التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

«إعادة تموضع»؛ مصر تعيد ترتيب أوراقها في المنطقة 

لطالما حاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ وصوله إلى سدّة الحكم في البلاد، أن يمسك العصا من الوسط إزاء الأزمات في المنطقة، حيث لم يتخذ موقفاً عدائياً تجاه سوريا كما فعل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وشهدت علاقات القاهرة – بغداد تحسّنا لافتاً حيث زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي العاصمة المصرية أوائل العام الجاري، رغم إنشغال الأخيرة بمواجهة تنظيم داعش الإرهابي الذي يحتل جزءاً كبيراً من البلاد، كذلك حاول السيسي النأي بنفسه عن الدخول مع الرياض في العدوان الحالي على الشعب اليمني، خشية الغرق في مستنقع “فيتنام مصري” جديد.      

 

ورغم “وسطية” النظام المصري، إلا أن كفّة السعودية والإمارات كانت الأرجح في الميزان المصري العربي، بإعتبار أنه في عهد الملك السعودي السابق عبدالله بن عبد العزيز كانت العلاقات بين القاهرة والرياض في أحسن احوالها، إلا أن زيارة رئيس مجلس الأمن القومي السوري علي مملوك إلى القاهرة في الآونة الأخيرة ولقائه الرئيس المصري وقادة الجيش والاجهزة الامنية، شكّلت نقطة العبور من الوسط السعودي-السوري بإتجاه الأخيرة.

 

على خط القاهرة- دمشق، حاول الرئيس السيسي النأي بنفسه كلياً عن مواقف سلفه مرسي العدائية تجاه الرئيس السوري بشار الاسد، وحرصت العاصمة المصرية على ابعاد حركة الاخوان المسلمين السورية من لقاءات المعارضة السورية التي إستضافتها، ووقفت خلف قرار جامعة الدول العربية بعدم اعطاء مقعد سوريا للائتلاف الوطني السوري المدعوم من قطر والسعودية. وفي الآونة الأخيرة زادت مصر من لهجتها تجاه الحل السياسي للأزمة السورية رغم الرفض الترکي والسعودي، ويمکن مشاهدة إنفتاح إعلامي مصري على دمشق والذي تمثّل في زيارة وفد إعلامي كبير، للعاصمة السورية لم نراه طيلة الـ٤ سنوات الماضية عمر الأزمة السورية. في المقابل، وفيما يخص التباعد المصري السعودي، يمكننا سرد بعض الوقائع التي تثبت حقيقة إبتعاد مصر عن الفلك السعودي، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:

أولاً: رفضت مصر المشاركة برياً في العدوان السعودي على الشعب اليمني رغم الزيارات المكوكية للقيادات العسكرية بين البلدين، حتى أنه في الآونة الأخيرة، وعند الحديث عن معركة صنعاء والتحضير السعودي، نقلت العديد من الصحف أخباراً تؤكد إنخراط مصر بحوالي ٨٠٠ جندي في العدوان على اليمن، إلا أن الرئاسة المصرية أوضحت أن ما تداولته عدد من وسائل الإعلام حول إرسال القاهرة قوات برية إلى اليمن “خبر عارٍ عن الصحة”.

ثانياً: شهد الإعلامان السعودي والمصري مؤخراً قصفاً متبادلاً عنيفاً، حيث إتهمت الأذرع الإعلامية للنظام السعودي، بتغاضي أو تواطئ القيادة المصرية عن الهجمات التي تتعرض لها الرياض في إعلام القاهرة، موضحةً أن “السعودية تتعرّض لأبشع هجمة إعلامية من قبل وسائل إعلام مقرّبة من الرئاسة المصرية”. في المقابل أيضاً، لم يتوقّف العديد من الكتّاب السعوديين عن مهاجمة نظام الرئيس السيسي، سواءً عبر النقد المباشر أو عبر المطالبة بحقوق جماعة الإخوان المسلمين.

ثالثاً: رغم التأكيدات حول نيّة الملك السعودي التوجه من واشنطن إلى القاهرة في الآونة الأخيرة، إلا أن الفتور الذي بدأ مع إستلام سلمان، وترعرع مع الطاقم الجديد وبلغ أشدّهُ عندما إقتربت الرياض من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أو بالأحرى من جماعة الإخوان المسلمين، حال دون زيارة الملك السعودي إلى العاصمة المصرية، بل توجه إلى المغرب ومن ثم إلى الرياض.

رابعاً: مع بدء أزمة أسعار النفط التي وصلت إلى عتبة الـ٥٠ دولار من ناحية والعدوان السعودي على اليمن من ناحية أخرى، الأمر الذي تسبب بعجز إقتصادي يفوق الـ٣٠٠ مليار دولار (قدّر صندوق النقد الدولي العجز الإقتصادي في الميزانية السعودية بحوالي الـ١٥٠ مليار دولار في العام ٢٠١٥)، غاب الحديث عن أي دعم سعودي للإقتصاد المصري. مصر دخلت في الفلك السعودي وربما يمكننا القول إنها تنازلت عن دورها الريادي في الوطن العربي بسبب الدعم الخليجي، ومع غياب هذا الدعم، تغيب مصر عن الميدان الخليجي، لتعود تدريجيا بإتجاه مكانتها السابقة.

 

عند قراءة مشهد زيارة مملوك إلى مصر، يتضح أنها تأتي بعد زيارة الرئيس السيسي إلى موسكو، التي أعلنت إنخراطها بشكل مباشر في المواجهة القائمة على الأراضي السورية، وبالتزامن مع الحديث عن تشكيل محور عربي- روسي لمواجهة الجماعات التكفيرية، خاصةً أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافرورف أوضح أن أمريكا تمنع بعض دول التحالف من قصف مواقع تنظيم داعش الإرهابي.

 

عودة مصر إلى دورها الريادي، يعني بشكل أو بآخر الإنسحاب من الفلك السعودي بإتجاه الفلك السوري، وربّما تشكيل ثلاثي عربي قديم-جديد، مصر سوريا والعراق، لذلك تأتي زيارة مملوك، والتي تهدف للحصول على دعم مصري في مكافحة الإرهاب المشترك، لتعزّز دور مصر في المنطقة وتعيد إلى القاهرة دورها الريادي. وبصرف النظر عن سياسة المحاور الحالية، ما يهمنا اليوم، كشعب عربي، هو الامن والإستقرار الذي غاب مذ قرّرت واشنطن إسقاط بعض الأنظمة العربية، وواكبتها تركيا ودعمتها السعودية ولكلٍ أسبابه. 

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق