الشرق الأوسط المقيمين في ألمانيا نتيجة أعدادهم الكبيرة وارتفاع “خصوبتهم” وسيزيح هؤلاء سكان البلاد الأصليين على المدى البعيد تدريجيا، الى ذلك ستواجد عدد من المجتمعات الالمانية التي تطالب باستيعاب الاجئين المسيحيين على حساب بقية المهاجرين للحفاظ على ما يسمونه مسيحية اوروبا من جهة، ومن جهة أخرى يدعي بعض المتطرفين أن استقبال الملسمين في بلادهم يشكل خطر على المجتمع الالماني في حال تسلل عدد من المتطرفين مع موجات الهجرة تلك، واحداث اعمال عنف في البلاد مما قد يزيد الازمة الحالية تعقيداً، ولتضاف مشكلة الهجرة الى مشكلة الأمن.

ومن ناحية أخرى واذا تكلمنا عن الهجرة والهجرة المعاكسة، فان أغلب المهاجريين السوريين هم من أصحاب الكفاءات العلمية والحرفية، في حين كان كل المهاجرين من اوروبا الى سوريا هم من الارهابيين والمتطرفين والمجرمين، الذين هاجروا الى الشرق الاوسط بالآلاف وبتشجيع من حكومات بلادهم ليحكموا خناق الموت على ما بقي من هذه البلدان ويقضوا على ما حققته تلك البلاد على طوال عقود بل قرون من حضارة ومحاولات النهوض.

وعلى الضفة الأخرى، وفي اتصال مع أحد الاصدقاء في المانيا منذ فترة قريبة، أخبرني هذا الصديق أن قصة الطفل السوري الذي وجد ميتاً على أحد الشواطئ التركية قد لقى صداه الكبير جداً في الشارع الالماني، مشيراً الى بكاء الكثير من زملائه الالمان على حال السوريين الذين يعيشون وضعاً أنسانياً صعباُ، لدرجة وصل بالبعض الى التبرع ببعض ممتلاكاتهم لأي مهجر يصل بلادهم، أي أن حال المجتمع الالماني كحال أي مجتمع يحوي من هذا وذاك، ولب الحديث هنا يدور على الطبقات الحاكمة سواء في المانيا او في غيرها، وليس عن شعوب فقط.

واذا اخذنا الامر من وجه محايدة، يرى عدد من الخبراء الدوليين عدم وجود خطر حقيقي على المجتمع الالماني من استقبال أكثر من مليون سوري في بلادهم، لأسباب عدة أهمها أنه في كل الأحوال لن يستقر جميع اللاجئين الجدد في البلاد بشكل دائم، وسيعود قسم منهم على المدى المتوسط والبعيد على الأقل، إضافة إلى أن الدولة الألمانية تعمل على إدماج اللاجئين، وتشترط اتقان اللغة للحصول على الجنسية، مستشهدين بقضية الهجرة التركية الى المانيا وقدرة الحكومة المركزية على استيعابهم منذ الحرب العالمية الثانية، وإمكانية والاستفادة منهم، كأيد عاملة ضرورية لاقتصاد البلاد من دون أن يشكلوا خطرا ملموسا على “الهوية” الألمانية، ويؤكد هؤلاء أن ألمانيا على الرغم من خطر تقلص أعداد الولادات المهدد بفنائها، وارتفاع نسبة المهاجرين تدريجيا، لديها الوقت والإمكانيات والبرامج القادرة على تحقيق توازن لا يُخل بالاستقرار الاجتماعي وبوتيرة التطور الاقتصادي.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق