التقارب مع ايران، حاجة عربية وضرورة اقليمية
خطوة نحو الأمام عبّر عنها حاكم قطر في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، هذا الخطاب والذي يأتي تناغماً وانسجاماَ لدعوات الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مرّ السنوات السابقة، فهو اعلن استعداد بلاده لإستضافة تقارب بين ايران وأنظمة دول الخليج الحاكمة بما فيها قطر، خطاب حاكم قطر يأتي حاملاً معه طرحاً خطابياً خليجياً مغايراً لكل الخطابات السابقة، وهو يأتي في ظروف استثنائية يحمل معه مجموعة من الأسئلة ترتكز حول دوافع هذا الخطاب وهذه الدعوة وهذا التبدل في منهجية الخطاب. بالإضافة إلى ذلك فإن الخطاب يأتي بعد حادثة منى، والطرح الذي يأتي على لسان القطري يحمل معه علامات استفهام أيضاً في مقابل نمط الإتهامات السابقة من قبل النظام الحاكم في السعودية والتي جاءت على لسان الجبير.
جديد خطاب حاكم قطر
أول الجديد أنه أعلن استعدداده استضافة تقارب ليأخذ شكل تعاونٍ بين ايران ودول الخليج الفارسی، هذه الدعوة الإيرانية والتي لطالما كانت مطروحة في مقابل صدٍ من جانب الأنظمة الحاكمة في دول الخليج الفارسی لاقت اصدائها اليوم في طرح حاكم قطر، هذا يعد خطوة أولية مهمة يمكن الإنطلاق من خلالها خاصة وأن الجانب القطري في خطابه اعتبر بأن الخلاف الموجود سياسياً وليس مذهبياً وهو يلتقي والخطاب الإيراني الداعي إلى الوحدة ونبذ أي شكل من أشكال الفرقة بين المسلمين، وهو يضع الخلاف في اطاره السياسي الذي يمكن الغاءه لبناء علاقات ودية والإنطلاق من خلالها لصد الأبواب أمام الغرب الإستعماري وجماعاته وكيانه التخريبي التدميري، والإتفاق على قواعد تنظم العلاقات بين ايران ودول الخليج الفارسی، وهو في خطابه اعتبر أيران دولة جارة ومهمة في خدمة مصلحة المنطقة، وأيضاً اعتبر بأن لا وجود لخلافات متعلقة بالعلاقات الثنائية بين البلدين.
قطر وعلى الرغم من الإتهامات التي توجه اليها بأنها تقف وراء دعم الجماعات التخريبية التدميرية، ومع وجود شبه علاقات رسمية بينها والكيان الإسرائيلي، ومع وجود الأدلة والوقائع التي تشير إلى منهجية قطر بهذا الخصوص، إلا أن سياستها على الضفة الأخرى تأخذ منحى تقاربي، فهي تختلف بسياستها نوعاً ما عن النظام السعودي الحاكم، علماً أن الأطر السياسية العامة للبلدين منسجمة ومتناغمة وعلاقتهما بأمريكا على نفس القدر. يرى البعض بصورة مختصرة أن المحطات التي تحتاج إلى تصعيد في المنطقة نرى فيها النظام السعودي هو الحاضر والبارز على الساحة، وحينما تتجه الأمور إلى ضرورة البحث عن حلول وبالرغم من التقاء السياسات والأهداف بين البلدين إلا أن النظام القطري هو الذي يبرز على الساحة مع غياب للدور السعودي وهو ما يظهر تناغماً وتقاسم للأدوار في السياسة الأمريكية في المنطقة. فبإختصار یمکن القول أن قطر سياسة أمريكا التفاوضية في المنطقة والسعودية سياسة أمريكا الحربية في المنطقة. وعلى الرغم من تقاسم الأدوار إلا أن الخطاب الأخير يسجل الجرأة لقطر على طرح خطاب موضوعي كهذا يختلف عن الخطابات السابقة الحادة اللهجة والمنتشرة بين وسائل الإعلام الخليجي وزج الإتهامات لإيران من دون دليل.
توقيت خطاب الجدید القطري: الأسباب و الدوافع
في الحديث عن القرار الذي تتخذه الأنظمة العربية الحاكمة لا يمكن اختذال الدور الغربي فيها، هي حقيقة لا بد من التسليم بها، بالإنطلاق من هذه الرؤية فإن الجو الذي خلقته الجماعات التخريبية التدميرية والتي صنعها الغرب الإستعماري والذي حوّل المنطقة إلى بؤرة صراع، تمكّن المحور الشعبي المقاوم من تخطي أكثر المشكلات التي خلقتها الجماعات التدميرية، إلا أن الأمور بدأت تتوجه شيئاً فشيئاً إلى المكان الذي صار الغرب يشعر فيه أن مصالحه صارت مهددة، وأن جماعات التدمير هذه تحولت إلى خطر عالمي لم يعد بالإمكان حصره، على الطرف الأخر فإن بعض الأنظمة العربية الحاكمة وبالخصوص الخليجية منها تجد نفسها اليوم في ورطة قد تكون القاضية. وعليه تنظر أنظمة الخليج الحاكمة أن لا سبيل لحل هذه المشكلات إلا بالتقارب والتعاون مع المحور الشعبي، هذا المحور الذي تلعب فيه ايران مفتاح الدبلوماسية الداعية إلى التقارب والتفاهم، وعامل أمن وهدوء في المنطقة. لا شك أن أنظمة الخليج الحاكمة أصبحت تدرك جيداً أن توجيه الإتهامات إلى ايران بتدخل في شؤون البلدان، هذه الإتهامات الفاقدة للدليل هي التي تخلق جواً متوتراً في المنطقة وبالتالي لا بد من الكف عن هذه الإتهامات للإنطلاق نحو تقارب مجدي.
على الجانب الأخر تدرك الأنظمة العربية الحاكمة اليوم أكثر من أي وقت مضى أن الإعتماد على امريكا أثبت فشله، وأن العلاقات معها قائمة على ميزان مصالحها، هذه المصالح التي قد تتغير وتتبدل، ولذلك ترى الأنظمة هذه أن لا مجال لديها لحفظ كيانها واستقرارها إلا بمحاربة الجماعات التخريبية التدميرية التي يمكن للمحور الشعبي أن يلعب فيه دوراً فاعلاً. يبقى على الأنظمة العربية التوجه بجدية نحو مسار التقارب، والعمل بشفافية في الموضوعات المطروحة، وتجاوب السعودية مع مطالب الشعوب المسلمة بضرورة الكشف عن حقائق فاجعة منى.
المصدر / الوقت