التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, ديسمبر 26, 2024

الحضور الصيني في سوريا: إستكمالٌ للمشهد الروسي الإيراني لضرب الإرهاب الدولي 

لا شك أن السعي الحثيث لإسقاط النظام السوري، من قبل الدول الغربية وبمباركة ومساعدة عددٍ من دول المنطقة وبالتحديد العربية، كان يهدف وعن قناعة لتعزيز الهيمنة الأمريكية على المنطقة. لكن التحولات التي جرت في الميدان السوري والتي خطها حزب الله اللبناني بالتعاون مع الجيش السوري، قلبت الموازين على الأرض لتؤسس لواقعٍ استطاعت من خلاله الدول الكبرى كإيران وروسيا والصين، فرض معادلاتٍ جديدة. وهنا لا بد من الإشارة أن إيران كانت حاضرةً منذ البداية في الساحة الميدانية مقدمة الدعم المطلوب للنظام السوري وهو ما لم يعد سراً، إنطلاقاً من الحلف الذي يجمع هذه الأطراف ضمن منظومة محور المقاومة. ومع تغير المعادلات وانقلاب الموازين الميدانية، بات العالم اليوم يرى نتائج هذا الدعم، الى جانب ثبات الموقفين الروسي والصيني. وهنا وفي ظل تقاطع الأدوار والمصالح، يجري الحديث عن الحضور الصيني في الميدان السوري بعد أن قامت موسكو بخطوتها العسكرية. فكيف يمكن قراءة ذلك؟ وماذا في دلالات المشهد الحالي؟

قراءة في ما قبل الخطوة الروسية:

إن الدور الذي قامت به الدول في سوريا خلال الأعوام السابقة يمكن تلخيصه بالتالي:

· لقد بدأ السعي الغربي وتحديداً الأمريكي من خلال استغلال الحراك الذي جرى، من أجل إسقاط النظام السوري. وهنا إذ لا داعي للغوص في أسباب هذا الحراك ومسؤولية واشنطن الأمنية، نقول أنه وفي ظل ما سُمي بالربيع العربي، كان من المخطط ضرب النظام السوري كمقدمةٍ لضرب محور المقاومة. وهو المحور الذي يتقاطع في مصالحه مع القطبين الروسي والصيني المعاديان لسياسات واشنطن في المنطقة.
· وهنا ولأن الطرف الإيراني يدخل في صلب أولوياته موضوع استمرارية محور المقاومة، كان لا بد من العمل منذ البداية من أجل منع هذا الهدف الإستراتيجي، وإن كان الكثيرون تساءلوا بدايةً حول الهدف والدور الإيراني. وهو ما استمرت فيه إيران من خلال دعمها للنظام، وكذلك الطرف الروسي الذي بدا منذ البداية داعماً لبقاء القيادة السورية الحالية، انطلاقاً من إيمانه بأن لذلك ارتباطٌ بالأمن القومي لموسكو.
· وجرت الأحداث على مر الأيام وبقي النظام صامداً الى جانب الدعم الإيراني ومشاركة حزب الله الميدانية، لنصل للنتيجة التي نشهدها اليوم، حيث أن الواقع الميداني تغلب عليه مظاهر القوة التي ارساها محور المقاومة. على الرغم من الحشد الهائل والدعم المالي واللوجستي والسياسي الذي حظي به الإرهاب، طيلة الفترة السابقة.
· وبعد فشل الدور الذي تبنته الدول الخليجية وكذلك تركيا، قررت واشنطن تغيير المعادلة الميدانية من خلال تفعيل دورها المباشر عبر البوابة التركية، ومن خلال قاعدة انجرليك الجوية لتغيير الجغرافيا العسكرية تحت حجة محاربة الإرهاب. وهو ما أسخط الطرف الروسي تحديداً.
· وهنا وبعد الخطوة الأمريكية، وجدت روسيا نفسها قادرةً على القيام بخطوةٍ متقدمة، مستفيدةً من القوة الميدانية التي حققها صمود محور المقاومة، الى جانب الإنجاز السياسي الذي حققته طهران من خلال الإتفاق النووي. فكانت الخطوة الروسية بإتجاه تعزيز الحضور العسكري في الميدان السوري وهو ما فاجأ العالم.

·

ما بعد الخطوة الروسية ودخول التنين الصيني:

لا يمكن التغاضي عن أن الخطوة الروسية تأتي في ظل السعي الروسي لمنع الهيمنة الأمريكية في المنطقة. لكن لا بد من القول وبموضوعية أن لروسيا حساباتٌ خاصة بمصالحها القومية والتي تتمثل من الخوف من تمدد الإرهاب الداعشي اليها. إذ أن النفاق الأمريكي في قتال الإرهاب لم يعد سراً كما أن الدعم الإقليمي وبالتحديد التركي والخليجي للإرهاب خرج عن الخطوط الحمراء، والتي أدت لجعله خطراً يهدد الدول الداعمة له أيضاً.

وعندما تكون الأمور متعلقةً بالأمن القومي لدولٍ كبرى كروسيا والصين، فلن تنتظر كلٌ من موسكو وبكين نتائج سياسة واشنطن البراغماتية، أو حكمة الدول الخليجية، وبالتحديد بعد أن أثبتت فشلها في تبني المشاريع أو تحديد المصالح. لنقول أن الفشل الأمريكي في استخدام الإرهاب والقصد في استغلاله لإضعاف أعداء واشنطن، هو من الأمور الذي أدركته كلٌ من موسكو وبكين، بعد أن سبقتهم لذلك طهران.

ولأن الخطوة الروسية جاءت لتكمل إنجاز محور المقاومة الميداني، وبعد أن بدا التحول في الموقف الغربي واضحاً، حيث لم يعد رحيل النظام شرطاً، ولأن الجميع بدا راضخاً للخطوة الروسية، قررت بكين الإنضمام الى الحضور الدولي على الساحة السورية. ليصبح الإرهاب الداعشي اليوم، أمام تحدٍ جديد وجديٍ يختلف عن التحدي الأمريكي والخليجي أي التحالف الدولي القديم. لينزل الى الميدان تحالفٌ دوليٌ جديدٌ يتكون من إيران وروسيا والصين، الى جانب حزب الله اللبناني بالتعاون من النظام السوري.

وفيما يخص نزول التنين الصيني، فقد جاء خبر دخول حاملة الطائرات (لياونينغ) الى جانب بوارج قاذفة للصواريخ مرافقة لها إلى ميناء طرطوس السوري بالإضافة إلى قرابة 1000 من خبراء المارينز الصيني والذين سيعملون على الأرض السورية إلى جوار القوات الإيرانية والروسية ضد تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، كالصاعقة على الأطراف الدولية لا سيما واشنطن والغرب وتل أبيب. وفي حين يتسائل الكثيرون عن سبب دخول الصين، فقد أشارت تقارير عسكرية إسرائيلية في تحليلها لأسباب التدخل الصيني، الى أنه في شهر آب الماضي، انتقل قرابة 3500 متطرف “أويغوري” صيني مع عائلاتهم إلى منطقة “الزنبقي” في ريف جسر الشغور. ونُسبت إليهم سلسلة من العمليات والهجمات ضد مواقع النظام والشعب السوري. الى جانب أن الكثير من عناصر “الحزب الإسلامي التركستاني” انضموا إلى حركة “أحرار الشام” في سوريا. وهذا الحزب هو التنظيم المنادي بالإنفصال عن الصين، ويضم مقاتلين من “الأويغور” المسلمين والذين يقطنون إقليم (شينجيانغ) غربي الصين، وهي المنطقة الصينية التي اشتهرت بتصدير الإرهابيين الى سوريا. فكيف تُكمل الخطوة الصينية ما بدأته روسيا وإيران؟

إن المغزى الأساسي من هذه الخطوات هو بناء واقعٍ عسكريٍ ميدانيٍ جديد، يهدف لخوض حرب إستباقية، يمكن من خلالها القضاء على المقاتلين الصينيين والقوقازيين والتركمانستانيين الى جانب الشيشانيين. فلم يعد خافياً على أحد أن هذه الجماعات تدعمها واشنطن بتعاونٍ تركيٍ وخليجي، لزعزعة الإستقرار في كلٍ من روسيا والصين ومنطقة القوقاز، وتحديداً بعد إنتهاء دورهم في سورية. لتكون الخطوة الدولية هذه، ضمن خطة الدفاع الإستباقية التي تعني الأمن القومي الصيني والروسي بشكلٍ أول.

وهنا تجدر الإشارة الى أن واشنطن والتي حاولت افتعال الأزمات العسكرية مع روسيا من خلال الأزمة الأوكرانية، تسعى لإشغال الصين في أزماتٍ مماثلة، على ضوء الصراع الحاصل بين الطرفين في منطقة شرق آسيا، عبر إفتعال أزماتٍ سياسية وإقتصادية مع بكين، ومحاصرتها، الى جانب تعزيز المجموعات التي قد تضرها أمنياً.

بناءاً لما تقدم، أرست إيران من خلال الإتفاق النووي واقعاً سمح للجميع بإعادة التموضع. لكن إعادة التموضع لم تكن سياسية فقط، بل تعدت ذلك لتصبح عسكرية. فيما ينتظر العالم اليوم مشهد ضرب داعش، ولكن من خلال التعاون الدولي بين إيران وروسيا والصين. والذي يبدو أنه سيكون جدياً بأهدافه قاسياً بأساليبه ليرى العالم كيف يُحَارب الإرهاب حقيقةً بعد أن رأى النفاق الأمريكي والخليجي.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق