الغرب يحمي اللاجئين.. ما بين الادعاء والواقع!
أصبح خبر غرق قوارب المهاجرين المتجهة الى أوروبا من الأخبار التي نسمعها يوميا. ولكن المؤلم في هذا الموضوع أن هذه الأخبار بدأت تصبح روتينية الى درجة أن وسائل الاعلام المختلفة تتناقل الخبر كأي خبر آخر يتعلق بحدث سياسي أو اجتماعي. ومؤخرا نقلت وكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس” عن خفر السواحل اليوناني أنه تم العثور يوم الأحد على جثث عشرة أشخاص في قارب قرب جزيرة لسبوس اليونانية بالاضافة الى جثة أخرى على شاطئ الجزيرة. وكان أكثر من 60 شخصا نصفهم من الأطفال قد لقوا مصرعهم غرقا خلال الأيام القليلة الماضية في طريقهم الى الجزيرة والجزر اليونانية الأخرى كمقدمة لوصولهم الى أوروبا. والمؤلم أكثر في هذا الخبر أنه من المؤكد بأنه لن يكون الأخير من نوعه.
وانطلاقا من هذا الخبر الذي أقل ما يمكن وصفه بالمؤلم، تبدأ قصة الكذب والنفاق الغربي، حيث يطالعنا كبار زعماء الغرب بتصريحات ولقاءات لمناقشة أزمة المهاجرين الى أوروبا، وكل منهم يدلي بدلوه في هذا المجال من نظريات وتصريحات وكل ذلك بهدف ابعاد الأنظار عن التقصير بل التواطؤ الغربي ازاء هذه المسألة. كيف لا يكون تواطؤاً؟ والدول الغربية تقوم بالضغط واغلاق المنافذ أمام المهاجرين في سعي الى الحد من دخولهم الى أراضيها هذا من جهة. ومن جهة أخرى لا يحرك الغرب ساكنا ازاء الأزمة المستمرة في سوريا منذ سنوات لا بل على العكس تماما، يدعم الأطراف المسلحة التي تؤجج الصراع هناك.
هنا لا بد من الاشارة الى لفتة مهمة وهي اصطلاح “أزمة المهاجرين” مما يؤكد أن الغرب يتعامل مع موضوع المهاجرين كأزمة تتعرض لها أوروبا. وليس كموضوع انساني بحاجة الى حل جذري من خلال دعم الحراك السياسي والضغط على الدول التي تدعم المجموعات الارهابية في مناطق الصراع.
وبالعودة الى الطروحات الأوروبية الكثيرة والتعهدات التي قدمتها بعض الدول لاحتواء أعداد كبيرة من اللاجئين. تؤكد التقارير أن أيا من الدول الاوروبية لم تبدأ بتنفيذ تعهداتها رغم بداية فصل الشتاء الشديد البرودة في أوروبا. فلم يتم اتخاذ الاجراءات الكفيلة بحفظ أرواح المهاجرين الى تلك الدول مما يؤكد أن الغرب يضرب بعرض الحائط كل القيم والأعراف الأخلاقية التي تقرها قوانينه الداخلية.
هذا في وقت يدرك العالم بأسره بأن ما يحصل اليوم لو كان يحصل في دول أخرى لكان الغرب نفسه وسياسيوه أنفسهم ممن ينظرون اليوم لحل “أزمة المهاجرين” لانبروا للدفاع عن حقوق الانسان التي يتغنون بها ولشكلوا ملفات ومحاكم مختصة ولأرسلوا مندوبين لهم للنظر في هذه الانتهاكات اللاانسانية. أما اليوم فالواقع مغاير وهذه الانتهاكات تحصل على حدود دولهم لذلك لا بد من التعامل معها كأزمة وليس كمسألة انسانية بحاجة الى حل وبغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
وللوقوف على حقيقة التوجهات الغربية ازاء هذه المشكلة الانسانية من الجيد الاشارة الى بعض الطروحات التي قدمت، والتي تبين مدى الاهتمام الغربي بأبسط حقوق الانسان.
ومن هذه الطروحات ما اقترحه توني ابوت رئيس الوزراء الاسترالي، الذي قدم طرحا خشنا يقضي باعتراض القوارب التي تقل مهاجرين واعادتهم من نقطة انطلاقهم. طبعا نفس استراليا تتعامل مع المهاجرين اليها بطريقة شبيهة نوعا ما حيث تمنع المهاجرين من دخول أراضيها أو تجمعهم في مراكز على السواحل الاسترالية كمقدمة لاعادة ترحيلهم. والجدير ذكره أن هذا الطرح قد حصل على اعجاب مجموعة من الزعماء الأوروبيين.
ومن الطروح الأوروبية الأخرى، يستوقفنا طرح اندرو ميشيل أحد وزراء الحكومة البريطانية السابقة والذي أعرب عنه خلال لقاء مع البي بي سي والذي يقول فيه بوجوب ارسال قوات برية الى سوريا لمنع خروج المهاجرين من هناك وحل المشكلة من جذورها من خلال تشكيل مخيمات للاجئين تحت حماية القوات المشتركة التي تستقر هناك والتي يمكن تشكيلها من بعض الجيوش العربية كالجيش الاردني والمصري مثلا.
هذه الطروحات وغيرها الكثير تبرر سياسة العنف التي يتعرض لها اللاجئين في بعض الدول الاوروبية والتي تمكن الاعلام الغربي من التغطية عليها بشكل ممتاز. كما أن التقصير الاوروبي المتعمد واغلاق المنافذ أمام المهاجرين جعل هذه الازمة بابا للمتاجرة بالبشر من قبل مافيات التهريب.
أما الدول التي استقبلت مهاجرين والتي تقوم ماكينتها الاعلامية بتسليط الضوء على الامكانات التي قدمت انما تريد تحريك عجلتها الاقتصادية عبر اليد العاملة والنخب العلمية التي تبحث عن فرص عمل في أوروبا. وهناك الكثير من التقارير التي تشير الى استغلال المهاجرين في أعمال بأجور منخفضة وأعمال غير قانونية. طبعا دونما أن تحرك ساكنا تلك الدول التي تدعي احترام حقوق الانسان وتقديم الامكانات اللازمة للعيش برخاء للاجئين على أراضيها.
ختاما من الضروري التأكيد على أن موضوع المهاجرين هو موضوع انساني ومن الخطأ التعامل معه كأزمة. وكأن المهاجرين وطالبي اللجوء الى أوروبا هم ممن ينعمون بحياة كريمة في بلادهم ولكن طمعهم جعلهم يقدمون على الموت للوصول الى أوروبا. فليعلم الغرب واوروبا أن هذا ليس الواقع. الواقع أن سياسات أوروبا والغرب هي السبب وراء هذه المأساة وليس العكس. ولا يمكن انهاء هذه المأساة الا بتغيير السياسة الاوروبية والغربية اتجاه بلادنا عسى تنعم شعوبنا وأطفالنا بمستقبل واعد خالي من المآسي والحروب.
المصدر / الوقت