التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

مخطط الإرهاب التكفيري لن يحرف إتجاه البوصلة ولن يغيّر العدوّ 

أرادوا أن يمحوا القضية حتى من وجداننا وفكرنا، بل يريدون كيّ الوعي لدى شبابنا حتى لا تبقى إرادة المقاومة مزروعة في دماء أجيالنا القادمة. نعم قد سعوا كثيراً وما زالوا، كي يحرفوا إتجاه البوصلة عن فلسطين بمشاريع ومخططات لتفتيت أمتنا وإضعافها، لكن العزيمة لن تضعف والإرادة لن تلين مهما خطّطت أمريكا وربيبتها “إسرائيل” وأدواتهما “الإسلامية” كي تغرقنا بمشاريع الفتنة والإرهاب التكفيري.

إنّ أحد أهم الأهداف التي تعمل أمريكا في الليل والنهار من أجل تحقيقها، هي أن تمحو من عقيدتنا أن إسرائيل عدو وتبرز عدواً آخر هو الإختلاف المذهبي والديني، ونجحت في الكثير من الأحيان أن تزرع في المنطقة أنظمة إستبدادية تدعو للسلام مع العدو الإسرائيلي، وتتماهى مع هذه المخططات تنفيذا للأهداف والمصالح الأمريكية في المنطقة.

ومشروع الإرهاب التكفيري لم يكن ليولد لولا فشل المشاريع الأمريكية الإسرائيلية السابقة لتدمير المنطقة، وتقسيمها إلى دويلات متناحرة لا تستطيع محاربة العدو الإسرائيلي بل تسعى للسلام معه. لكن كل المخططات السابقة فشلت بفضل صمود محور المقاومة وحلفائه بعد إلحاق الهزيمة بالكيان الإسرائيلي في فلسطين ولبنان خاصة. فكانت الخطة البديلة مشروع داعش وأخواتها الذي لم يشهد العالم شبيه له من قبل، وهدفه الأساس إشعال الفتنة بين المسلمين في المنطقة كي ينشغلوا بالتقاتل فيما بينهم وينسوا قتال العدو الأول لهم وتُمحى فلسطين من أولوياتهم.

نعم قد نجح أعداء الأمة في إيجاد عدوٍ جديد للمسلمين، وهو الخلاف الديني والحرب المذهبية التي إنجرّ إلى ميدانها ضعفاء النفوس والحاقدون والمتآمرون على الإسلام، وهم ليسوا مسلمين بل أعمالهم لا تدل على أي إرتباطٍ بالإنسانية. وقد سعوا هؤلاء الرافعين لراية الله أكبر “الأمريكية” إلى فتح باب “الجهاد” على المسلمين وشرعوا بالقتل والذبح والتدمير والتشريد والتعدي على أعراض وأموال المسلمين دون أن يرموا حتى حجر واحد على ” إسرائيل”. فقد أصبح جليّاً أنّ هؤلاء ينفذون المشروع الأمريكي الإسرائيلي تحت راية إسلامية منافقة ومزيفة. وللأسف الشديد بل إنّه لأمر يدمي القلب أن نرى بعض الغافلين والجاهلين يتعاطفون معهم دون إدراك أو وعي للمؤامرة الكبيرة التي تحاك ضد الإسلام على الرغم من وضوح المشهد الذي لا لبس فيه.

وقد تمكن الكيان الإسرائيلي من حذف إسمه كعدو لبعض العرب والمسلمين، حيث سعى للترويج لمشهد إيران “الشيعية” التي تسعى للسيطرة على بلاد السنة. وساعد بعض المتواطئين من رجال الدين والسياسيين لنشر هذه الفكرة والعمل على ضخها في العقول الفارغة التي ما وعت وما أدرت يوماً أنّ إيران هي الوحيدة في هذا العالم التي تدعم حركات المقاومة الفلسطينية “السنية” بالمال والسلاح والموقف في مواجهة عدو المسلمين “إسرائيل” . وفي هذا السياق فقد أشار استطلاع للرأى أجرته أخيرا إحدى المنظمات الإسرائيلية حول اتجاهات الرأى العام فى السعودية، وتبين منه ان 18٪ من العينة تعتبر “إسرائيل” عدوا، و22٪ قالوا ان داعش هى العدو. فقد أصبح باب الإجتهاد في العداء للكيان الإسرائيلي مفتوح وسؤال هل أنّ “إسرائيل” ما زالت عدو مشروعاً. وبالتالي فإنّ قتالها وتحرير فلسطين لم يعد بالنسبة لكثيرين أولوية بل لم يعد هدفاً أو أمراً مهما أو مؤثراً. حتى أن الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي السابق استخدم فى بعض البيانات الصادرة عنه مصطلح الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وليس العربي – الإسرائيلي.

فما يُفهم من ذلك أنّ إسرائيل لم تعد العدو الأول ولا بقيت العدو الأوحد لبعض العرب. ولكن إيران أصبحت منافسا لها. وخطورة هذه الخلاصة تكمن فى انها تسوغ غض الطرف عن الجهد الكبير الذى تبذله إسرائيل لابتلاع كل فلسطين وسحق الفلسطينيين، وتوسيع دائرة التطبيع مع العرب. وتجدر الإشارة أنّ الأمورعند العرب كانت في القرن الماضي أكثر وضوحاً ممّا هي عليه الآن. ففي النصف الأول من القرن العشرين كان الإستعمار الأوروبي الذي احتلّ بعض بلدان المنطقة وهيمن على بعضها الآخر هو العدو . ولم تكن هناك مشكلة في تحديد ماهيّة العدو. كذلك اتّسم الربع الثالث من القرن العشرين بوضوح طبيعة “العدو المشترك” للعرب الذي تجسّد في “العدو الإسرائيلي” ومن يدعمه. لكن الضبابية بدأت تسود مع بداية الربع الأخير من القرن الماضي في تحديد العدو عند بعض العرب، بعد توقيع معاهدات “كامب ديفيد” وخروج مصر من الصراع العربي مع “إسرائيل”، ثمّ بعد قيام الثورة الإيرانية وتأثيراتها على القضية الفلسطينية، ثم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانتهاء حقبة الحرب الباردة التي تركت آثاراً كبيرة على القضايا العربية عموماً. وظروف الأمس ليست كما اليوم والأوضاع السياسية والأمنية تغيرت كثيراً في المنطقة، وحتى النفوس قد تبدلت وبوصلة بعض العرب لم تعد فلسطين بل تمكنت أمريكا وأدواتها بمشروعها التدميري للمنطقة، أن يحرفوا اتجاه البوصلة حتى تنعم “إسرائيل” بالسلام وهي تشاهد العرب والمسلمين يتقاتلون. وما فجّر إنتفاضات الأمس لم يصل أبداً إلى ما يقوم به الإحتلال الغاصب من قتل للمدنيين وتهجير للعائلات وتدنيس المسجد الأقصى والإعتداء عليه، ومع ذلك لم يهبوا العرب والمسلمين لنصرة المسجد الأقصى.

نعم يجب علينا أن نعترف أنّ الغرب بأدواته الإسرائيلية والعربية إستطاع أن يشغل شعوب أمتنا بالإرهاب الذي صنعه وصدّره الينا. لكن في المشهد الآخر هناك من لا تزال أعينهم على فلسطين وسلاحهم موجه بإتجاه العدو الإسرائيلي. ولم تتغيّر الوجهة بالنسبة إليهم وما زالت وستبقى فلسطين قضيتهم المركزية . فمحور المقاومة وحلفائه أخذ عهداً على نفسه أن لا يترك قضية العرب والمسلمين الأولى. ويمكن أن يكون قد حصل في الظاهر تبدل مرحليّ في سلّم الأولويات للقضاء على الإرهاب الذي غدا خطره وجودي، ولم يكن ليُصنع لولا عجز الكيان الإسرائيلي في تنفيذ مخططاته، لكن قتال هذا الإرهاب الإمريكي الإسرائيلي ليس تغييراً لإتجاه البوصلة بل هزيمة هذا المشروع التكفيري سينتج تحرير فلسطين وزوال “إسرائيل” من الوجود.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق