إنعدام الأمن في أفغانستان: جذورٌ أمريكية وتقصيرٌ للسلطة الحالية
تعتبر المشكلة الأمنية في أفغانستان إحدى المشكلات المرتبطة بالسياسة الأمريكية، الى جانب سياسة السلطة داخل البلاد. فواقع الإرهاب المتجذر الذي سعت واشنطن لترسيخه في أفغانستان، يبدو أنه سيكون تحدياً لهيبتها من جديد. في وقتٍ دخلت فيه السلطة الحالية برئاسة غني، مرحلة داخلية جديدة، تتمثل بمصداقيتها في تحقيق وعودها التي أتت بها للسلطة، والتي تتمثل بمحاربة الإرهاب وتأمين الأمن والإستقرار. فكيف يمكن وصف تحديات السلطة الحالية والتي طالما تغنت بالإتفاقية الأمنية؟ وماذا في الدلالات؟
مر عام على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان، إلا أن سقوط بلدة قندوز الإستراتيجية يُعيد الى الأذهان وعود الحكومة، والتي أعلنت أن تأمين الإستقرار والأمن هو من أهدافها الأساسية. وهو ما دفعها لتوقيع الإتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة الإئتلافية بعد أن بقيت معطلة لسنتين في عهد الرئيس السابق. فالرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، انتقد في عهده سقوط قتلى كثيرين، ومعاناة مواطنيه المتزايدة. كما أن مسألة تمتع القوات الخارجية بحصانة تمنع ملاحقتهم، هو من الأمور التي كان يعترض عليها كرزاي. فالعديد من الأعمال التي كانت تمارسها هذه القوات مثل المداهمات الليلية وغارات الطائرات المسيّرة بدون طيّار وعمليات الخطف التي كان يقوم بها الإرهابيون، لم تكن تلقى ترحيباً من الشعب أو الحكومة الأفغانية حينها.
كما كان ينتقد المحللون القوات العسكرية التي تدعي تأمين الأمن في أفغانستان، في حين تقوم بتركيز عملياتها في القرى الأفغانية بدلاً من قيامها بضرب معاقل المتمردين في مناطق القبائل الباكستانية وهو ما يعني أن محاربة جذور الحركة لم تكن هدف القوات. في حينها رفض كرزاي الإتفاقية الأمنية مع واشنطن لنفس الأسباب. في حين أشار مسؤولون أمريكيون، إلى أن وزير الخارجية جون كيري كان قد اعترف بهذا الواقع. فأمريكا رفضت مراراً إسناد أي دورٍ عسكريٍ لقواتها أو لحلف الناتو يهدف لملاحقة مقاتلي طالبان في الممرات الجبلية بين باكستان وأفغانستان، كما أنها أعلنت عن رفضها لتنفيذ أي عمل عسكري ضد الحركة.
لكن سياسة واشنطن البراغماتية، دفعتها في عهد الرئيس أشرف غني، للسعي من أجل توقيع اتفاقية أمنية تهدف لدعم القوات الأفغانية. وهي الحجة التي طالما استخدمتها واشنطن في العديد من الدول من أجل بسط نفوذها كما حصل في العراق.
وقد نصت الإتفاقية الأفغانية الأمريكية على الإبقاء على عدد من القوات الأمريكية من أجل حفظ الأمن في أفغانستان. في وقتٍ روَّجت فيه دولة الرئيس أشرف غني للإتفاقية وهدفها في حفظ الأمن والإستقرار في البلاد معتبرةً ذلك إنجازاً. بينما أعلن الرئيس باراك أوباما أنه سيتم خفض عدد القوات الأمريكية إلى النصف بنهاية ٢٠١٥، على أن يصل الوجود الأمريكي في نهاية عام ٢٠١٦ ليقتصر على العاملين في السفارة الأمريكية في كابول.
منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا ازدادت وتيرة أعمال العنف في البلاد في ظل حالة من اللاإستقرار، الى أن سقطت مدينة قندوز الإستراتيجية بيد حركة طالبان. سقوط المدينة أعاد تسليط الضوء على أداء الحكومة الحالية، فلم تمض إلاّ ايامٌ معدودة علی هجوم طالبان علی مدينة قندوز حتی واجه الرئيس الأفغاني أشرف غني مطالبة من قبل عدد من نواب البرلمان الأفغاني، بالإستقالة عن السلطة. مبررين ضرورة ذلك بما إعتبروه التعامل المخجل من قبل الحكومة وقوی الأمن الأفغانية تجاه جماعة طالبان التي استولت علی مدينة قندوز شمالي البلاد. في حين صرح وزير الحرب الأمريكي أشتون كارتر منذ يومين بأن واشنطن طلبت من شركائها في حلف شمال الأطلسي التحلي بالمرونة، في الوقت الذي يراجع فيه الحلف خططه لسحب القوات سريعاً من أفغانستان.
لا شك أن مسألة الإرهاب في أفغانستان لها جذورها التي تتحمل واشنطن مسؤوليتها. فجعل البلاد خطراً جيوسياسياً على روسيا كان الهدف الإستراتيجي الأمريكي. في وقتٍ يرى العديد من الخبراء والمحللين أنه تقع على السلطة الداخلية مسؤوليةٌ أكبر بكثير. فتحسين الأوضاع الإقتصادية وتأمين الخدمات للمواطنين الى جانب العمل على التغيير الثقافي وتحسين منظومة التعليم، يساهم في منع الأسباب الإجتماعية لتمدد طالبان. في حين يتساءل المراقبون عن السبب في عدم وجود محاولاتٍ جدية لبناء قواتٍ أفغانية قوية ومستقلة عن الدعم الخارجي. فهل ستبقى الحكومة الحالية معتمدةً على واشنطن في ظل سخطٍ داخلي؟
المصدر / الوقت
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق