التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

فرنسا وإحياء الحلم التاريخي عبر البوابة الإماراتية: باريس تسعى لتعزيز دورها تحت حجة محاربة الإرهاب 

تعود باريس مرةً أخرى لمحاولة لعب دورٍ فعال في المنطقة، وإن من البوابة الإماراتية. إلا أن السعي لمحاربة الإرهاب يبقى الغطاء الذي تستخدمه الدول الغربية، لتعزيز نفوذها في المنطقة. وهنا في ظل تغيُّر الموازين على الأراضي السورية خصوصاً، وبعد تغير المعادلات إقليمياً ودولياً، كيف يمكن قراءة الزيارة الفرنسية للإمارات من ناحية دلالاتها الإستراتيجية؟ وماذا في تفاصيلها؟

تقريرٌ حول زيارة المسؤول الفرنسي:
أشارت وسائل الإعلام الإماراتية الى أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إستقبل وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان وبحث معه العلاقات الثنائية التي تربط دولة الإمارات وجمهورية فرنسا، وسبل تعزيزها وتطويرها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين. كما جرى خلال اللقاء بحث التعاون بين البلدين، خصوصاً فيما يتعلق بالشؤون العسكرية والدفاعية، وسبل تعزيز هذا التعاون وتنميته بما يحقق المصالح المشتركة الى جانب تبادل وجهات النظر حول مجمل القضايا ذات الإهتمام المشترك، والمستجدات الراهنة في المنطقة وتطوراتها، وجهود البلدين في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
وكان قد توجه الإثنين وزير الدفاع الفرنسي جان لودريان إلى الإمارات، بهدف الإطلاع على أولى نتائج الطلعات الجوية التي نفذتها طائرات رافال الفرنسية منذ الثامن من أيلول في الأجواء السورية، لجمع معلومات إستخباراتية حول مواقع تنظيم داعش الإرهابي بحسب ما ذكرت مصادر مطلعة. وأضافت المصادر، أن المسؤول الفرنسي إطلع على هذه المعلومات، خلال لقاء مع ضباط متمركزين في قاعدة ميناء زايد البحرية في شمال أبو ظبي.
وهنا يُذكر أن فرنسا قامت في الثامن من أيلول بتوسيع عملياتها الجوية، التي كانت تنفذها في العراق ضد تنظيم داعش، بحيث باتت تشمل سوريا، وذلك انطلاقاً من قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات. وكانت صحيفة “لوموند” الفرنسية أشارت السبت المنصرم، الى أن لودريان صرح في مقابلةٍ معها، أن عناصر كثيرة تظهر وجود مراكز تدريب لمقاتلين أجانب في سوريا لا تهدف فقط إلى احتلال أراض في هذا البلد بل إلى التدخل في أوروبا وخصوصاً في فرنسا، بحسب تعبيره.

تحليلٌ ودلالات:
إن تحليل مسألة الدور الفرنسي وتطوره عسكرياً في منطقة الشرق الأوسط ومن البوابة السورية اليوم، يُحتم العودة الى موقف باريس مؤخراً. فخلال نقاش جرى في الجمعية الوطنية منذ أيام، حول مسألة التدخل العسكري الفرنسي في سوريا، بدا الخلاف واضحاً بين الأطراف السياسية الفرنسية. فقد دعم رئيس الحكومة مانويل فالس، القيام بأي عملٍ يساهم في التوصل إلى حلٍ يطوي نهائياً صفحة الرئيس السوري في الحكم، في حين قال رئيس الحكومة السابق فرنسوا فيون، والذي يُعتبر أحد كبار زعماء المعارضة اليمينية إنه حان الوقت لإعادة النظر في استراتيجية فرنسا الدبلوماسية والعسكرية، موضحاً أن الخيار الأفضل لفرنسا هو القيام بعملية واسعة بالتعاون مع روسيا وإيران للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي، بحسب تعبيره. مؤكداً على أن هذه العملية تفترض أن نضع جانباً في الوقت الحاضر مسألة مستقبل النظام السوري. وهنا لا بد من الإشارة الى أنه يبدو أن الأزمة السورية وتطور الإرهاب في أوروبا وأزمة اللاجئين، عادت لتُحيي النقاش حول الإستراتيجية الفرنسية في المنطقة عموماً وتجاه سوريا خصوصاً. لذلك نقول التالي:
– لا شك أن السلطات الفرنسية تعتبر المعادلة في سوريا دقيقة للغاية، حيث تأخذ في الإعتبار مصالح الدول الحليفة لها لا سيما الخليجية، والتي تسعى على غرار باريس، لإبعاد الرئيس السوري عن السلطة. وهو الأمر الذي يمكن أن يدخل في خانة دعم المصالح المشتركة، في حين تطالب باريس موسكو وطهران في الوقت ذاته بالمشاركة في الحل لإنهاء الأزمة السورية، وهو ما يُعبر عن تناقضٍ في السياسات التنفيذية.
– ولعل هذا التناقض يترجم الخلل في الإستراتيجية الفرنسية في الخليج الفارسي اليوم، والتي تختلف عن تلك التي كانت سابقاً خلال الفترة الإستعمارية السابقة. فالطرف الفرنسي يعيش أزمة البحث عن دورٍ ما، وهو المدرك أنه ضعيف أمام صعوبة التغلغل في المنطقة نتيجةً لأسباب كثيرة أهمها غرقه في السياسة الأمريكية، وضعف إمكاناته وقدراته فضلاً عن البعد الثقافي والوضع المُعقد الذي تتصف به هذه المنطقة وتحديداً كثرة تواجد القوى الإقليمية والدولية. لكن وعلى الرغم من ذلك، فلباريس أسبابها في السعي لتعزيز تواجدها، ليكون حضورها الأقوى في المنطقة عندما أقامت قاعدة عسكرية في أبو ظبي، محاولةً إيصال رسالة للقوى الإقليمية والدولية، مفادها أن فرنسا تتمتع بنفوذٍ ينافس القوى الأخرى في منطقة الشرق الأوسط.
– ولأننا هنا لسنا بصدد مناقشة التبدل الفكري في استراتيجية الأمن القومي الفرنسية، نقوم فقط بتقييم الدور الفرنسي الذي قامت به خلال الفترة السابقة بطريقة موضوعية. فمنذ اندلاع الأزمة السورية، كانت فرنسا الطرف الثاني المنادي بإسقاط النظام السوري، بعد الأطراف الخليجية والتي تشارك باريس في تنفيذ المخطط الأمريكي. لكنها فشلت بعد أن سقطت رهاناتها.
– وهي في حقيقة الأمر سعت الى إرضاء شركائها الخليجيين من خلال دعم الإرهاب الذي تموله السعودية وقطر على الساحة السورية. وذلك ضمن خطة تعزيز الشراكة الأمنية، وتقوية العلاقات العسكرية لا سيما مع بلاد النفط التي تَدُرُّ على باريس أموالها جراء صفقات السلاح المعروفة. وهو ما أكملت فرنسا به، من خلال دعم الحرب السعودية على اليمن، وتقديم طائراتها في العدوان ولو مقابل المال السعودي. إلا أن فرنسا كانت من المساهمين في منع التوصل لتسوية في الأزمة اليمنية، لنفس الأسباب التي ذكرناها، في محاولةٍ للإستفادة من صفقات السلاح وتجاراتها مع الدول الخليجية لا سيما السعودية.

محاولة الضلوع بدورٍ فعال في المنطقة، الحاجة الى الطاقة، المصالح الإقتصادية الى جانب محاولة تعزيز الشراكة الأمنية لا سيما مع الدول الخليجية، هي أسباب حقيقية وراء السعي الفرنسي اليوم. لكن دعم الإرهاب في سوريا والعراق مؤخراً الى جانب اليمن اليوم، كان السمة التي اتصفت بها سياسة باريس تجاه المنطقة. لنقول إن مقامرة الغرب بمصالح شعوبنا، ما تزال حيةً في الدور الفرنسي الذي طالما حلم بتعزيز نفوذه في منطقةٍ كان أحد مستعمريها. في حين ينظر العالم اليوم الى الكباش الدولي على الساحة السورية، بعد أن دخل عليه الجميع، لتلحق بهم باريس. فهل سيكون لفرنسا دورٌ بين الكبار يا تُرى؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق