الإرهاب والكيان الإسرائيلي: ترجمةٌ لسياسات الغرب أضعفت التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
إن ضعف التنمية في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، يُعتبر من سماتها البارزة. في حين يجري الحديث دوماً عن أسباب ذلك، من الزاوية الإجتماعية فقط، أي من خلال مناقشة الأمور والعوامل الإقتصادية والإجتماعية التي تؤدي الى انخفاض مستوى التنمية أو التطور لدى المجتمعات. في وقت نجد فيه أن للعوامل السياسية والأمنية الدور الأكبر في ذلك. كما أن النتائج الإجتماعية والإقتصادية، لا تلبث أن تكون بحد ذاتها نتيجةً لسياسات الدول وتحديداً ما يتعلق بأمنها القومي في مختلف المجالات. لذلك يمكن القول إن مسألة الإرهاب التي تعاني منها المنطقة، تعتبر سبباً مركزياً يؤدي الى ضعف التنمية. كما أن وجود الكيان الإسرائيلي وسياساته الإستعمارية المتماشية كجزءٍ من سياسات واشنطن والغرب، لها الدور الذي يُضاف الى دور الإرهاب بل يكمِّله. فكيف يمكن تبيان ذلك؟
أسبابٌ لا بد من ذكرها
إن العودة الى السبب الرئيسي لإيجاد الكيان الإسرائيلي في منطقتنا، تؤكد أن الهدف الغربي من ذلك وتحديداً البريطاني حينها، كان إيجاد واقعٍ يساهم في منع الدول المحيطة به من التطور. الى جانب أن العقيدة التي بنت عليها الصهيونية حركتها، تتسم بالنظرة الفوقية، تجاه الآخرين، إذ أن بني صهيون فقط يستحقون الحياة، والباقي من البشر هم “غوييم” أي (حمير) كما تُشير اللغة والمعتقدات العبرية. وهو ما يرتبط مباشرةً بالذهنية التي على أساسها تقوم قيادة الإحتلال المستعمرة لفلسطين، بالتعاطي مع محيطها العربي والإسلامي.
كما أن مسألة الإرهاب المتفشي في المنطقة، ليست بعيدةً عن ذلك. بل إن الواقع الذي نعيشه اليوم، وبالتحديد في مجال مكافحة الإرهاب وتفشيه، هو الأمر الآخر الذي يجعل الدول والأنظمة منهكةً في سياساتها. بحيث تصبح مسألة الأمن والإستقرار، أولوية الدول. في حين لا تعود مسائل الحياة الرغيدة وما يرتبط بها، من أمور أخرى، كرفع مستوى المعيشة والحد من البطالة… ، من ضمن أولويات الحكومات.
فكيف يمكن ربط هذه الأسباب وماذا في الدلالات؟
لا فرق بين الإرهاب والكيان الإسرائيلي، كما أن المسخين هما وليدة السياسة الأمريكية والغربية. لنخلص الى نتيجةٍ واضحة وبسيطة، أن السياسات الأمريكية والغربية التي ولدت الإرهاب والذي تعتبر تل أبيب أحد مظاهره، هي السبب في انعدام التنمية على كافة المستويات في منطقتنا. فكيف يمكن إثبات ذلك؟
إن السياسات الغربية، وتحديدًا الأوروبية والأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي، هي سياساتٌ تنطوي في حقيقتها على مُـسلسل مستمر من الإستعمار ولكن بشكلٍ جديد، والذي يتصف بكل محتوياته بالإرهاب. ولعل بداية ذلك كانت حديثاً في دعم الغرب وأمريكا لقيام الكيان الإسرائيلي في منطقتنا على حساب الفلسطينيين والمسلمين. وهو الأمر الذي كانت الدول الكبرى السابقة كفرنسا وبريطانيا، السباقة في ترسيخه لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فليس من الصدفة أن تكون هذه المناطق تحديداً وعلى مر التاريخ موضع النزاع بين الدول. لكن هذا النزاع لم ينته بإعادة الحقوق الطبيعية والموارد التي تمتلكها شعوب هذه الدول الى أهلها، بل كانت النتيجة أن انتهى النزاع العلني بتقسيم هذه الدول الى حصص، تحصل كل دولةٍ على حصتها، وتقوم بإستغلال خيرات هذه البلاد في استثماراتها، لتتحقق هجرة الموارد وفقدان القدرة على الإكتفاء الذاتي. فيصبح صاحب الحق بالأرض وخيراتها، تابعاً على كافة الأصعدة، السياسية والإجتماعية والإقتصادية والعسكرية والأمنية، وهو ما يعني عكس التنمية.
ولأن هذه الأسباب تاريخية الجذور، تعرف الأمة أن الإستعمار هو السبب والعنوان العام لمعاناتها. فيما يعيش العالم العربي والإسلامي اليوم، معاناةٍ على كافة الأصعدة، جراء رواسب هذه السياسات. والتي يُعتبر الكيان الإسرائيلي، والإرهاب المُتفشي من نتائجها. فالدول الغربية حديثاً وتحديداً منذ أن تم سلب الفلسطينيين حقوقهم، قامت بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية، وساعدها على ذلك أنظمة عربية ساهمت في ترسيخ ذلك الواقع. وهو الأمر الذي استمر ليطال كافة الدول. فالصراع العربي الإسرائيلي، كان سبباً في تضارب المصالح بين الأنظمة المتخاذلة والأطراف المقاومة للكيان الإسرائيلي، مما أوجد واقعاً من اللاإستقرار، تمثل في خلق أزماتٍ داخليةٍ طويلة الأمد.
وهو الأمر الذي ساهم بطريقةٍ غير مباشرة في تفشي الفقر في العالم العربي، بسبب ازدواجية المعايير، الى جانب قيام الدول بتخصيص جزء كبيرٍ من ميزانيتها لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية خدمة للصراع. وهو ما انعكس بالنتيجة على العديد من الأصعدة الأخرى.
فمن جهة تفشى الفساد في أعلى مستويات الدولة وضعفت التنمية. ومن جهةٍ أخرى، بُنيت الأرضية التي كانت سبباً ونتيجة، استغلتها مخابرات الغرب ولا سيما واشنطن، في تسيير مصالحها. وهذه الأرضية التي اتصفت بولادة التطرف، والذي تحول فيما بعد إلى إرهاب اليوم، كانت نتيجة عوامل داخلية، أهمها غياب الحرية والفقر وسوء توزيع الثروة وتفاوت المستويات الإجتماعية بين الأغنياء والفقراء واستبداد الدولة والممارسات القمعية والإحتكارية للثروات. فضلاً عن هشاشة ما يُسمى بالتكامل الإجتماعي والقومي. الى جانب عوامل خارجية أهمها، طبيعة السياسات الغربية القائمة على التدخل غير المشروع في الشؤون الداخلية للدول.
لقد استطاعت القوى الغربية على مر السنين والعقود الماضية، تجريد المنطقة من مواردها حتى البشرية. في حين غرقت الأنظمة في صراعاتها. لتتأجج الخلافات والنزاعات، في ظل واقعٍ عربي وإقليميٍ هش تحكمه المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي. ليكون الإرهاب نتيجةً لما سعت له واشنطن على مر سنين من التخطيط. فالشرق الأوسط الجديد هو المشروع الذي لم يلد نتيجة التغيرات التي حصلت، كان يقوم على تأجيج الصراعات وتغذية الإرهاب، الى جانب إبقاء الكيان الإسرائيلي محط الإهتمام والعناية.
بناءاً لما تقدم، فإن العقل الغربي الذي خطط لصنع منظوماتٍ سياسيةٍ وإجتماعيةٍ تُرسِّخ واقع الخضوع، يُدرك جيداً أن ما يجري من احداث هي نتيجة سياساته المتعمدة. لكن السم الذي طالما سعى الغرب لتجريعه لشعوب المنطقة، وصل الى دوله. لتصبح إقتصادياته مهددةً بالإنهيار أيضاً. فيما يبقى للأمة الإسلامية والعربية أمل يجعلهم يتغلبون على تحدياتهم، لما يجمعهم من روابط دينية وإجتماعية وحضارية على عكس الغرب المنهار في بنيته التكوينية. إلا أن محاربة الإرهاب الذي يعتبر الكيان الإسرائيلي جزءاً منه، يبقى بداية الطريق لتحقيق التنمية المستدامة. وهو ما لا يمكن أن يحصل دون إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود.
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق