التحديث الاخير بتاريخ|السبت, أكتوبر 5, 2024

الخلافات السعودية المصرية، تباينات إستراتيجية أم زوبعة عابرة؟ 

ثمة من يعتقد أنه ليس بعد أحداث عام ٢٠١١ فقط، بل حتی قبل هذا التاريخ بكثير، ومنذ تولي السلطة في مصر من قبل «محمد أنور السادات» في السبعينات من القرن الماضي حتی يومنا هذا، لم يكن الدعم السعودي لمصر، دون توقعات، بل علی العكس من ذلك، دفعت مصر ثمنا باهضا في مقابل ذلك الدعم السعودي. حيث اضطرت القاهرة منذ ذلك التاريخ وحتی زمن إنهيار نظام حسني مبارك، الی التنازل عن مكانتها في قيادة العالم العربي لصالح السعودية باعتباره ثمنا لتلقي شيء من الدعم المالي من السعودية. وبالانتقال الی العهد الجديد ما بعد سقوط نظام الإخوان في مصر وتولي السلطة من قبل «عبدالفتاح السيسي»، برزت الكثير من الخلافات بين القاهرة والرياض ورغم محاولات الطرفين للتستر علی هذه الخلافات، برز الكثير منها الی العلن، حيث بات الكثير من المتابعين يعتقدون أن هذه الخلافات مرشحة لتصل الی مستوی العداء والتباين الكامل. إذن ما هي حقيقة العلاقات المصرية السعودية في هذه المرحلة؟

بعد تنصيب سلمان بن عبدالعزيز ملكا للسعودية في بدایة العام الجاري، تغّيب الملك سلمان عدة مرات عن حضور مناسبات مهمة في مصر مثل مؤتمر شرم الشيخ الإقتصادي، حيث كان من المفترض مشاركته فيها، فيما إعتبرها العديد من المتابعين، دلالة واضحة علی إختلاف وجهات النظر العميقة بين القاهرة والرياض، حول العديد من القضايا. حيث أن خلافات السيسي مع النظام السعودي كثيرة ولم تقتصر علی سوريا فقط، بل توسعت الی ابعد من ذلك، وبات يشمل هذا الخلاف، العلاقات المصرية تجاه روسيا وإيران وحتی العراق. فالرياض لا توافق علی فسح المجال لروسيا حول الأزمة السورية، بينما القاهرة تعتقد أن فسح المجال أمام موسكو في الأزمة السورية، سيؤدي في نهاية المطاف الی حل هذه الأزمة وعودة الأمن والإستقرار الی المنطقة.

ورغم إنزعاج السعودية الواضح من تصرفات الرئيس عبدالفتاح السيسي في الفترة الاخيرة، ولاسباب معروفة وغير معروفة، فان الرياض علی ما يبدو ليس بوسعها التخلي عن السيسي باعتباره شريکا لها في القاهرة حتی إن لم یکن علی ما يرام، في ظل المعطيات المعقدة السائدة في مصر والمنطقة. فالرياض تسير في مستنقع الیمن دون كسب نتائج ملموسة علی الأرض، وتواجه أزمة اقتصادية طاحنة إثر انخفاض أسعار النفط العالمية، من الممكن أن تؤدي الی شلل كبير في الإقتصاد السعودي. وبالاضافة الی هذه التحدیات التي تواجهها السعودية، فان الرياض واجهت فشلا ذريعا في سوريا بعد دفعها عشرات المليارات من الدولارات للمجموعات المعارضة السورية، ولم يتحقق أملها في اسقاط نظام الرئيس «بشار الأسد». هذا الفشل الذي تعددت أشكاله، يمثل حاجزا أمام السعودية للإبتعاد عن مصر رغم إنزعاج الرياض من تغريد الرئيس عبدالفتاح السيسي خارج السرب السعودي.

السعودية سعت ولا تزال الی توريط مصر في حرب الیمن، لكن الرئيس المصري كان أذكی من ذلك ولهذا إمتنع عن إرسال قواته العسكرية البرية لمقاتلة الشعب الیمني ولعله قد تذكر هزيمة الجيش المصري في الستينات من القرن الماضي في الحرب السابقة مع الیمن. وهنالك الكثير من الشخصيات المقربة من دائرة صنع القرار في مصر مثل «حسنين هيكل» يحذرون بشدة من الإنصياع لرغبات الرياض في دخول حرب الیمن. حيث حذر هيكل خلال حضوره في برنامج تلفزيوني علی قناة السي بي سي قبل يومين، من دخول مصر في أي حرب ضد ليبيا وإثيوبيا، كما حذر قبل ذلك من الزج بمصر في اي صراع ضد الیمن.

ويعتقد متابعون أن الخلافات بين القاهرة والرياض حول الیمن وسوريا وليبيا والبحرين، حالت دون تشكيل قوة عربية مشتركة، للقيام بمهام عسكرية لمواجهة التحديات في المنطقة كما يحلو للرياض، كما جاء في مقال لـ «صحيفة ميدل إيست». إختلاف وجهات النظر بين مصر والسعودية حول الحرب علی الیمن، تعتبر أحد الخلافات الحساسة بين البلدين، حيث أن السعودية تسعى لدعم التيار الاخواني في الیمن والمتمثل في حزب التجمع الیمني للإصلاح، بينما لا توافق مصر علی هذا الدعم السعودي في الیمن. ويری مراقبون أن دعوة الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ «يوسف القرضاوي» من قبل سفارة السعودية في الدوحة لحضور مراسم الیوم الوطني للسعودية، الشهر الماضي، أزعج السيسي كثيرا، حيث كانت الرياض تهدف من هذه الدعوة إيصال رسالة، فحواها انه في حال إستمر السيسي في سياساته التي لا ترغب بها الرياض فانه سيعامل بالمثل.

وفي هذا السياق ينشر المغرد السعودي الشهير «مجتهد» الكثير من الأخبار علی موقعه في تويتر حول الخلافات المصرية السعودية كان آخرها حديثه حول ابتزاز السعودية من قبل السيسي وتهديدها بضرورة إستمرارها بدعم القاهرة. ويقول مجتهد خلال هذه التغريدات إن مصر ستقوم بنشر فضائح الأمراء السعوديين والمزيد من التقارب باتجاه إيران. حيث علی ما يبدو فان الملك السعودي وإبنه محمد بن سلمان خضعا أمام هذه التهديدات، وقدما امدادات تجاوزت المليار دولار في مجال الطاقة لمصر عبر شركة «أرامکو» السعودية. لكن في مقابل هذا الخضوع من قبل الملك السعودي وابنه، يصر ولي العهد السعودي «محمد بن نايف» علی أن التهديدات المصرية يجب أن تواجه بضغوط سعودية ايضا. ويعتقد ابن نايف أنه علی الرياض أن تزيد من دعمها لجماعة الإخوان رغم تصنيفها كجماعة إرهابية وكذلك يجب الإقتراب من «يوسف القرضاوي».

ويری الكثير من المتابعين أن ظروف الحكومة المصرية ورئيسها عبدالفتاح السيسي في الوقت الراهن أفضل بكثير من الظروف التي يمر بها النظام السعودي. حيث أن السيسي يتمتع بعلاقات قوية مع روسيا وكذلك أمريكا وله شعبية داخليا لا بأس بها، فضلا عن دعم الجيش المصري المطلق له. وتختصر مشاكل حكومة السيسي في هذه المرحلة علی الأزمة الإقتصادية والأزمة السياسية الداخلية مع الإخوان الذين أصبحوا لاعبا ضعيفا في الساحة المصرية والدولية. لكن في المقابل فان السعودية تواجه هذه الأيام برودة في علاقاتها مع أمريكا ومشاكل حادة مع دول المنطقة خاصة إيران والعراق وكذلك روسيا. كما أن الرياض تقترب يوما بعد يوم نحو أزمة إقتصادية كارثية اثر انخفاض أسعار النفط الی مستويات قياسية. كل هذه المشاكل ستجعل مواقف السعودية في غاية الهشاشة إزاء تصرفات مصر التي لا تتماشی مع سياساتها.

إذن ان السعودية باتت علی وشك فقدان مصر باعتبارها أحد أهم حلفائها السابقين في المنطقة العربية، وهذا بالطبع سيكون مكلفا بالنسبة للرياض بعد إتساع رقعة الخلافات الداخلية بين الامراء إثر هيمنة الملك سلمان وابنه علی معظم مراکز القرار في البلاد، والتي وصلت حتی الی تقليص سلطات ولي العهد السعودي «محمد بن نايف». إذن فان العلاقات الإستراتيجية السابقة بين القاهرة والرياض انطوت صفحتها في الساعة التي سقط فيها نظام حسني مبارك ولم تعد القاهرة مطية مطيعة بالنسبة لسياسات الرياض في المستقبل.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق