التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

اقليم كردستان ومابعد حافة الهاوية ! 

قبل شهرين تقريبا كتبنا تحت عنوان (اقليم كردستان على حافة الهاوية).. “ان كل الاحتمالات واردة، ومن بين تلك الاحتمالات ان يلجأ البارزاني في حال استنفذ كل محاولاته للبقاء في منصبه، إلى الاستنجاد بالحكومة التركية كما استنجد قبل تسعة عشر عاما بنظام صدام حسين لترجيح كفة حزبه في الصراع العسكري المسلح حينذاك بين حزبه وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني.

ومن بين تلك الاحتمالات ايضا.. أن تنشأ إدارة ثانية للإقليم في مدينة السليمانية، بإشراف حزب طالباني وحركة التغيير، وهذا ما يمكن ان يؤدي الى تفجر الصراع العسكري المسلح في الإقليم بين الفرقاء. وفي كل الأحوال فان أزمة رئاسة الإقليم اشرت بكل وضوح الى هشاشة الواقع السياسي الكردي، وغياب الانسجام والتفاهم بين القوى السياسية الرئيسة، ناهيك عن طغيان نزعة التشبث بالسلطة، والتهديد ضمنا بالذهاب الى السلاح لحسم الأمور”.

ولعله لم يكن من الصعب بمكان استشراف تفاعلات المشهد السياسي الكردي الراهن، على ضوء التجارب السابقة، وهي بلا شك ليست قليلة.

وبين قراءتنا السابقة، وتجاوز الامور بين الفرقاء الاكراد حافة الهاوية وذهابهم نحو المجهول، اقل من شهرين، وهو مايعني ان تداعيات الاحداث سارت بوتيرة متسارعة جدا، ربما لم يكن اصحاب القرار الكردي يتوقعونها، بحيث ان كل طرف كان يراهن على ارغام الطرف الاخر على تقديم التنازلات من على طاولة المفاوضات، وبدا فيما بعد ان تلك الرهانات كانت في غير محلها تماما.

واذا كنا تحدثنا قبل شهرين عن خطر وصول الاكراد الى حافة الهاوية، او بلوغهم اياها، فأننا اليوم يمكن ان نتحدث عن مرحلة “مابعد حافة الهاوية”، لان الامور انقلبت رأسا على عقب، والمصاديق باتت واضحة وجلية الى اقصى الحدود.

فبعد تسعة اجتماعات تفاوضية شاقة لم تفضي الى اية نتيجة ايجابية، وجدت الاحزاب الكردية الخمسة نفسها امام طريق مسدود، في ظل اصرار مسعود البارزاني على الاحتفاظ برئاسة الاقليم وبكامل الصلاحيات، وفي مقابل رفض قاطع من قبل خصومه لذلك، ولان خيار التفاوض قد فشل تماما، فقد كان من الطبيعي والمتوقع ان يظهر خيارا اخر، الا وهو خيار القوة بمعناه الواسع، وهذا ما حصل بالفعل.

والمظاهرات الجماهيرية التي خرجت في عدة مناطق من محافظة السليمانية- التي تعد معقلا لكل من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، وحركة التغيير المنشقة منه بزعامة نوشيروان مصطفى- للمطالبة بصرف الرواتب المتأخرة منذ عدة شهور، وبتنحي البارزاني عن رئاسة الاقليم تعدت الطابع السلمي، حينما قام المتظاهرون بالهجوم على مقرات تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني وقتل وجرح عدد من منتسبيها فضلا عن احراقها.

وهذا كان اول مؤشر لتجاوز حافة الهاوية، اذ راحت الحملات الاعلامية بين حزبي البارزاني ومصطفي تاخذ ابعادا خطيرة جدا، وزادت خطورتها حينما منع حزب البارزاني، رئيس برلمان الاقليم يوسف محمد المحسوب على حركة التغيير من دخول مدينة اربيل وارغامه على العودة الى السليمانية، وتزامن ذلك مع اعطاء مهلة ثماني واربعين ساعة لاعضاء البرلمان والوزراء التابعين لحركة التغيير لمغادرة اربيل، واكثر من ذلك اعلان رئيس حكومة الاقليم نيجرفان البارزاني اعفاء وزراء “التغيير” الاربعة في حكومته، وهم وزراء الاوقاف والشؤون الدينية والتجارة والمالية وشؤون البيشمركة، اضافة الى اعفاء مدراء عامين تابعين للحركة في اربيل ومن بينهم مدير عام الطرق والجسور، ومدير عام هيئة السياحة.

ولم يكتف الحزب الديمقراطي بذلك، بل انه عمد الى اغلاق مكاتب ومقرات وسائل اعلام تابعة لحركة التغيير، وطرد العاملين فيها الى السليمانية.

وفي الوقت الذي اعتبرت حركة التغيير (كوران)، ان منع رئيس البرلمان من دخول اربيل، واجبار البرلمانيين والوزراء من الحركة على ترك المدينة يعد انقلابا من قبل حزب البارزاني، يؤكد الاخير ان “كوران تقف وراء اثارة المتظاهرين ودفعهم الى مهاجمة مقرات الحزب في السليمانية وتحريضهم على رئيس الاقليم وتحميله وحده مسؤوليات الازمات”.

وفي هذا الاطار نجد ان هناك تفاعلات وتداعيات متواصلة للازمة تجعلها تأخذ مديات اوسع واخطر، بحيث يصعب الى حد كبير احتوائها وتطويقها، في ظل بقاء العوامل والعناصر المسببة لها والمحفزة عليها.

ومن هنا، فأن الحديث اليوم يتمحور حول صورة مابعد الازمة، او بتعبير اخر مخرجاتها.

ولعل اول شيء ستفرزه، او ربما لانبالغ اذا قلنا افرزته مبكرا، هو تشظي الوضع الكردي، ليتحول الى ادارتين واحدة في اربيل ودهوك تحت سلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاخرى في السليمانية، بيد انه من غير الواضح لمن ستكون السلطة فيها، بعدما ظهرت حركة التغيير كقوة سياسية مؤثرة ولها جمهور كبير على حساب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان في السابق هو صاحب السلطة الحقيقية في السليمانية، أي ان طبيعة العلاقة الملتبسة والشائكة بين الاتحاد والتغيير، يمكن ان توجد في باديء الامرادارة مشتركة للسليمانية فيما بين الطرفين، لكنها ستكون حافلة بالكثير من الاشكالات، وهو ما يمكن ان يفضي الى تحولها الى ادارتين في مرحلة او مراحل لاحقة.

الامر الاخر الذي ستفرزه الازمة، هو دخول اطراف كردية غير عراقية على الخط، وهذا ما لاحت بعض بوادره مبكرا، من خلال تسريبات اكدت ان حزب العمال الكردستاني التركي(P.K.K) شارك في الهجمات على مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني، كنوع من الانتقام بسبب مواقف حزب البارزاني المهادنة للحكومة التركية، كذلك فأن احزابا كردية سورية لاتحتفظ بعلاقات طيبة مع حزب البارزاني ربما تجد الفرصة سانحة لها لتصفية بعض حساباتها معه.

والامر الاخر، ان تشظي الوضع الكردي، وعودة الاقتتال والصراع بين القوى السياسية هناك، سيتيح لتنظيم داعش الارهابي تحقيق اختراقات امنية للاقليم، بل ربما ستعمد بعض الاطراف الى استهداف خصومها بعمليات ارهابية، وتلصقها بتنظيم داعش بطريقة او باخرى.

الامر الاخر، ان العلاقة المرتبكة بين حكومة الاقليم والحكومة الاحادية في بغداد، ستشهد المزيد من الارتباك، بحيث لن يكون بالامكان حسم القضايا الخلافية بسهولة، لان ما يتم الاتفاق عليه مع السلطة في اربيل لن يحظى بقبول اصحاب السلطة في السليمانية، وهكذا.

الى جانب ذلك فأن الاوضاع الاقتصادية والحياتية لعموم سكان الاقليم، لاسيما السليمانية والمناطق التابعة لها ستشهد تراجعا كبيرا، مرتبط في جانب منه بتأخر دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، وفي جانب اخر بانحسار قطاعات السياحة والاستثمار وعموم النشاط التجاري مع الدول المجاورة.

والاكثر من ذلك كله لن يعد بأمكان أي طرف كردي الحديث عن تشكيل دولة كردية مستقلة، والانفصال عن العراق، بأعتبار ان النجاح الحقيقي للاكراد يتمثل في المحافظة على تماسك اقليمهم، وفي حال فشلوا بذلك لاي سبب، فكيف بهم ان ينجحوا بما هو اصعب واعقد؟.
عادل الجبوري

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق