التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

تركيا: عرش أتاتورك يهتز من جديد 

 يتكوّن المجتمع التركي من أكثرية غالبة تركية وأقلية قومية كبيرة من الأكراد، إضافة الى أقليات صغيرة مثل اللاز على البحر الأسود والعرب في منطقة انطاكية وجنوب شرق الأناضول والأرمن والروم واليهود، فضلاً عن مجموعات كبيرة من المهاجرين الألبان والبوسنيين والشركس والشيشان. ظنّ البعض أن المصالحة التي حصلت منذ 3 سنوات مع الأكراد ستبقي هذا المجتمع متماسكاً غير قابل للانكسار مهما ساءت الظروف، ولكن مع دخول تركيا الى آتون الحرب في سوريا ودعمها لداعش في العراق وسوريا عبر اعتماد سياسة الحدود المفتوحة وتطوّرات حرب العراق منذ الغزو الأمريكي لبغداد عام 2003، أظهرت احتمال تفكك هذه الدولة المحورية في بنية النظام العربي والشرق الأوسط، وهذا يعني بالنسبة الى الأتراك تعزيز فرص قيام الدولة الكردية المستقلة، الأمر الذي ينعكس على قضية أكراد تركيا فيبدأ الانشقاق. وكما السياسة العثمانية الضاغطة التي كانت تعتمدها من أجل البقاء موحدة، يعود أردغان والفريق الحاكم في تركيا الى اعتماد هذه السياسة اعتقادا منه أنها ستبقي تركيا موحدة وقوية، ولكن وكما يثبت التاريخ أن هذه السياسة أسقطت الامبراطورية العثمانية وقسمتها الى دويلات. فهل تدفع سياسة أردوغان الجديدة الى تشتت وتبعثر المجتمع التركي؟

 

سياسة أردوغان الخاطئة في المنطقة وخصوصا في الأزمة السورية كبدته خسائر كثيرة تجسدت في الانتخابات الماضية، فقد انخفضت نسبة المقترعين لحزب العدالة والتنمية من49%  الى 40%، اي ان الحزب خسر حوالي 9% من نسبة الاصوات، ذهب معظمها لصالح حزب الشعوب الديموقراطي الكردي ونسبة اقل لصالح حزب الحركة القومية فبات هذا الحزب الجديد العدو الاول لأردوغان. وبذلك يكون حزب العدالة والتنمية قد خسر 69 مقعداً اي انه خسر الاكثرية التي تؤهله لتأليف حكومة بلون واحد.

 

وأيضا في الميدان السوري سيطرت قوات الحماية الكردية على معظم الشريط الحدودي مع تركيا ليقطع خطوط الامداد عن تنظيم داعش وجبهة النصرة الإرهابيين. وبما ان الحزب الكردي يتحمل مسؤولية هزيمة اردوغان في الانتخابات، وقوات الحماية الكردية مسؤولة عن هزيمته في سوريا، فلن يمر هذا الامر بلا انتقام. وتحت شعار محاربة داعش، أخذت طائراته وجنوده يقصفون ويقتلون مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق وسوريا، فيما يشكل اكبر حملة جوية لها منذ العام 2011 بعد هجمات دموية نسبتها الى المقاتلين الاكراد.

 

وبهذا الربط بين أكراد تركيا والعراق وسوريا يظن أردوغان أنّه سيشوّه صورة الحزب الكردي في تركيا كي يكسب مزيدا من الاصوات في انتخابات مقبلة وبالتحديد أصوات المحافظين منهم والقوميين خاصة، الذين قد يشاطرونه الخصومة التي تصل لحد العداء مع حزب العمال الكردستاني وطموحاته بالإنفصال، ما يعزز من فرص حزبه في البرلمان القادم. لكن يبدو أن إتجاه الأحزاب المُحافظة ليست كما يأمل. فقد اتخذ حزب الشعب موقفاً حيادياً، حين أعرب عن قلقه من أن تتحول تركيا إلى عراق جديد أو سوريا جديدة، دون توجيهه أي اتهام أو إلقائه المسؤولية على أي من الطرفين. أما القوميين الممثلين في حزب الحركة القومية، فقد دعوا إلى إعلان حالة الطوارئ مما قد يؤدي لفرض حكم عسكري في مناطق الصراع. الأمر الذي يفتح المجال للجيش بالنزول إلى الشوارع وهو ما ليس في مصلحة حزب العدالة والتنمية. في ظل إحتدام الصراع المستمر والخفي بينه وبين المؤسسة العسكرية، وهو الأمر الآخر الذي كان له تبعات ألقت بظلالها على الساحة التركية وبالتحديد التبعات الأمنية. فإلى أين ستؤول الأمور؟

 

يشكل أكراد تركيا 20 في المئة من الشعب التركي، بينما في سوريا يشكلون 10 في المئة من الشعب السوري أمّا في العراق فهم يشكلون 18 في المئة من الشعب العراقي، يعني في المحصلة أنهم يشکلون نسبة كبيرة ولهم تأثير كبير في المنطقة، وعندما يشعرون أنهم في خطر،  سيتحركون ولديهم القدرة والسلاح اللازم لذلك، وقد ظهر جليا تحركهم عندما قام أردوغان بقصفهم، فقاموا بقصف المواقع التركية واستهداف تجمعاتهم على الحدود السورية-العراقية. فمنذ بدء الحملة التي أعلنها أردوغان على الأكراد، لقي أكثر من 30 جندياً تركيا مصرعهم على أيدي الأكراد.  

  

اذاً استراتيجية اردوغان في التعاطي مع المتغيرات على مستوى توزيع القواعد الشعبية التي شهدناها في الانتخابات الاخيرة هي بطبيعة الحال انعكاس للروح الانتقامية التي تحكم اردوغان وحزبه، ومن هذا المنطلق جاءت الحملة على الاكراد رداً على عجز اوغلو في اقامة تحالف مع اي من الاحزاب الاخرى لتأليف حكومة جديدة، وبالتالي من الطبيعي ان يعلن اردوغان عن انتخابات مبكرة ليقطع الطريق امام احزاب المعارضة الثلاثة لتأليف حكومة. لذا، من المرجح ان يلعب أردوغان بورقته الأخيرة وهي توجيه الاتهام لحزب الشعوب الديموقراطي بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني وانه حزب انفصالي يهدد وحدة الاراضي التركية والامن القومي التركي، ومن المؤكد ان اردوغان لن يجد صعوبة في الحصول على قرار قضائي بحل الحزب. وبالتالي فانّ اردوغان يعيش ازمة سقوط الحلم التركي الكبير وهذا سيرفع من منسوب الحالة الانتقامية، فالقادم اعظم، وكل الطرق تؤدي الى الحريق التركي الكبير.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق