كيف يمكن أن يتحول باب المندب، لبابٍ للحرب بين الدول؟
يبدو أن الصراعات المُحتدمة في المنطقة، سوف تجعل اللاعبين إقليمياً ودولياً، يسعون لكسب أوراق القوة. وهو الأمر الذي قد يزيد من حدة الصراعات التي قد تصل الى حروبٍ ونزاعات. وهنا يأتي الحديث عن مضيق باب المندب، لأهميته الإستراتيجية. فالمضيق لا يشكل فقط نقطة وصلٍ جيوسياسية، بل تُعتبر السيطرة عليه ورقةً قوية ومؤلمة إذا دخلت مجال الصراع بين الدول. فما هي أهمية موقع هذا المضيق الى جانب ثقله الإقتصادي؟ وكيف يمكن وصف أهميته الإستراتيجية عسكرياً بالنسبة للدول الكبرى؟
أولاً: تقرير حول أهمية باب المندب جغرافياً واقتصادياً:
من الناحية الجغرافية، تكمن أهمية مضيق باب المندب في كونه ثاني أهم مضيق في العالم بعد قناة السويس، لأنه يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، كما أنه يربط جنوب غرب آسيا مع شرق أفريقيا، وصولاً إلى أوروبا. ويعتبر باب المندب ممراً مائياً استراتيجياً يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب، ويشترك في حدوده البحرية مع اليمن كل من أريتريا وجيبوتي. ويبلغ عرض المضيق نحو 30 كيلومتراً بدءاً من رأس منهالي في اليمن وصولاً إلى رأس سيان في جيبوتي. وتفصل جزيرة بريم (مَيّون) التابعة لليمن، المضيق إلى قناتين شرقية، وتعرف باسم “باب اسكندر” ويبلغ عرضها 3 كيلومترات وعمقها 30 متراً، وغربية تحمل إسم “دقة المايون” بعرض 25 كيلومترا وعمق يصل إلى 310 أمتار، وتوجد بالقرب من الساحل الإفريقي مجموعة جزر الصغيرة يطلق عليها الأشقاء السبعة.
أما إقتصادياً، فتذهب التقديرات إلى أن ما بين 5 إلى 6 % من إنتاج النفط العالمي، أي نحو 4 ملايين طن، تمر يومياً عبر المضيق باتجاه قناة السويس ومنها إلى بقية أنحاء العالم. ويمر عبر المضيق سنوياً ما يزيد على 21 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع. وبحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في عام 2013، بلغت كمية النفط التي تعبر يومياً مضيق باب المندب قرابة 3.8 ملايين برميل من النفط، ما يساوي 6 % من تجارة النفط العالمية.
ومنذ حفر قناة السويس عام 1869 م تحول باب المندب إلى أحد أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوربية والبحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرقي أفريقيا، لا سيما مع ازدياد توريدات النفط الخليجي إلى الأسواق العالمية. ويسمح عرض وعمق القناة الغربية للمضيق لشتى أنواع السفن وناقلات النفط بعبور الممر بيسر على محورين متعاكسين متباعدين. وهنا لا بد من الإشارة الى أنه وعلى الرغم من أن اليمن يساهم بأقل من 0.25% من إنتاج النفط عالمياً، لكن موقعه الإستراتيجي يزيد من تأثيره على تجارة النفط.
ثانياً: الأهمية الإستراتيجية عسكرياً
إذا قمنا بضم الأهمية الجغرافية للأهمية الإقتصادية، نصل الى ما يعتبره الإستراتيجيون سبباً مقنعاً لإعتبار المضيق ذات أهميةٍ إستراتيجية يمكن أن تتحكم بمجريات الصراع. فالعارف بخفايا الصراعات العالمية، يُدرك أن أوراق الضغط التي يستخدمها اللاعبون على الساحة الدولية، تتصل مباشرةً بالمصالح الإقتصادية والتي من أجلها تقوم الحروب غالباً. وهنا نشير للتالي:
– يعرف المراقبون أن إغلاق مضيق باب المندب لأي سبب كان، سيؤدي إلى أضرار كبيرة على الحركة التجارية العالمية بالأكمل، وليس فقط تجارة النفط. لكن الحديث عن أهمية تجارة النفط هنا ترتبط بالصراعات الإقليمية القائمة. لذلك فإن إغلاق المضيق سيمنع وصول ناقلات النفط من دول الخليج الفارسي إلى قناة السويس وخط سوميد الذي يتم من خلاله نقل النفط من البحر الأحمر الى البحر المتوسط فالأسواق الأوروبية والأمريكية. وهنا في التحليل نجد أن المتضررين من هذه المسألة سيكونون بالدرجة الأولى الدول الخليجية تحديداً السعودية. وهو ما قد يقف وراء محاولات التحالف التي تكررت من أجل السيطرة على المضيق. إذ لا يخفى على أحد الوضع الإقتصادي المُتردي للرياض والتي بدأت مؤخراً بسحب أصولها في العالم. مما يعني مزيداً من الضعف الإقتصادي الداخلي، وهو ما سيجعلها تخسر كثيراً في حال إغلاق المضيق لما لذلك من تكاليف باهظة، خصوصاً وأن الناقلات ستضطر للسير في مسارٍ آخر ستزيد من كلفة النقل كثيراً.
– بالنسبة لمصر فإن إغلاق المضيق يعني إغلاق قناة السويس. فبحسب الإحصاءات فإن قناة السويس تدر أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً لمصر من خلال التجارة التي تمر بها. إلا أن أكثر من 98% من السفن تدخل إلى قناة السويس وتمر عبر باب المندب. وهو الأمر الذي لا تختلف فيه مصر عن السعودية لناحية وضعها الإقتصادي الأصعب. لنقول أن القاهرة أيضاً لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما تعتبره جزءاً من أمنها القومي. لكن ترجمة ذلك عسكرياً، تحتاج للكثير من الدراسة، في ظل وضع الصراع الحالي المعقد.
– بالنسبة لواشنطن والغرب فإن أمريكا سعت ونظراً لأهمية باب المندب في التجارة العالمية وحركة النقل للنفط والبضائع، لوضع يدها على المضيق ولو بالوكالة الى جانب محاولة التحكم المروري به. فقد قامت واشنطن بإنشاء قواعد عسكرية بالقرب من المضيق، وهو ما يتمثل بقاعدة جيبوتي العسكرية والتي تقع من جهة الضفة الغربية للمضيق. ولا شك أن واشنطن التي باتت في الآونة الأخيرة تظهر عدم حاجتها لنفط الشرق الأوسط، لكنها بالتأكيد تحتاج لنقاط عبورٍ تخدمها من الناحية العسكرية في صراعها في المنطقة لا سيما مع الصين وإيران. وهو ما قد يبرر دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية والحرب على اليمن.
ثالثاً: كيف يمكن أن يكون المضيق باباً للحرب بين الدول اليوم؟
إن الوضع القائم في المنطقة اليوم يمكن وصفه بإعادة التوضع للدول. وهنا لا بد من قراءة الأمور من خلال الأخذ بعين الإعتبار منعطفين في السياسة الدولية. المنعطف الأول كان توقيع الإتفاق النووي مع إيران، مما جعل الغرب يعترف بنفوذها في المنطقة. وهو ما أثر حتماً على الملف اليمني، الى جانب العديد من الملفات الأخرى. فعلى الرغم من أن إيران لم تتعاطى مع المسألة النووية من خلال ربطها بالملفات الأخرى، لكن مجرد الإعتراف بنفوذها من قبل الغرب، دفع واشنطن لتغيير سياستها في المنطقة من حيث الآليات وليس الأهداف. مما أضر بمصالح الدول الخليجية وتل أبيب. أما المنعطف الثاني فكان الخطوة الروسية التي جاءت مكملةً للإنجاز الإيراني. مما أدخل المنطقة في حالةٍ من إعادة خلط الأوراق على الصعيدين السياسي والعسكري.
لذلك فإن المضيق لما يشكله من نقطة وصل جغرافي، وأهميةٍ إقتصادية، يمكن أن يكون ورقة قوةٍ مؤثرة إقليمياً ودولياً. مما يجعل اللاعبين يسعون لضمانه، إما عبر السيطرة عليه للضغط على الأطراف الأخرى، وهو ما يُعتبر مؤلماً، أو عبر إبقائه بعيداً عن الصراع وهو ما يبدو مُستبعداً. فيما لن تحدد معالم ذلك إلا الأيام المقبلة. فهل سيكون المضيق باباً لصراعٍ جديدٍ في المنطقة؟
المصدر / الوقت