التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

أسرار التصعيد الروسي: كيف تُعتبر خطوة موسكو ردة فعلٍ أعادت خلط الأوراق السياسية والعسكرية؟ 

أحدث القرار الروسي الأخير ضجةً عالمية، لا سيما في الأوساط السياسية الإستراتيجية. فالخطوة الروسية فاجأت جميع الدول الساعية لإسقاط النظام السوري، لا سيما واشنطن وتل أبيب وأنقرة، الى جانب الدول الخليجية. وهنا يختلف المحللون في تحديد أهداف الخطوة ودلالاتها الى جانب آثارها المستقبلية. لكن الجميع مُتفقٌ على أن الخطوة الروسية، يجب قراءتها بدقة، وموضوعية، تأخذ بعين الإعتبار مكانة موسكو الدولية، وعداءها لسياسات واشنطن الإستراتيجية. لذلك ومن منطلق قراءة الخطوة الروسية بشكلٍ يوضح حقائق التغيرات الحاصلة، سنقوم بسرد وتحليل الأسباب التي دفعت موسكو للقيام بهذه الخطوة. فكيف يمكن قراءة الخطوة الروسية اليوم؟ ولماذا قررت موسكو النزول الى الميدان؟

ما الذي دفع موسكو للقيام بخطوتها؟
لا يمكن فصل الخطوات التي تجري اليوم على الساحة السورية عن مسارها الطويل منذ اندلاع الأزمة السورية العام ٢٠١١. لكن قراءة المسار التاريخي للأحداث، يحتاج أيضاً لتحليله. وهنا نقول إن قراءة الدور الروسي في سوريا، يحتاج لربطه بالواقع والتغيرات الحاصلة اليوم، مع الأخذ بعين الإعتبار مكانة روسيا الدولية وحلفها الإستراتيجي مع كلٍ من طهران وبكين. لذلك فإن قيام روسيا بخطوةٍ تُعتبر عملياً تغييراً غير متوقعٍ في الموازين العسكرية الميدانية، لا بد أن له أسباباً متصلة. فموسكو لم تقم فقط بعرض قدراتها كالمعتاد، بل قامت بالنزول للميدان العسكري، وهو ما يعني أمراً آخر. فما هو السبب الرئيسي لذلك؟
خلال شهر أيلول الحالي، ذكرت مصادر دبلوماسية في واشنطن أن خطوة مهمة سيتم اتخاذها لتسريع إقامة منطقة الحظر الجوي فوق سوريا وسیکون لها “الحسم النهائي” في التوصل إلى حل للأزمة. وكانت تقارير عسکرية نشرت مخططاً أمريكياً، يهدف لإنشاء منطقة حظر جوي وخصوصاً بالقرب من الحدود الجنوبية مع الأردن والكيان الإسرائيلي وشمالاً مع الحدود التركية. وهنا لا بد من الإشارة الى أن هذه المشاريع لم تكن سرية، لكنها كانت اصطدمت سابقاً بالرفض الروسي وهو الأمر الذي أدى لتجميدها. فما الذي أدى بـأمريكا لتخطي الخاطر الروسي؟ وكيف قامت واشنطن بإستفزاز موسكو؟
تم التوصل مؤخراً الى اتفاق بين واشنطن وأنقرة يسمح للطائرات الأمريكية باستخدام قواعد إنجرليك وباتمان وديار بكر وملاتيا في تركيا. وهو ما يعني عملياً ومن الناحية العسكرية، تغيُّراً في نقاط المناورة والتحرك العسكري الأمريكي في المنطقة، مما يعني بالنتيجة إعادة تموضعٍ أمريكية عسكرية. فوفقاً لتقرير نشرته الصحف التركية، فإن الإتفاقية التركية الأمريكية، تهدف لإقامة منطقة حظر طيران في مناطق شمال سوريا تحديداً الواقعة قرب الحدود مع تركيا، وهو ما يمنح واشنطن الحق في ضرب واستهداف أي طائرة سورية تقترب من هذه المنطقة. كما أن التقارير حول الإتفاق التركي الأمريكي، أفادت بأن منطقة حظر الطيران، ستُفرض أيضاً على أجزاء من سوريا تقع بمحاذاة الحدود مع تركيا، وتمتد على طول ٩٠ كيلومتراً داخل محافظة حلب.

كيف يمكن ربط الإستفزاز الأمريكي بمسار الأحداث إقليمياً ودولياً؟
أحداثٌ كثيرة حصلت خلال الأشهر القليلة الماضية، يمكن القول إنها كانت مفصلية. في حين يبقى الحدث الأهم، رضوخ واشنطن والغرب وتوقيعهم اتفاقاً نووياً مع طهران. وبين هذا الحدث وغيره من الأحداث السابقة واللاحقة، جاءت الخطوة الروسية. وهنا نقول التالي:
– ليست روسيا دولةً تابعة، بل تعتبر بحد ذاتها قوةً عظمى. وهنا فإن موسكو أدركت ومنذ اندلاع الأزمة السورية، أن الحرب الدائرة على الساحة السورية، تهدف لتعديل موازين القوى على الساحة الدولية، وبالتحديد محاصرة روسيا ونفوذها في الشرق الأوسط، وهو ما يأتي علناً ضمن سياق خطة المحافظين الجدد بعد خطوة احتلال العراق عام ٢٠٠٣. وبالتالي فيجب قراءة الخطوات الروسية دوماً، من باب الأخذ بعين الإعتبار محاولات واشنطن والغرب عزل موسكو، وتطويقها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وهو ما أثبتته الأزمة الأوكرانية.
– لكن المختلف هذه المرة هو قرار روسيا الإنتقال من الدفاع الى الهجوم. فالعارف بمجريات الأحداث بين موسكو وواشنطن يُدرك بأن أمريكا لا تلتزم بسياساتٍ واضحة، بل تتعامل ضمن براغماتيتها المعهودة، مما يفرض على العدو الحذر الشديد، والإنتقال الى الخطوات العملية الضامنة وليس فقط عرض القدرات. وهنا جاءت الخطوة الروسية.
– فمن جهةٍ، إضافةً الى أن ضمان بقاء النظام السوري يُعتبر هدفاً لحماية الأمن القومي الروسي، لأسباب جيوسياسية معروفة، فإن روسيا تعتبر أنها تقوم بالحفاظ على حليفها الإستراتيجي أي الرئيس الأسد وفق اتفاقيات بين البلدين تجعل الخطوة الروسية شرعية. مما يعني أن موسكو رغم أزمتها لم تقم ببيع حلفائها، وهو الأمر المعهود الذي تتصف به واشنطن، كما فعلت بالرئيس المصري حسني مبارك.
– ومن جهةٍ أخرى لم تضع روسيا خطوتها في خانةٍ غير مقبولة سياسياً، بل إن الذكاء الروسي أفضى لجعل خطوة موسكو، في نطاق قاسمٍ مُشتركٍ أمريكي، وهو القضاء على الإرهاب المتمثل بداعش. وهو الأمر الذي أكدت موسكو جديتها فيه، وأنه يأتي في خانة محاربة الإرهاب، ودعت الى تشكيل حلفٍ إقليميٍ ودوليٍ لذلك.
– لكن خطوة روسيا أدت بالجميع لإعادة حساباتهم، لا سيما واشنطن التي بدت مُربكة وتل أبيب التي أعلنت عن قلقها. وهو الأمر الطبيعي، فالخطوة الروسية أفضت الى حصول توازنٍ على الصعيد الميداني، مع الخطوة الأمريكية التركية، ليربح بوتين في نهاية الجولة. فيما يُعتبر تغيير المعادلات الميدانية أمراً مُقلقاً لتل أبيب، لأنه يؤدي الى ضرب القدرات العسكرية الإسرائيلية العملياتية، ويؤسس لواقعٍ جيوعسكريٍ جديد، يحتاج لوقتٍ لدراسة مكامن قوته وضعفه، الى جانب تحديد آثاره الإستراتيجية في الصراع الدائر، مع الأخذ بعين الإعتبار أن روسيا هي حليف طهران اليوم.

النتيجة:
ليست الخطوة الروسية إلا ردة فعلٍ على مسارٍ طويلٍ من الصراع الخفي الدائر بين موسكو والغرب. لكن الساحة السورية، أصبحت الميدان الأمثل لقتال الكبار. فيما تختلف موسكو بوفائها لحلفائها، عن واشنطن التي تتاجر حتى بالحليف. وفي صلب هذه الحقيقة، تختلف اليوم قراءة الجميع للخطوة الروسية، فعنوان مكافحة الإرهاب الذي أعلنت عنه موسكو، يُعتبر عرضاً مُغرياً للغرب لا سيما أوروبا التي تعاني من أزمةٍ في اللاجئين. كما أن السعي لإخراج الرئيس السوري من أي حلٍ للأزمة لم يعد شرطاً للكثيرين. لنصل الى نتيجةٍ مفادها، أن روسيا أرادت أن توصل عدداً كبيراً من الرسائل، يتوافق مع خطوتها. لتقول للعالم من خلال الساحة السورية، إن حضورها في الميدان يتجاوز عرض القدرات، وإن بقاء الحليف السوري خطٌ أحمر. فيما تقف واشنطن محتارةً أمام الدهاء الروسي، وتشعر تل أبيب بعجزٍ في قراءة الواقع، فيما تغرق الدول الأوروبية والخليجية الى جانب أنقرة، بأزماتها الداخلية.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق