التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

أين إيران من التدخل العسكري الروسي في سوريا؟ قراءة في حسابات الربح والخسارة 

لا بدّ من التوقف مليّاً عند الدلالات والأبعاد الإستراتيجية للتدخل العسكري الروسي في سوريا، والإنعكاسات التي يمكن أن تلقي بظلالها على موازين القوى في المنطقة. وكما لهذا التحرك تأثيراته على خصوم روسيا وأعداءها، فإنّ تنامي الحضور والنفوذ العسكري الروسي خاصةً في الأزمة السورية سيؤثر حتماً على حلفائها وأصدقائها في المنطقة. ففي ظل الحديث عن إتفاق أمريكي روسي حول الأزمة السورية كيف تنظر إيران لهذا التقارب؟ وما هي خسائرها المترتبة على تدخل موسكو عسكرياً في سوريا؟ وهل من تقسيم جديد للأدوار بين موسكو وطهران في سوريا والعراق؟

فالتسونامي الروسي الذي فاجأ أمريكا وأدواتها في المنطقة قد ينظر إليه البعض أنّه فاجأ حتى حلفاءها بحجمه وسرعته وانعكاساته على خلط الاوراق السياسية والعسكرية فيها. لكن الوقائع تدل على أنّ التحرك الروسي جاء بعد تنسيق كامل مع القوى الفاعلة في الأزمة السورية أي النظام السوري، إيران وحزب الله. فهل يمكن أن يَتضمن التحرك الروسي رسالة غير معلنة إلى إيران المؤثر الأكبر على ساحة الأحداث الإقليمي منذ سنوات ولغاية اليوم؟

قال بعض المحلّلين إنّ ما تجرأت روسيا على القيام به في سوريا لم تستطع إيران القيام به منذ سنوات. وإنّ روسيا التي وقفت جنباً إلى جنب مع إيران في المحافل الدولية تسعى لإغتنام فرصة التراجع الأمريكي في المنطقة وعدم ترك إيران وحدها في الميدان وتبقى هي تواكب عن بعد. وبالتالي فطهران تنظر إلى هذا التدخل على أنّه يستهدف في طياته نفوذها في المنطقة، وأنّ أمريكا ليست الدولة الوحيدة المتحيّرة من الحراك العسكري الروسي الكبير في سوريا، بل إن إيران قلقة إزاء نوايا وأهداف روسيا من إجراءاتها العسكرية الهائلة الأخيرة في بلاد الشام، على ما قالته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية. وأفادت الصحيفة على حدّ زعمها نقلاً عن مسؤول إيراني لم تكشف عن هويته، أن قلق المسؤولين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتزايد يوماً بعد يوم بسبب تجاوز دور ومصالح إيران على خلفية التوافق الروسي الأمريكي المحتمل لإيجاد حل للأزمة السورية المتواصلة منذ 5 سنوات. لكن هذا التحليل غير دقيق لإفتقاده لمعطيات تاريخية وميدانية تدحض هذه المزاعم والتحليلات الخاطئة.

فإذا عدنا قليلاً إلى الوراء وقيّمنا في الكثير من المحطات السلوك الروسي تجاه أحداث المنطقة وخاصةً الأزمة السورية لوجدنا أن موسكو كانت دائماً حريصة على التنسيق الدائم مع طهران في كافة الملفات ولم يكن آخرها توقيع الإتفاق النووي الإيران مع الغرب. فموسكو تعرف مدى تأصل الحضور والنفوذ الإيراني في المنطقة وخاصة في الملف السوري. وفي ظل التوتر الحادّ المقنّع بين واشنطن وموسكو فإنّ الأخيرة فهمت أنّ من مصلحتها الإبقاء على علاقات أمنية وسياسية سويّة مع طهران وحلفائها وعدم القيام بأي خطوة قد تؤثر على مستقبلها في المنطقة. ويُستدلّ من تصريح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، حول ترحيبه بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، على أنّ إيران وحلفائها غير قلقين من هذا التحرّك بل أنّه يُعزز من القدرات العسكرية للجيش السوري في مواجهة الإرهاب. فقد أكّد السيد نصر الله أن تطور الموقف الروسي عسكرياً تجاه سوريا، لعب دوراً في إفشال الرهان في إبعاد موسكو عن دمشق، وهو موقف يرتبط بملفات عدة منها المصالح الروسية وأوكرانيا والملف النووي، إضافة إلى فشل التحالف الدولي ضد الإرهاب. وأضاف السيد نصر الله أن قرار المشاركة الروسية العسكرية في سوريا جاء بعد التحضير له مع الدول المعنية، مبدياً ترحيبه بدخول العامل الروسي، وبكل مشاركة تساهم في إبعاد الاخطار الكبرى التي تهدد سوريا والمنطقة، مشيراً إلى أن إيران أفشلت رهان البعض على أن تساوم طهران في الملف النووي في تسوية ما في سوريا.

لكن مع كل ما تقدّم لا بدّ للمراقب إذا تخيّل نفسه للحظات مكان إيران، أن يراوده شعور بالمنافسة من قبل روسيا في مناطق نفوذه. فقوّة بحجم روسيا والتحرك المفاجئ الذي قامت به لا يمكن الإستهانة بما سيتركه من أثرٍ على الساحة الإقليمية والدولية. وفي معرض توجيه رسائل تعبّر عن التنسيق الحاصل بين موسكو وطهران حول الملف السوري، فقد قال نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في مؤتمر صحافي في موسكو الثلاثاء إن موسكو وطهران ستفعلان كل ما هو ممكن للمساعدة في حل الأزمة السورية، وتعتزمان استخدام كل الإمكانات والاحتمالات لمساعدة سوريا على الخروج من هذه الأزمة.

ويُؤكد التنسيق القائم بين إيران وروسيا حول مواجهة الإرهاب في المنطقة الحديث عن تحالف رباعي يضم إيران وسوريا والعراق إلى جانب روسيا بعد فشل التحالف الدولي المنافق بقيادة أمريكا على القيام بأي دور واضح في هذا الإطار.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ إيران لا يُمكن لها في الوقت الراهن أن تقوم بتحرك مماثل للتحرك الروسي، فموقع روسيا كقوة دولية لها علاقاتها الواسعة وحضورها في مجلس الأمن يسمح لها أن تقوم بالتدخل على غرار ما تقوم به أمريكا والکيان الإسرئيلي في المنطقة. لكن التحرك الإيراني المشابه سوف يجابه بإعتراضات وانتقادات أكبر وتدخلات أخرى قد تكون نتائجها سلبية على مسار الأحداث الميدانية. بل إنّ مكتسبات إيران من تدخل روسيا له الأثر الكبير في الإسراع بإنهاء القتال الدائر في سوريا لمصلحة النظام ومحور المقاومة. إضافةً إلى الحدّ من القدرات والتحرك العسكري الإسرائيلي في المنطقة ومنعه من دعم المجموعات الإرهابية.

فميزان تقييم التحرك الروسي في سوريا يُرجّح حسابات الربح إيرانياً على الصعد كافة. والحديث عن القلق الإيراني من هذا التدخل لا يعدو كونه شعوراً بالمنافسة على مناطق النفوذ يمكن ان يختلج بعض الإيرانيين الذين لم يقرؤوا جيداً ولم يدركوا العلاقات الأمنية والسياسية والمصالح التي تجمع طهران بموسكو. فالأمر أكثر من تحرك تكتيتي، إنّه تحوّل إستراتيجي لن يكون إلاّ لمصلحة إيران وحلفائها.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق